هاني شاكر... أمير الرومانسية والنغم الجريح

• فقد والدته في عيد الأم... والسرطان اختطف ابنته في ريعان شبابها

نشر في 18-04-2023
آخر تحديث 17-04-2023 | 15:36
امتلك المطرب المصري هاني شاكر إطلالة متفردة في عالم الغناء، وسطعت موهبته خلال فترة السبعينيات من القرن الماضي، وصار أمير الرومانسية من عمالقة الطرب الأصيل في العالم العربي، واعترضت حياته صدمات موجعة، وخاض نقيب الفنانين المصريين السابق، معركة شرسة ضد الفن الهابط، ولا يزال أمير النغم الجريح، يواصل الإبداع والحلم الجميل. قدَّم شاكر عشرات الألبومات الغنائية، وتعاون مع كبار الشعراء والملحنين، منهم بليغ حمدي ومحمد الموجي ومحمد سلطان وحسن أبوالسعود وعبدالرحمن الأبنودي ومجدي نجيب، وغنى باللهجة الخليجية «وأنت غايب» كلمات الشاعر السعودي خالد بن معمر، وألحان محمود حسن، وتوزيع يوسف حسين «مهاب». وظهر الفنان المحبوب على الشاشة في أربعة أفلام فقط، بدأت بفيلم «سيد درويش» عام 1966، إخراج أحمد بدرخان، وجسّد فيه شخصية فنان الشعب في مرحلة الطفولة، وشارك في البطولة هند رستم وكرم مطاوع وأمين الهنيدي.

بعد سبع سنوات، التقى شاكر نجم الكوميديا عادل إمام في فيلم “عندما يغني الحب”، إخراج نيازي مصطفي، وفي 1974 قدم “عايشين للحب” أمام نيللي، وإخراج أحمد ضياء الدين، وفي العام التالي فيلمه الأخير “هذا أحبه وهذا أريده” للمخرج حسن الإمام. وشاركه في البطولة نورا وسعيد صالح ويونس شلبي.

رحَّب بتهمة تقليد العندليب واعتبره شرفاً كبيراً

سندريلا والمدَّاح

وخاض المطرب هاني شاكر تجربة المسرح الغنائي في مسرحية “سندريلا والمدَّاح” ((1974، وشارك في البطولة نيللي ووحيد سيف وإخراج حسن الشامي، و”مصر بلدنا” (1978) مع المطربة فايزة أحمد، وأوبريت “أنشودة العروبة” (2001) في مهرجان الجنادرية بالسعودية.

والمتابع لمسيرته الفنية يلاحظ قلة اهتمامه بالتمثيل، وقد برر ذلك بقوله إنه قدّم هذه الأفلام أثناء دراسته في الجامعة، وانشغل بحفلاته الغنائية، وفي فترة الثمانينيات كانت الأفلام التي تُعرض عليه ذات أفكار مختلفة وبعيدة عن الفيلم الموسيقي الرومانسي الذي سبق أن قدمه، لذا لم يجد نفسه في السينما.

ويرى شاكر أن السينما الآن وجمهورها لا يشبهه، لكن إذا فكّر في تقديم عملٍ سينمائي فإنه سيكون كوميديًا، لأنه بطبيعته يميل إلى المرح، ويحلم أيضًا بتقديم مسلسل تلفزيوني، كممثلٍ وليس مطربًا.



لمسة وفاء لوالدته الراحلة منعته من الاحتفال بعيد الأم

بداية الرحلة

وُلد هاني شاكر في القاهرة يوم 21 ديسمبر 1952، وظهرت موهبته الغنائية في وقت مبكر، ودرس الموسيقى في المعهد العالي للموسيقى واشترك خلال تلك الفترة في برامج الأطفال التي كان ينظمها التلفزيون المصري في الستينيات.

واكتشف الموسيقار محمد الموجي موهبة المطرب الشاب، وبعد فترة من التدريب، وفي عام 1974، قدمه للجمهور من خلال أغنية “حلوة يا دنيا”، كلمات الشاعر صلاح فايز، التي حققت نجاحًا كبيرًا، وتوالت بعدها رحلته في عالم الأضواء والشهرة.

وقدم الكثير من الأغنيات الناجحة، منها “كده برضه يا قمر”، تأليف صلاح فايز وألحان خالد الأمير، والطريف أن هذه الأغنية كانت ستغنيها الفنانة شادية، وصادف أن هاني شاكر سيشترك معها في إحدى الحفلات، ويبحث عن أغنية جديدة ليقدمها في الحفل، وتنازلت عنها المطربة الكبيرة للمطرب الشاب، وحققت نجاحًا كبيرًا ولا تزال من أهم أغنياته حتى يومنا هذا.

في تلك الفترة، واجه هاني شاكر تهمة تقليد عبدالحليم حافظ، واعتبر ذلك شرفًا كبيرًا ووصفًا لم يضايقه، لأنه يحب المطرب الكبير، ويرى نفسه تلميذًا في مدرسته، والدليل أن شاكر غنى العديد من أغنياته، ويُعد من أفضل المطربين الذين شدوا بأغنيات العندليب الأسمر.

وتوالت رحلة أمير الغناء والرومانسية في فضاء الأنغام، وحقق حضوره المتفرد، وكرّس حياته لفنه، وتراكمت لديه خبرات في الأداء والإحساس الصادق، وتقديم الأفضل لجمهوره، والحفاظ على مكانته الفنية، بانتقاء الكلمة واللحن الجيدين، وتناغمت أعماله بين الطرب الأصيل وروح العصر.



المطرب العاطفي واجه عادل إمام في «عندما يغني الحب»

صدمة العمر

تزوج الفنان هاني شاكر من السيدة نهلة توفيق في عام 1982، ورُزِق منها بابنته دينا وابنه شريف، وعاش حياة مستقرة مع أسرته، وسكنت السعادة في منزله طيلة 29 عامًا، حتى تعرَّض لصدمة موجعة، حين رحلت ابنته دينا، وتركت داخله جرحًا لا يندمل.

وسيطر الحزن على المطرب صاحب الإحساس المرهف، وتلاشت ابتسامته التي تضئ وجهه، وابتعد عن الساحة الفنية لفترة طويلة، وظل يتذكر ابنته ويجهش بالبكاء. ووصف رحيلها بأنه الصدمة التي فاقت صدمة وفاة أمه الغالية والتي تعتبر أغلى شيء عنده بالحياة، ووفاءً لها امتنع عن الاحتفال بعيد الأم، لرحيلها في نفس اليوم، إثر نوبة قلبية.

عانت الابنة الراحلة من مرض السرطان لسنوات طويلة، وخلال فترة مرضها أجّل هاني شاكر الكثير من الحفلات والمناسبات. وسافر معها إلى عدد كبير من الدول الأوروبية حتى تستعيد صحتها مُجددًا. وبالفعل تعافت كثيرًا ولكن المرض اللعين تمكّن منها، ورحلت الابنة الشابة في 22 يونيو 2011، وعمرها 27 عامًا.

تلك اللحظات الأليمة، رصدتها عدسات المصورين، وظهر الأب المكلوم خلال العزاء منهارًا تمامًا، رغم توافد أعداد كبيرة من زملائه وجمهوره لمواساته، وحاولوا التخفيف عنه، ولكن جرحه كان عميقًا، وترك أثرًا داميا في روح الفنان الكبير، وعندما يُذكّره أحد بابنته تسيل دموعه.

ظهر هاني شاكر في لقاء تلفزيوني، وعندما سألته مذيعة البرنامج عن ابنته، وهل تمنى لها الموت بعد معاناتها من مرض السرطان خلال سنوات طويلة، انهار الفنان الكبير وأُجهِش في البكاء أمام المشاهدين، وقال إن تلك اللحظة من أصعب اللحظات التي مر بها، وشعر بأنه كان يدفن قطعة من جسده في التراب.

رحلت الابنة دينا، وتركت التوأم “مليكة ومجدي” وتعلّق بهما جدهما، ويقضي معهما ساعات طويلة كل يوم، ويقول الفنان الكبير إن حفيدته مليكة تجعله يتذكر ابنته دائمًا، وأنها تشبه والدتها كثيرًا، في نظراتها وطريقة حديثها، وحتى أسلوب مشيتها وخفة ظلها.

شادية تنازلت عن أغنية «كده برضه يا قمر» للمطرب الشاب

معركة النقابة

دارت في كواليس نقابة المهن الموسيقية المصرية، صراعات شرسة بين عمالقة الموسيقى والغناء على مقعد النقيب، منذ تأسيسها في عام 1942، ووقتها اشتعل الخلاف بين كوكب الشرق أم كلثوم وموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، ورفض الأخير أن يتولى هذا المنصب امرأة، ورغم ذلك فازت سيدة الغناء سبع دورات متتالية حتى عام 1952.

وبعد تلك السنوات، غامر الفنان هاني شاكر، بدخول انتخابات النقابة، وفي 28 يوليو 2015، فاز بمقعد نقيب الموسيقيين بعد حصوله على 1060 صوتًا من إجمالي 2014، بفارق كبير عن بقية زملائه المرشحين، وقدّم استقالته في فبراير عام 2016، حين تعرَّض لهجوم عنيف، بعد إلغائه حفلًا لعبدة الشيطان، كان مقررًا إقامته في أحد ملاهي وسط القاهرة، لكن مجلس النقابة رفض استقالته، وأصدر بيانًا عبر فيه عن استيائه من التطاول على شخص أمير الغناء العربي ونقيب الموسيقيين الفنان هاني شاكر بسبب تصدّيه للخروج عن القيم والمبادئ المجتمعية، وأن مكانته الفنية والخلقية تعلو على المسيئين إليه.

وفي يوليو 2017، فاز شاكر بدورة ثانية لانتخابات نقابة المهن الموسيقية بفارق يقترب من 1000 صوت عن أقرب منافسيه من الجولة الأولى، وفي 2019 قام كممثل لنقابة الفنانين بمنع ستة عشر من مغنيي ما يُعرف بـ”المهرجانات الشعبية” بناءً على مادة من 1978 تمنع كل من ليس عضوًا في النقابة من إقامة الحفلات الموسيقية.

وُلد بالقاهرة يوم 21 ديسمبر 1952 وظهرت موهبته الغنائية في وقت مبكر

وأرسل بيانًا إلى الصحف يحمل صيغة قرار رسمي بمنع التعامل معهم، وورد فيه “أن النقابة تخشى أن يكون من بين هؤلاء من أطلقوا عليهم (عناصر غير مؤهّلين)، وقد يكون من بينهم من يخفي أغراضًا أخرى لا تمت إلى الفن بِصلةٍ بل قد تسيء إلى أمن الوطن”.

وضمت القائمة عددًا كبيرًا من مطربي وفرق المهرجانات، ولاقى قرار النقيب أصداءً إيجابية في الأوساط الفنية، ووُصِف بأنه يحافظ على تاريخ النقابة العريق، ويستكمل مسيرتها في الإصلاح ومحاربة المخالفين لقواعد الفن والموسيقى.

وترجل الفارس عن منصب النقيب في يونيو 2022، حين قدّم استقالته بشكل نهائي، إثر أزمة المغني حسن شاكوش، وقرار المجلس بتحويل مطرب المهرجانات إلى شعبة الإيقاع، وتصاعد الهجوم على الفنان هاني شاكر، وبذلك طوى أمير الغناء صفحة النقابة، ورفض ترشحه مرة أخرى، ويشغل المنصب حاليًا الفنان مصطفى كامل.

ولا يزال المطرب الكبير هاني شاكر يواصل إبداعه الراقي، كفنان من جيل الوسط ظهر وسط عمالقة الغناء مثل فريد الأطرش وعبدالحليم حافظ ونجاة ووردة، واستطاع خلال مسيرته الطويلة أن يكسب حب وتقدير جمهور الطرب الأصيل في أرجاء العالم العربي.

نقيب الموسيقيين خاض معركة شرسة ضد الغناء الهابط

أسرار خلافه مع عبدالحليم حافظ

تعرض هاني شاكر لشائعات حول خلافه مع المطرب عبدالحليم حافظ، والحقيقة أنه شارك في كورال الأطفال مع العندليب في الأغنيتين الوطنيتين “إحنا الشعب” و”بالأحضان” من دون أن يدرك المغني الصغير، اقتران اسمه بمطرب من جيل العمالقة.

وفي بداية مشواره الفني، التقى شاكر العندليب مجددًا، وكانت أول مرة يحضر فيها عبدالحليم حفلة للمطرب الصاعد، وأصر الأخير على رؤيته والحديث معه قبل الصعود إلى المسرح، وحضر له عبدالحليم حفلة ثانية، وشارك معه في العناء، وكانت من أسعد اللحظات في حياة هاني شاكر.

في تلك الفترة انتشرت أقاويل تسببت في حدوث بعض الخلافات غير الحقيقية بينهما، ولكن بعد تحدثه معه تفهم العندليب الأمر، وتأكد أنها محض شائعات، وقيل وقتها أن المطرب الصاعد تسبب في أزمة بين عبدالحليم وصديقه الموسيقار محمد الموجي، لأن الأخير اكتشف شاكر، وقدّم له أحد ألحانه.

وفي مقابلة تلفزيونية، ذكر شاكر تفاصيل لقائه بعبدالحليم: “قلت له كلامًا من قلبي: (لا يمكن أن أكون وراء الشائعات المنتشرة.. لا أنا ولا الأستاذ الموجي.. أنت بالنسبة لي هرم رابع، ولولاك ما كنت سأعرف أن صوتي حلو)... ودمعت عيناي وقتها”.

وسرد الإعلامي الراحل وجدي الحكيم تفاصيل أزمة وغضب حليم من هاني شاكر من خلال حواره لمجلة الكواكب الصادر في 27 مارس 2012، قائلًا: “هاني شاكر ظهر ونجح في لفت الأنظار في بداية السبعينيات، ووقتها كتب الصحافي نبيل عصمت كلمته الشهيرة بأن حليم سيتوجه لمعهد الموسيقى ليأخذ (الزُمارة) من حنجرة هاني شاكر، فغضب حليم بشدة مما كتب، ودافع عدد من أصدقاء حليم من الإعلاميين عنه، وصب ذلك في مصلحة شاكر”.

وتابع: “توجهت أنا وحليم قبل سفريته الأخيرة للعلاج لمقابلة هاني شاكر، حاول حليم إخفاء أي ملامح لغضبه منه بل قام باحتضانه، وقاله له: (يا هاني أنا طالع اسمعك، فالمستقبل لك فأنا مريض ومستقبل الغناء معك)”.

وحضر عبدالحليم حفلة شاكر التي أقيمت بمناسبة الاحتفال بأعياد الربيع، بعد أن كان ذاهبًا للموسيقار محمد عبدالوهاب لكي يستمع للحن أغنية “مِن غير ليه” التي غناها بعد ذلك هاني شاكر، واستمع العندليب لشاكر، وأبدى إعجابه الشديد بصوته.

«سيد درويش» منحه فرصة الظهور على شاشة السينما

عيد ميلاده تميمة نجاح في الفن والزواج

تحوّل عيد ميلاد الفنان هاني شاكر إلى تميمة نجاح في حياته الفنية، إذ يوافق يوم 21 ديسمبر وهو يوم زواجه من السيدة نهلة توفيق، ويحتفلان معًا بمناسبتين في يوم واحد، كما أن أول حفلة أقامها مع الفنانة فايزة أحمد كانت يوم عيد ميلاده.

وفي لقاء تلفزيوني، تحدث شاكر عن تفاصيل ذلك اليوم، حيث ذكر أنه قال لأمه إنه لو لم يغنِ في ذلك اليوم فإنه لن يغني مرة أخرى نهائيًا، وسوف يتشاءم من عيد ميلاده، لكنه قام بالغناء بالفعل وكان الحفل بعد الساعة الواحدة واستأذنوا أن يصعد على المسرح لمدة 20 دقيقة، وكانت انطلاقته الحقيقية.

وفي 21 ديسمبر منذ عدة عقود لا ينسى هاني شاكر هذه الذكرى، وأن ظهوره على المسرح شهد مشكلة لضرورة استئذانه من مدير الأمن لكي يسمح له بالصعود للغناء على المسرح.

وخلال لقائه في برنامج “حكايات لطيفة”، مع الفنانة التونسية لطيفة، كشف بعض الأسرار من حياته الخاصة: “عشتُ قصة حب وخطوبة ولكنها لم تكتمل قبل أن أتعرّف على زوجتي نهلة، ولم يكن لي تجارب كثيرة في الحب، وخلال غضبي لا أغادر غرفتي ولكن أظل فترة في الصالون، وبعدها أعود لغرفتي، لأنني لا أجد سببًا معينًا يجعلني أنام خارج غرفتي”.

وعن أكثر المواقف الغريبة في زواجهما قال: “إحدى المعجبات ادعت أنها زوجتي، وكانت تتحدّث مع زوجتي وتطلب مقابلتها، وكنا في أول فترة زواجنا ولم تكن تعرفني جيدًا، الأمر الذي أتاح للمعجبة التسلية بها، وفي تلك الفترة، قمت بعمل أغنية رومانسية لزوجتي من مقام البياتي، ولحنتها وكنت سعيدا جدًا بها، ولكن اكتشفت أنها لا تحب النوع البياتي، وقالت لي إنها لم تعجبها وهذا ما أزعجني وجعلني أنسى الأغنية”.

back to top