من التالي الذي يستحق الإنقاذ؟
جاء الترتيب «للزواج القسري» بين شركة UBS وبنك Credit Suisse (كريدي سويس) على عَـجَـل من أجل ضمان سلامتنا الجماعية، وكما أشار رئيس البنك الوطني السويسري (البنك المركزي السويسري)، فإن حجم بنك كريدي سويس وشبكته العالمية يجعلانه «بنكاً عالمياً مهماً على المستوى الجهازي»، وعلى هذا فإن استحواذ شركة UBS عليه- وبالتالي منع إفلاسه- «يضمن بقاء وظيفته المهمة جهازياً آمنة»، ولكن هل نتجرأ فنأمل تطبيق حِـس مماثل من الإلحاح ونشر الموارد على هذا النحو الطموح على الأزمات المتفاقمة التي تواجه أكثر من نصف بلدان العالَـم المنخفضة الدخل؟
كان اتفاق اندماج UBS وكريدي سويس بوساطة من الحكومة ممارسة غير معهودة في سويسرا، ليس فقط لأنه أُبـرِم في يوم أحد، وهو يوم الراحة الذي يُـفـرَض بالقوة عادة في سويسرا، بل لأن الحكومة استندت إلى قوانين الطوارئ لإبطال حق المساهمين في التصويت على اتفاقيات الاندماج، وخفضت قيمة كل سندت كريدي سويس الإضافية من الطبقة الأولى (AT1)- بقيمة 17 مليار دولار تقريباً- لتعرض نفسها بذلك لسنوات من التقاضي.
يخشى بعض المراقبين أن تؤدي هذه التدابير إلى تلويث سُـمعة سويسرا بين المستثمرين. ربما يحدث هذا حقاً، ولكن إذا نجح الاندماج في تثبيت استقرار النظام المالي، فستعود الفائدة علينا جميعا، والحق أن هذه النتيجة ليست مضمونة، ولكن ليس بسبب أي خلل في صنع القرار من جانب السلطات، أو أي عامل تستطيع السلطات فرض سيطرتها عليه، فخلاصة القول هنا أن الأنظمة المعقدة لا يمكن التنبؤ بها، وحتى التدخلات الجيدة التصميم قد تكون قاصرة.
لم تردع حالة عدم اليقين هذه الحكومة السويسرية عن إظهار قدر غير عادي من القيادة الحكيمة في وقت حيث كنا في احتياج إليها حقاً، ولم تمنع أوجه عدم يقين مماثلة اقتصادات كبرى من حشد أكثر من 15 تريليون دولار في هيئة تمويل تحفيزي قصير الأجل لحماية أنفسها من المخاطر الجهازية أثناء الجائحة.
ينطبق ذات الأمر على حماية الاقتصاد من أشكال العجز الأطول أمدا. على سبيل المثال، خصص الاتحاد الأوروبي ما يقرب من 900 مليار دولار للتنمية الاقتصادية بعد الجائحة، وحشدت الولايات المتحدة والصين تريليونات الدولارات للاستثمار في مشاريع البنية الأساسية والتكنولوجيات الخضراء. قد لا تضمن مثل هذه التدخلات مستقبلاً آمناً، لكنها شديدة الأهمية رغم ذلك. على نحو مماثل، القيادة الجريئة مطلوبة الآن للتصدي للتحديات التي تواجه البلدان المنخفضة الدخل المتزايدة الضعف، وخاصة تلك التي تواجه أزمة الديون السيادية المتعددة الأوجه، ومعدلات الفقر المرتفعة والمتصاعدة، وانعدام الأمن الغذائي، وعدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي- وكل هذا يتفاقم بفعل الحرب الدائرة في أوكرانيا- جنباً إلى جنب مع التأثيرات المتصاعدة المترتبة على تغير المناخ، ولكن حتى الآن، لا يوجد لمثل هذه القيادة أثر في أي مكان.
بدلاً من ذلك، قدمت حكومات الدول الغنية استجابة شديدة البطء والتشظي والافتقار إلى الطموح لهذه الأزمات التي تعزز كل منها الأخرى، في حين كانت دول مجموعة العشرين الأخرى القادرة على إحداث الفارق- بما في ذلك الصين والهند وروسيا والمملكة العربية السعودية- بطيئة الحركة أيضاً، يسوق قادة الاقتصادات المتقدمة مبررات مدروسة جيداً لتقاعسهم عن العمل، مشيرين كبداية إلى أنهم أيضا لديهم مشاكلهم، وخاصة التضخم المرتفع والقيود المالية المتزايدة الإحكام، والتي تغذي الإحباط الشعبي والاضطرابات السياسية.
ويُـعـرِب القادة أنفسهم عن تخوفاتهم بشأن «الخطر الأخلاقي»، فهم يزعمون أن حكومات البلدان المحتاجة يجب أن تلوم نفسها عن ورطتها الحالية، ووفقا لهذه الرؤية، أفرطت هذه الحكومات في الاستدانة، وفشلت في خدمة سكان بلدانها على النحو اللائق، مما يشير إلى أنها من المرجح أن تبدد أي قدر تتلقاه من الإغاثة.
لكن السبب الثالث وراء التحرك البطيء المتزايد تدريجياً في التصدي للتحديات التي تواجه البلدان المنخفضة الدخل هو الأكثر سخافة وعبثية، فخلف الأبواب المغلقة، خلصت حكومات الدول الغنية في واقع الأمر إلى أن ضائقة الدين التي تواجه أكثر من 60% من هذه البلدان (وأكثر من 25% من الاقتصادات الناشئة) لا تشكل تهديداً جهازياً شاملاً، وعلى هذا فعلى الرغم من استعدادها إلى العمل بسرعة لإنقاذ البنوك المحلية- وحتى المؤسسات المتوسطة الحجم- فقد خلصت إلى أن تقديم إعفاءات كبيرة من الدين لعشرات من البلدان المثقلة بالديون والتي تؤوي مئات الملايين من المواطنين المستضعفين لا يستحق التكلفة والعناء. من المحتمل تماماً أن تعجز جهات فاعلة عديدة عن تكوين فهم واضح وشامل للعواقب الجهازية المترتبة على الأزمات المختمرة- وخاصة ضائقة الديون- في البلدان المنخفضة الدخل، فالأزمات تحدث «هناك»، في أماكن يجعلها بُـعـدها المادي وعدم أهميتها الاقتصادية والمالية الظاهرة تبدو غير ذات أهمية أو صِـلة.
سيكون استخفافنا بما يحدث «هناك» على هذا النحو سبب سقوطنا، فإذا كانت الـغَـلَـبة للمصالح السياسية والتجارية القصيرة الأمد على الضرورات الأبعد أمداً مثل منع موجات مستمرة من أزمات الديون، ستزداد صعوبة العمل الجماعي لتخفيف حِـدة تغير المناخ، وضمان الأمن الغذائي والاستقرار السياسي، وابتكار أساليب هادفة في التعامل مع العدد المتزايد من اللاجئين. بطبيعة الحال، يستشعر السكان الأكثر فقرا التأثيرات المترتبة على هذه المشكلات بالفعل، لكن القادرين على إحداث الفارق اختاروا أن يظلوا على مسافة بعيدة.
الواقع أن صفقة UBS–كريدي سويس تقدم مزيداً من الأدلة التي تؤكد أن السلطات قادرة على التحرك بسرعة وبدرجة كبيرة من الطموح للتخفيف من تهديد المخاطر الجهازية، حتى لو كانت التكلفة كبيرة والنتيجة غير مؤكدة، عندما تتوفر الإرادة. قد لا تدرك حكومات الدول الغنية العواقب الجهازية المترتبة على المخاطر المتجمعة في العلاقة بين الديون السيادية، وتغير المناخ، والفقر، وعدم الاستقرار السياسي، أو قد لا تكون راغبة في الاعتراف بهذه العواقب، لكن هذا لن يمنع تلك العواقب من التحقق، فالعواقب الجهازية خطيرة بقدر ما تخلفه من أثر.
* سيمون صادق المدير التنفيذي لمؤسسة NatureFinance.