رغم تواصل المعارك الطاحنة لليوم الثالث في السودان، وتصاعد عدد الضحايا بشكل دراماتيكي إلى 100 قتيل و1000 جريح، تمسّك قائد الجيش رئيس مجلس السيادة الحاكم عبدالفتاح البرهان، أمس، برفض التدخل الدولي لحل خلافه مع نائبه وحليفه السابق رئيس قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو «حميدتي»، الذي طالب المجتمع الدولي «بالتحرك الآن لوقف الجرائم ومنع الإسلام الراديكالي من القضاء على الديموقراطية».

وكررت وزارة الخارجية السودانية رفض المندوب الدائم بالإنابة لدى جامعة الدول العربية، الصادق عمر عبدالله، التدخل الخارجي بشؤون السودانيين، والسماح لهم بحل مشكلاتهم بأنفسهم.

Ad

وقالت وزارة الخارجية، في بيان: «نقدر الجهود الدولية بشأن التهدئة، لكنّ الأمر شأن داخلي ينبغي أن يُترك للسودانيين لإنجاز التسوية المطلوبة».

وخلافاً لرفض إدارة البرهان لفكرة تدويل الصراع، طالب حميدتي، أمس، المجتمع الدولي بالتحرك الآن والتدخل ضد «جرائم» البرهان، واصفا إياه بأنه «إسلامي متطرف يقوم بقصف المدنيين من الجو».

وكتب حميدتي، في سلسلة تغريدات، «الحرب التي نخوضها الآن هي ثمن للديموقراطية، وأفعالنا هي رد على حصار ومهاجمة قواتنا، وجيش البرهان يشنّ حملة وحشية على المدنيين الأبرياء ويقصفهم بمقاتلات الميغ».

وقال حميدتي: «سنستمر في ملاحقة البرهان وتقديمه للعدالة، وسنتخذ كل الإجراءات لضمان أمن وسلامة الشعب، وسنفعل كل شيء لحماية الديموقراطية ودعم حكم القانون، وسننتصر ونحقق السلام والاستقرار»، مضيفاً: «نحن نحارب الإسلاميين الراديكاليين الذين يأملون في إبقاء السودان معزولاً، وبعيداً عن الديموقراطية».

قصف وقتلى

وفيما لا يرتسم في الأفق أي وقف لإطلاق النار، أحصت نقابة أطباء السودان المركزية حتى صباح أمس مقتل 97 وإصابة 942 من المدنيين والعسكريين، مبينة أن 56 سقطوا السبت و41 الأحد، نصفهم بالعاصمة.

وأعلنت النقابة خروج عدد من المستشفيات عن الخدمة تماماً، بسبب تعرّضها للقصف، مشيرة إلى أن المؤسسات الصحية بالخرطوم وعدة مدن أصبحت هدفاً للمدافع والأسلحة النارية، في انتهاك واضح للقانون الدولي الإنساني والمواثيق.

وقالت إن مستشفيات الشعب التعليمي وابن سينا التخصصي وبشاير تعرضت لأضرار جسيمة، وتم إخلاء مستشفى الشرطة، وهو الآن خارج الخدمة تماماً، وإغلاق مستشفى الضمان بمدينة الأبيض بعد اقتحامه من القوات المسلحة، فضلاً عن انقطاع الكهرباء عن المستشفى الدولي بمدينة بحري.

وقرر برنامج الأغذية العالمي وقف جميع عملياته بعد مقتل 3 من موظفيه في اشتباكات بشمال دارفور، وتعرّض إحدى طائراته «لأضرار بالغة» في مطار الخرطوم.

وندد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بأعمال القتل ودعا إلى المساءلة. وقال: «يجب تقديم أولئك المسؤولين عن ذلك إلى العدالة دون تأخير، العاملون في المجال الإنساني ليسوا هدفاً».

وساطة وحوار

وبعد ساعات من دعوة جامعة الدول العربية للوقف الفوري للاشتباكات وتفادي التداعيات الخطيرة للتصعيد، قررت الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)، إرسال رؤساء جنوب السودان سلفا كير، وجيبوتي إسماعيل عمر جيله، وكينيا ويليام روتو، إلى العاصمة السودانية الخرطوم «في أقرب وقت ممكن» للتوسط ومصالحة البرهان وحميدتي وحلّ الأزمة ووقف اقتتال الجيش وقوات الدعم السريع.

وخلال قمة استثنائية لرؤساء دول وحكومات منطقة شرق إفريقيا، طالبت «إيغاد» بوقف فوري للقتال في السودان، ودعت كلا الطرفين إلى فتح ممر آمن للمساعدات الإنسانية.

وعلى هامش قمة مجموعة السبع في كارويزاوا اليابانية، دعا وزيرا الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن والبريطاني جيمس كليفرلي، أمس، جنرالات السودان إلى «وقف القتال فوراً» بين الجيش وقوات الدعم السريع، و«العودة الى المحادثات».

وقال بلينكن، بعد اجتماعه مع كليفرلي، إن الحلفاء يشعرون «بقلق عميق من القتال والتهديد الذي يشكّله على المدنيين وعلى السودان والمنطقة بأكملها»، وأشار إلى وجود رأي مشترك بضرورة اتخاذ خطوات لحماية المدنيين وغير المنخرطين في القتال والأجانب.

ولفت إلى أنه تمت مناقشة الوضع في السودان مع حلفاء في الشرق الأوسط وإفريقيا، وهناك اتفاق مشترك حول ضرورة أن يعمل العسكريون على ضمان حماية المدنيين وغير المقاتلين وكذلك مواطنين من دول أخرى.

وتابع بلينكن: «شعب السودان يريد عودة الجيش إلى الثكنات ويريد الديموقراطية، وحكومة يقودها مدنيون. ويجب أن يعود السودان إلى ذلك المسار».

وقال كليفرلي إن ما سيحصل «في المستقبل القريب يكمن في أيدي الجنرالات المشاركين في هذا القتال»، مضيفاً: «ندعوهم إلى وضع السلام أولا وإنهاء القتال والعودة الى المفاوضات. هذا ما يريده شعب السودان، وهذا ما يستحقه شعبه».

ودعت وزارة الخارجية الألمانية طرفَي القتال إلى وقف تصعيد الصراع، معلنة تشكيل خلية أزمة لبحث الوضع في السودان ومتابعة التطورات عن كثب.

تحذير إسرائيلي

وفي موقف لافت، حذّر وزير الخارجية الإسرائيلي من تطورات سلبية وأمور غير جيدة إذا دخلت الجماعات الإسلامية المتطرفة بالمعارك الدائرة في السودان، مؤكداً أن إسرائيل تعمل كل ما بوسعها لتهدئة الأوضاع بين الجيش وقوات الدعم السريع.

وقبل ساعات، كشفت صحيفتا يديعوت أحرونوت ويسرائيل هيوم عن اتصالات تجريها وزارة الخارجية الإسرائيلية وجهاز الموساد مع البرهان وحميدتي للتهدئة ووقف التدهور العنيف، وأفادتا بأن الحكومة الإسرائيلية توصلت إلى استنتاج بأنه لن يكون بالإمكان التوقيع على اتفاق سلام كامل مع السودان قبل انتهاء المواجهات.

وفيما لا يزال من غير الواضح من له اليد العليا في الصراع على السلطة، تبادل الطرفان مزاعم بالسيطرة على بنية تحتية مهمة، مثل القيادة العامة للجيش وبيت الضيافة والقصر الجمهوري والمطارات الدولية في الخرطوم وعدد من الولايات، ومبنى التلفزيون الحكومي.

منزل البرهان

وأعلنت قوات الدعم السريع، أمس، اقتحام منزل البرهان بالقيادة العامة للجيش، وبثت على صفحتها بموقع فيسبوك فيديو يظهر كراجاً بداخله عدد من السيارات المدينة، وجنودها يتجولون داخل المنزل ويعتلون سيارات ويتفقدون عدداً من المدرعات داخل حديقة. وبثت قوات الدعم فيديو لعناصرها داخل قيادة الجيش مع عدد من الدبابات المدمرة والمحترقة، وتحدثت عن إسقاط طائرة مقاتلة واستمرار الانتصارات.

ونفت قيادة القوات المسلحة استيلاء قوات الدعم السريع على مقر القيادة العامة أو بيت الضيافة أو القصر الجمهوري.

وقال مكتب القيادة، في منشور، «تقوم بعض الأبواق الإعلامية للميليشيا المتمردة ببث الكثير من الأكاذيب لتضليل الرأي العام»، مشيراً إلى أن «الموقف العملياتي حتى الآن بالعاصمة يتضمن اشتباكات محدودة حول محيط القيادة العامة ووسط الخرطوم».

وأضاف أن «القوات المسلحة تسيطر تماماً على جميع مقارها، ولا صحة لما يتم تداوله بشأن استيلاء العدو على القيادة أو بيت الضيافة أو القصر الجمهوري».

وأشار إلى «تنفيذ القوات الجوية ضربات ضد عدد من الأهداف المعادية، وسيتم مواصلة ذلك حتى تصفية آخر جيب للميليشيا المتمردة بالعاصمة التي بدأت تقوم فيها بممارسة أعمال سلب ونهب متفرقة تحت التهديد لممتلكات المواطنين العزّل».