تربطني علاقة ممتدة مع مطران «أبرشية بغداد والكويت وتوابعها» للروم الأرثوذكس، العزيز غطاس هزيم، وفي معظم الجلسات التي تجمعني به يدور النقاش حول قضايا فكرية ودينية وهو الجامع للعلوم اللاهوتية، ولديه شغف بالقراءة يجعلك تشعر عند الجلوس معه بأنه موسوعة مسيحية متنورة تغنيك عن قراءة كتب.

أهداني أخيراً أربعة كتب، واحد لأغناطيوس الرابع بطريرك أنطاكية وسائر المشرق، وهو من الوجوه الأرثوذكسية المشعة ثقافة وأدباً وعلماً، والثاني تأملات مريمية، والثالث محاورات إسلامية مسيحية، أما الرابع وهو بيت القصيد كان بعنوان «كنيسة المشرق الآشورية» تاريخها وجغرافيتها.

Ad

استغللت مناسبة عيد الفصح ورحت أقرأ فيه علني أعثر على معلومات تفيدني وتكون خير معين لي في كتاباتي، فاستوقفتني عبارة البطريرك حول دور مسيحيي الشرق ومعظمهم من العرب، هؤلاء أدوا دوراً مهماً في ازدهار الحضارة العربية الكبرى في عهد الأمويين وفي نهضة العروبة الحديثة على حد سواء.

وجودهم قبل الإسلام يضرب جذوره في الأرض العربية، وبعده طبعاً، فمثلاً معلومة قد تكون مجهولة عند البعض، وهي أن جزيرة سقطري في اليمن كانت مركزاً متقدماً للمسيحية ولكنيسة المشرق في بحر العرب وسكانها من المسيحيين، وهذا في عام 1294 تقريباً، وخريطة الوجود الجغرافي لكنيسة المشرق طال الجزيرة العربية وتركيا والعراق وبلاد الشام وكل بقاع الأرض، وهي كنيسة مسيحية تعرف عند البعض باسم «الكنيسة النسطورية» وهناك من يعتبر خطأ وصفها بـ «النسطورية» وهي جزء تاريخي من تقليد المسيحية السريانية، أي أن تاريخ الكنائس السريانية الشرقية يشمل كنيسة المشرق الآشورية والقديمة والكلدانية الكاثوليكية.

هذه الأيام تحتفل الكنائس المسيحية بعيد القيامة سواء من يتبع التقويم الغريغوري أو «التقديم اليولياني» والفرق بينهما أيام معدودة، وعيد الفصح أو عيد القيامة عند الطوائف المسيحية يعني استذكار قيامة السيد المسيح من بين الأموات، بعد مرور ثلاثة أيام من صلبه، ثم وفاته وفيه ينتهي الصوم الكبير الذي يستمر أربعين يوماً.

وعندما نستخدم عبارة الكنائس المشرقية فهي تضم «القبطية، الأرمنية، السريانية، الإثيوبية، الأرتيرية، الهندية»، والحقيقة أن تاريخ كنيسة المشرق فريد ضمن تاريخ المسيحية، والواقع اليوم أن معظم المؤمنين بها يعيشون في الشتات وليسوا على أرض الأجداد الأصليين، أرض ما بين النهرين، لقد تكررت فصول من المجازر والهجرات القسرية بحقهم، مما أدى بالعديد منهم إلى الاستقرار في شمال العراق وجنوب شرق تركيا فيما مضى.

الكتاب يرفع الصوت عالياً تجاه ما تعرضت له كنيسة المشرق وأساقفتها إلى الشتات قسراً، وفي القرن العشرين زعزعت مقامرة القوى الأوروبية العظمى استقرار الشرق الأوسط، وكان المسيحيون الآشوريون أحد ضحاياها، لكن ظاهرة النفي استمرت في القرن الحادي والعشرين، لا سيما بعد الحروب الأخيرة في الشرق الأوسط «داعش والإرهاب» وتحديداً في العراق وسورية.

خلاصة القول، يطرح السؤال التالي: ماذا عن المستقبل وكيف سيكون وضعهم وفي أوطانهم الأصلية؟ يجيب مؤلف الكتاب، كريستين شايّو، أن وجودهم في هذه المنطقة يتطلب الأمان أولاً وعبر فرض مفاهيم جوهرية عن الحرية الدينية والمساواة المدنية وحقوق الإنسان، هو ما يحتاجون إليه.

والحقيقة أن الخلاص الفعلي كما أراه ويشاركني الرأي جمهور عريض من الناس، قيام دول مدنية تقر مفهوم حقوق المواطنة والهوية الوطنية الموحدة أولاً وأخيراً وبفصل الدين عن الدولة وبحقوق متساوية للجميع بصرف النظر عن الديانة، أي دولة مؤسسات وقانون تضع الجميع تحت مسطرة واحدة؟