ببرود شديد تسلم محمد السوداني مفاتيح القصر الحكومي في بغداد من مصطفى الكاظمي، وكتب تغريدة حول انتقال السلطة إليه، أشار فيها إلى اسم سلفه بدون ألقاب ولا أوصاف، قبل أن يعود بعد ساعتين ويتلافى الخطأ البروتوكولي ويضع صفة الكاظمي السابقة، تفادياً لانتقادات واسعة شغلت الرأي العام في أول يوم من عهد رئيس الحكومة الجديد، الذي يمثل كتلة واسعة من الفصائل المسلحة وأبرز حلفاء طهران في العراق.

وقبل ذلك بليلة، شهدت جلسة البرلمان المخصصة لمنح الثقة للحكومة اشتباكات بالأيدي بين نواب يمثلون حراك تشرين الاحتجاجي، وآخرين من حلفاء رئيس الحكومة الجديد، بعد أن رفع نواب حركة «امتداد» الإصلاحية صور عدد من الشهداء البارزين في الحركة الاحتجاجية، وأطلقوا شعارات رافضة لحكومة السوداني التي وصفوها بأنها استمرار لنهج «المحاصصة الفاسد» الذي انتفض الحراك الشعبي ضده قبل ثلاثة أعوام، ونجح في تقييد نسبي لنفوذ الفصائل، قبل أن تنجح الأخيرة في العودة إلى السلطة، بفضل استقالة جماعية غاضبة للكتلة النيابية الصدرية المنتصرة في الانتخابات.

وقام عناصر تابعون للفصائل بمحاصرة النائب علاء الركابي رئيس حركة امتداد، ولم يتمكن من مغادرة البرلمان لولا تدخل عناصر الأمن، واعتبر ذلك فألاً سيئاً في ليلة تسلم السوداني للسلطة، وسط وعيد وتهديد يطلقه أنصار الفصائل للتيار المدني والاحتجاجي ولشخص الكاظمي وفريقه، بمحاكمتهم ومحاسبتهم.
Ad


ولم يعلق السوداني بعدُ على أجواء الانتقام والوعيد هذه، مما قد يضعف قيمة بعض التحليلات التي توقعت أنه قد يذهب إلى منحى مستقل عن حلفائه في الفصائل، أو حليفه المتشدد البارز نوري المالكي رئيس الوزراء الأسبق.

ويبقى الخلاف الرئيسي داخل الكتلة المتشددة يدور حول مناصب الأمن، خصوصاً إدارة 6 وكالات استخبارية عليا، ظلت واشنطن وحلف الناتو تطلب من بغداد دوماً أن تكون مستقلة عن نفوذ الميليشيات، لضمان تعزيز التعاون الاستخباري، في الحرب على الإرهاب، بينما تعتقد الفصائل الحليفة لطهران، أن الفرصة قد حانت أخيراً للسيطرة على جهاز المخابرات الذي طالما ضيق نشاط المسلحين الأمني والاقتصادي، وجهاز مكافحة الإرهاب الذي طورته أميركا بتسليح وتدريب خاص، وقدم أداء أثار الإعجاب في الحرب ضد تنظيم داعش.

أما الكاظمي فأنهى عهده محاصراً باتهامات شديدة تتعلق باختفاء مبلغ مالي كبير يربو على مليارين ونصف المليار دولار، مما يتطلب تحقيقات مطولة للكشف عن المتورطين في هذه القضية، لم يتح للكاظمي إكمالها، كما لم يتح له أن يودّع جمهوره بخطاب رصين، حيث انشغل برد الاتهامات، ووصل إلى درجة أنه اتهم وزيره المستقيل البارز علي علاوي بارتكاب أخطاء وكيل اتهامات في ملف الودائع المختلسة.

أما أبرز تعهدات السوداني في برنامجه الوزاري، فكان إجراء انتخابات مبكرة خلال عام، طبقاً لما كان يريده مقتدى الصدر، لكنه تعهد كذلك بتعديل قانون الانتخابات المبني على ٨٢ دائرة انتخابية، الأمر الذي سيغضب التيار الصدري على الأرجح، الذي أبدى براعة في التعامل مع هذا القانون، بينما يريد خصومه العودة إلى الأنظمة الاقتراعية السابقة التي تناسب التنافس الحزبي بشكل أفضل.