أنهت الأسهم العالمية تداولات الربع الأول من عام 2023 بأداء إيجابي على الرغم من تصاعد التقلبات وحالة عدم اليقين.
وحسب تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني، سجلت الأسواق مكاسب بالتزامن مع إبطاء مجلس الاحتياطي الفدرالي وتيرة رفع أسعار الفائدة من 50 إلى 25 نقطة أساس في فبراير، ووسط رهانات المستثمرين على اقتراب دورة رفع أسعار الفائدة من نهايتها واستمرار تراجع معدلات التضخم.
وجاءت تلك المكاسب على الرغم من الرياح المعاكسة، التي تمثلت بارتفاع عائدات السندات، وضعف البيانات الاقتصادية واضطرابات قطاع البنوك، التي ساهمت في إشعال مخاوف الركود.
في المقابل، كان أداء أسواق دول مجلس التعاون الخليجي ضعيفاً، إذ سجلت معظم البورصات الخليجية خسائر بوتيرة معتدلة بعد أن أدى التباطؤ المتوقع للاقتصاد العالمي لإثارة مخاوف بشأن الطلب على النفط.
إضافة لذلك، تعرضت أسواق الأسهم الإقليمية (خصوصاً أسهم البنوك) للمزيد من الضغوط بسبب المخاوف من انتقال عدوى اضطرابات البنوك العالمية، فضلاً عن التأثير السلبي الناجم عن سياسات التشديد النقدي مع سير معظم البنوك المركزية الإقليمية على خُطا مجلس الاحتياطي الفيدرالي في دورة التشديد الحالية.
الأسواق الناشئة تعمق خسائرها
تفوقت أسواق الولايات المتحدة وأوروبا على نظيراتها في الأسواق الناشئة، مواصلة تعزيز المكاسب التي سجلتها في الربع السابق. إذ ساهم في تعزيز المعنويات عدد من العوامل التي تضمنت تباطؤ وتيرة التضخم في الولايات المتحدة تدريجياً ووصل إلى 5% على أساس سنوي في مارس، والتي تعد أدنى المستويات المسجلة منذ 2021، مما أدى لزيادة توقعات اقتراب دورة رفع أسعار الفائدة من نهايتها على الرغم من مخاوف الركود المستمرة بسبب أزمة البنوك التي كان أبرزها انهيار بنك سيلكون فالي في مارس.
وارتفع مؤشر مورغان ستانلي لجميع دول العالم بنسبة 6.6% بصدارة الأسهم الأوروبية، إذ ارتفع مؤشر يوروستوكس 600 بنسبة 7.8% (ارتفع مؤشر يوروستوكس 50 الأضيق نطاقاً بنسبة 14%)، تليها الأسواق الأميركية، مع ارتفاع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 7% على أساس ربع سنوي مواصلاً نموه للربع الثاني على التوالي.
من جهة أخرى، سجلت الأسواق الناشئة أداءً أضعف (نمو مؤشر مورغان ستانلي للأسواق الناشئة بنسبة +3.4%) على خلفية تعافي الاقتصاد بوتيرة أبطأ من المتوقع على خلفية اغلاق الاقتصاد الصيني، فضلاً عن خسائر أسواق دول مجلس التعاون الخليجي.
وارتفع مؤشر شنغهاي شنزن (سي إس أي 300) بنسبة متواضعة نسبياً بلغت 4.6% على أساس ربع سنوي.
وتشير النظرة المستقبلية لاعتماد أداء أسواق الأسهم بشكل كبير على سياسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي والتوقعات الخاصة بالركود.
وعلى الرغم من أن مجلس الاحتياطي الفدرالي يؤكد أن أسعار الفائدة «ستبقى مرتفعة لفترة أطول›› حتى يتراجع التضخم مرة أخرى للمستوى المستهدف البالغ 2%، لكن ضعف بيانات المؤشرات الاقتصادية (تشمل الأمثلة الحديثة بيانات سوق العمل والقطاع الصناعي) والتي تشير لتباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي، قد تثير المخاوف بشأن مرونته وتزيد من الضغوط على الاحتياطي الفيدرالي لتيسير سياساته النقدية، وهو الأمر الذي سينعكس إيجاباً على الأسواق. وتشمل المخاطر الإضافية تقلبات سوق الطاقة والمخاطر الجيوسياسية بين الولايات المتحدة وعدد من الدول مثل الصين وروسيا، الأمر الذي قد يؤثر سلباً على الأسعار وسلاسل التوريد ويلحق الضرر بمعنويات السوق بصفة عامة.
إضافة إلى ذلك، فإن إمكانية ضعف الدولار في حالة تيسير سياسات مجلس الاحتياطي الفدرالي أو انتعاش الاقتصادات الأوروبية والآسيوية، تعتبر من المؤشرات الإيجابية بصفة عامة للأسواق الناشئة.
وبالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، يبقى الطلب على النفط وأسعاره، إضافة إلى المعنويات العالمية من العوامل الرئيسية التي تحدد اتجاهات السوق.
وأخيراً، في وقت يساهم تراجع معدلات التضخم وتزايد مرونة سوق العمل ومخاطر الركود في الإسراع بوتيرة إنهاء سياسات التشديد النقدي، ما يعد إيجابياً للأسواق، لكن سياسات التشديد النقدي التي يتبعها الاحتياطي الفدرالي قد تستمر في حالة أظهر الاقتصاد وسوق العمل بصفة خاصة مؤشرات دالة على القوة في مواجهة ارتفاع أسعار الفائدة، وما قد يترتب على ذلك من آثار سلبية على النمو الاقتصادي وأسواق الأسهم. إلا أن السيناريو السابق يبدو أكثر احتمالاً في هذه المرحلة كما تشير اتجاهات أسواق العقود الآجلة على أسعار الفائدة.
ضعف أداء أسواق الأسهم الخليجية
كان أداء أسواق الأسهم في دول مجلس التعاون الخليجي أضعف من نظيراتها العالمية في الربع الأول من عام 2023، إذ عمقت خسائرها بعد أن شهدت أداءً مماثلاً في الربع السابق، متأثرة بالرياح المعاكسة بما في ذلك ارتفاع تكاليف الاقتراض، وتراجع توقعات النمو، وتذبذب سوق النفط، والمخاوف من انتشار عدوى أزمة البنوك. إذ انخفض مؤشر مورغان ستانلي الخليجي بنسبة 3% على أساس ربع سنوي، بصدارة سوق أبوظبي (- 7.6%) وقطر (- 4.4%)، في حين بلغت خسائر المؤشر العام لبورصة الكويت (- 3.3%) في ظل ضعف مستويات السيولة نسبياً.
من جهة أخرى، ساهم في الحد من خسائر مؤشر مورغان ستانلي الخليجي بعض المكاسب الصغيرة التي سجلتها عدد من الأسواق الكبرى كالسعودية (+0.4%)، بينما جاء سوق دبي المالي في الصدارة بارتفاع نسبته 2.1%.
ومستقبلاً، تستمر الأسهم الخليجية في التأثر بتطورات الأسواق العالمية، بما في ذلك أسعار النفط والنمو الاقتصادي وسياسة الاحتياطي الفدرالي.
ويساهم في تعزيز معنويات السوق عدد من العوامل التي تتضمن تحسن الأوضاع المالية بصفة عامة على خلفية المكاسب الهائلة للنفط والغاز في عام 2022، وآفاق النمو المواتية للعام 2023، وإن كان بمستويات معتدلة.
من جهة أخرى، من المتوقع أن يساهم ازدهار سوق الاكتتابات العامة الأولية في الحفاظ على اهتمام المستثمرين بعد إدراج 48 سهماً جديداً بقيمة رأسمالية تصل إلى نحو 23 مليار دولار في عام 2022، من ضمنها ادراج 34 سهماً في السعودية مرتبطة ببرنامج إصلاح القطاع الخاص وخطط الاستثمار.
وأخيراً، تعد تقلبات سوق النفط وارتفاع تكاليف الاقتراض من العوائق الإقليمية، على الرغم من أنه حتى وقت كتابة هذا التقرير، تبدو المخاطر الناجمة عن العامل الأول متواضعة إلى حد كبير نظراً لسياسات الإنتاج الاستباقية التي تتبعها الأوبك، والتي احياناً ما تسبق تحركات السوق.
تراجع حدة الرياح المعاكسة
تعد سياسة مجلس الاحتياطي الفدرالي والخلفية الاقتصادية المواتية لأسواق الأسهم مقارنة بالربع الماضي في ظل اتجاه التضخم الآن وبوضوح نحو التراجع إلى جانب تباطؤ وتيرة تشديد سياسات مجلس الاحتياطي الفدرالي بشكل كبير.
لكن مخاطر الركود في الولايات المتحدة وأوروبا، وإمكانية ارتفاع التضخم أو ضعف أداء سوق العمل، فضلاً عن مسار الأرباح غير المؤكد، تعتبر من المخاطر السلبية.
وتنبع المزيد من تلك المخاطر بسبب حالة عدم اليقين على صعيد الأوضاع الجيوسياسية، نظراً لأن التوترات بين الولايات المتحدة وروسيا والصين لم يتم حلها، مع إمكانية ظهور مفاجآت قد تؤدي لتعطيل الاقتصاد العالمي وسلاسل التوريد.