مجدداً، تعود الكويت لتقف أمام موعد انتخابات برلمانية جديدة متوقعة خلال الأشهر المقبلة، إثر إعلان سمو ولي العهد، في خطابه نيابة عن سمو أمير البلاد، هذا الأسبوع، حل مجلس الأمة المنتخب عام 2020 المعاد بحكم المحكمة الدستورية؛ بعد إبطال مجلس الأمة المنتخب لعام 2022.
وبهذا تكون البلاد أمام عملية الانتخابات العامة العاشرة منذ عام 2006 بمعدل سنة ونصف السنة لكل مجلس تخللتها 22 حكومة بمعدل 8 أشهر للحكومة الواحدة، في حين أُبطلت 3 مجالس برلمانية وفقاً لأحكام المحكمة الدستورية، فيما تداول منصب رئيس الوزراء 4 رؤساء رحل معظمهم بعد حراك شعبي، وهذه الصورة في مجملها على تعدد الحكومات والانتخابات والمجالس البرلمانية ليست تداولاً للسلطة وفق نظام ديموقراطي بحيث تستقيل حكومة أو تُجرى انتخابات مبكرة نتيجة إخفاق في تنفيذ برنامج تنموي أو رغبة في تغيير الإدارة العامة من حيث التنفيذ والتشريع والرقابة لطرح برنامج عمل مختلف من حزب أو تحالف مختلف عن الذي يقود البلاد، إنما نتيجة إخفاق متراكم في الإدارة العامة بشقيها التنفيذي والتشريعي دفعت البلاد ثمنه غالياً على صعد مختلفة كتنافسية الاقتصاد والمالية العامة وجودة الخدمات وغيرها. مشروع دولة
فالكويت اليوم لا تحتاج فقط إلى التمسك بدستورها والحفاظ على مؤسساتها التنفيذية والتشريعية والقضائية واستقلالية كل منها، إنما هي أيضاً بحاجة لأعمق من ذلك، وهو إطلاق مشروع دولة تتعاون فيه مؤسسة الحكم مع سلطات الإدارة في البلاد، لا سيما التشريعية والتنفيذية لمعالجة إخفاقات السنوات الماضية، التي عانت الكويت فيها من انفلات في المصروفات وصولاً إلى بلوغ الميزانية العامة للدولة 26.2 مليار دينار وتدهور الخدمات، ومن تعثر واضح في توفير المساكن للمواطنين وصولاً إلى حصى الشوارع وزحامها، بالتوازي مع تنامي صدى المشروعات الشعبوية لدى دوائر القرار التنفيذي والتشريعي، مما كلف مالية الكويت خلال فترة ما بعد جائحة كورونا نحو 3 مليارات دينار صرف معظمها لحماية «كراسي» أعضاء الحكومات السابقة دون عائد إنتاجي وحتى دون أن تستطيع حماية هذه الكراسي!
إدارة عالية الجودة
ومشروع الدولة المقصود ليس مجرد إنشاء مدينة الحرير أو إنجاز ميناء مبارك أو افتتاح مشروع المنطقة الشمالية، فهذه نتائج أو مظاهر لمشروع أكبر يستهدف إصلاحاً اقتصادياً وإدارياً يعطي نتائج تنموية ومالية وخدمية، فما نحتاجه يتعلق بجودة عالية في الإدارة لا يتوفر منه الكثير وفق آليات المحاصصة المسيطرة على مجلس الوزراء والفئوية المسيطرة على اختيار أعضاء مجلس الأمة مع وجود بعض الاستثناءات في المجلسين، وهذه الجودة المفترضة في الإدارة تتطلب اتخاذ سياسات من شأنها كبح إيجاد مصادر دخل رديفة لمداخيل النفط التي باتت تواجه تقلبات غير مسبوقة جزء منها مرتبط بتعاظم تكلفة الإنتاج النفطي إلى نحو 4 مليارات دينار في السنة المالية 2023-2024 بعد أن كانت في عام 2000-2001 لا تتجاوز 250 مليون دينار، ومنها بتعقد مسألة بلوغ سعر التعادل للبرميل في الميزانية حتى مع ارتفاع أسعار النفط نتيجة الارتفاع القياسي في المصروفات لنحو 8.5 أضعاف الإنفاق العام في سنة 2000-2001 والتي كانت بحدود 3.1 مليارات دينار. تحديات متزايدة
لا شك أن الحاجة ملحة ضمن أي مشروع دولة مفترض للتعامل مع سوق العمل لئلا يتحول إلى أزمة بطالة حقيقية في مجتمع يشكل فيه الشباب دون 24 عاماً نحو 65 في المئة من إجمالي الكويتيين، فالمسألة لا ترتبط بقدرة أو عدم قدرة القطاع العام على استيعاب فرص عمل لمئات الآلاف من الخريجين يصل عدد إلى 400 ألف خريج، إنما في مدى الدولة قدرة المشاريع على إصلاح واقع سوق المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتوفير بيئة استثمارية مناسبة للمبادرين تحميهم من البيروقراطية والاحتكار أكثر حتى مما توفر لهم قنوات تمويل أو تسهيلات مالية.
وبالطبع هناك العديد من المشكلات والتحديات التي تتطلب أن تكون ضمن مشروع دولة قادر على معالجة تحديات البلاد بما يضمن استدامتها كقضايا التعليم والإسكان والطرق والبنى التحتية، لكن هذا كله لن يكون إلا إعادة أو تكراراً لمحاولات فاشلة كخطط التنمية الحكومية المتتابعة منذ عام 2008 وصولاً إلى وثائق الإصلاح الاقتصادي 2016 و 2018 وهذه كلها ركزت على الاختلال الاقتصادي دون التعرض للأهم، وهو إصلاح الإدارة التي تشرف على على المعالجة مما تسبب في إخفاقات متتالية. إصلاح مجلس الوزراء
وإصلاح الإدارة هو الركيزة الأولى في مشروع الدولة المطلوب ويرتبط بشكل وثيق بإصلاح مجلس الوزراء وتطوير مجلس الأمة، فعلى الصعيد الحكومي يتوجب التخلي عن أي معيار محاصصة في اختيار الوزراء بالتوازي مع تحويل عمل مجلس الوزراء إلى مؤسسة ذات قرارات تنفيذية واضحة بعيداً عن صيغ (تكليف - تنسيق - متابعة)، التي تحفل بها تقارير جلسات مجلس الوزراء الأسبوعية منذ سنوات، حتى صارت هذه العبارات مفتاحاً للتسويف والتأجيل لا للدراسة قبل اتخاذ القرار، ناهيك عن وضع أي مشروع تنفيذي لجدول زمني يتبين فيه مدى تحقق هذه الأهداف وفق المدد المقررة مع بيان أي معوقات أو انحراف أو إخفاق في التنفيذ والتشدد في مسألة توفير البيانات الاقتصادية والمالية الاحصائية والتي بات غيابها علامة اخفاق لافتة خلال السنوات القليلة الماضية.
أما في الجانب التشريعي، فتطويره يتطلب تعزيزاً للعمل الجماعي (الحزبي - الكتل) من خلال نظم انتخابية تتجاوز الفردية والفئوية والخطاب الشعبوي مع التأكيد على أهمية إيجاد آليات تمنع صرف أي اعتمادات مالية خارج إطار الميزانية ودون وجود دراسات فنية تبين الآثار الخاصة بالتضخم والاستدامة وغيرهما.
لا يزال في الوقت متسع مادامت أسعار النفط مرتفعة على نحو مقبول لاتخاذ إجراءات إصلاحية في اتجاه تبني مشروع دولة يحقق للكويت الرفاهية والاستدامة، وهذه فرصة مريحة للإصلاح يجب استغلالها لا أن تترك للأيام الصعبة.
وبهذا تكون البلاد أمام عملية الانتخابات العامة العاشرة منذ عام 2006 بمعدل سنة ونصف السنة لكل مجلس تخللتها 22 حكومة بمعدل 8 أشهر للحكومة الواحدة، في حين أُبطلت 3 مجالس برلمانية وفقاً لأحكام المحكمة الدستورية، فيما تداول منصب رئيس الوزراء 4 رؤساء رحل معظمهم بعد حراك شعبي، وهذه الصورة في مجملها على تعدد الحكومات والانتخابات والمجالس البرلمانية ليست تداولاً للسلطة وفق نظام ديموقراطي بحيث تستقيل حكومة أو تُجرى انتخابات مبكرة نتيجة إخفاق في تنفيذ برنامج تنموي أو رغبة في تغيير الإدارة العامة من حيث التنفيذ والتشريع والرقابة لطرح برنامج عمل مختلف من حزب أو تحالف مختلف عن الذي يقود البلاد، إنما نتيجة إخفاق متراكم في الإدارة العامة بشقيها التنفيذي والتشريعي دفعت البلاد ثمنه غالياً على صعد مختلفة كتنافسية الاقتصاد والمالية العامة وجودة الخدمات وغيرها. مشروع دولة
فالكويت اليوم لا تحتاج فقط إلى التمسك بدستورها والحفاظ على مؤسساتها التنفيذية والتشريعية والقضائية واستقلالية كل منها، إنما هي أيضاً بحاجة لأعمق من ذلك، وهو إطلاق مشروع دولة تتعاون فيه مؤسسة الحكم مع سلطات الإدارة في البلاد، لا سيما التشريعية والتنفيذية لمعالجة إخفاقات السنوات الماضية، التي عانت الكويت فيها من انفلات في المصروفات وصولاً إلى بلوغ الميزانية العامة للدولة 26.2 مليار دينار وتدهور الخدمات، ومن تعثر واضح في توفير المساكن للمواطنين وصولاً إلى حصى الشوارع وزحامها، بالتوازي مع تنامي صدى المشروعات الشعبوية لدى دوائر القرار التنفيذي والتشريعي، مما كلف مالية الكويت خلال فترة ما بعد جائحة كورونا نحو 3 مليارات دينار صرف معظمها لحماية «كراسي» أعضاء الحكومات السابقة دون عائد إنتاجي وحتى دون أن تستطيع حماية هذه الكراسي!
إدارة عالية الجودة
ومشروع الدولة المقصود ليس مجرد إنشاء مدينة الحرير أو إنجاز ميناء مبارك أو افتتاح مشروع المنطقة الشمالية، فهذه نتائج أو مظاهر لمشروع أكبر يستهدف إصلاحاً اقتصادياً وإدارياً يعطي نتائج تنموية ومالية وخدمية، فما نحتاجه يتعلق بجودة عالية في الإدارة لا يتوفر منه الكثير وفق آليات المحاصصة المسيطرة على مجلس الوزراء والفئوية المسيطرة على اختيار أعضاء مجلس الأمة مع وجود بعض الاستثناءات في المجلسين، وهذه الجودة المفترضة في الإدارة تتطلب اتخاذ سياسات من شأنها كبح إيجاد مصادر دخل رديفة لمداخيل النفط التي باتت تواجه تقلبات غير مسبوقة جزء منها مرتبط بتعاظم تكلفة الإنتاج النفطي إلى نحو 4 مليارات دينار في السنة المالية 2023-2024 بعد أن كانت في عام 2000-2001 لا تتجاوز 250 مليون دينار، ومنها بتعقد مسألة بلوغ سعر التعادل للبرميل في الميزانية حتى مع ارتفاع أسعار النفط نتيجة الارتفاع القياسي في المصروفات لنحو 8.5 أضعاف الإنفاق العام في سنة 2000-2001 والتي كانت بحدود 3.1 مليارات دينار. تحديات متزايدة
لا شك أن الحاجة ملحة ضمن أي مشروع دولة مفترض للتعامل مع سوق العمل لئلا يتحول إلى أزمة بطالة حقيقية في مجتمع يشكل فيه الشباب دون 24 عاماً نحو 65 في المئة من إجمالي الكويتيين، فالمسألة لا ترتبط بقدرة أو عدم قدرة القطاع العام على استيعاب فرص عمل لمئات الآلاف من الخريجين يصل عدد إلى 400 ألف خريج، إنما في مدى الدولة قدرة المشاريع على إصلاح واقع سوق المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتوفير بيئة استثمارية مناسبة للمبادرين تحميهم من البيروقراطية والاحتكار أكثر حتى مما توفر لهم قنوات تمويل أو تسهيلات مالية.
وبالطبع هناك العديد من المشكلات والتحديات التي تتطلب أن تكون ضمن مشروع دولة قادر على معالجة تحديات البلاد بما يضمن استدامتها كقضايا التعليم والإسكان والطرق والبنى التحتية، لكن هذا كله لن يكون إلا إعادة أو تكراراً لمحاولات فاشلة كخطط التنمية الحكومية المتتابعة منذ عام 2008 وصولاً إلى وثائق الإصلاح الاقتصادي 2016 و 2018 وهذه كلها ركزت على الاختلال الاقتصادي دون التعرض للأهم، وهو إصلاح الإدارة التي تشرف على على المعالجة مما تسبب في إخفاقات متتالية. إصلاح مجلس الوزراء
وإصلاح الإدارة هو الركيزة الأولى في مشروع الدولة المطلوب ويرتبط بشكل وثيق بإصلاح مجلس الوزراء وتطوير مجلس الأمة، فعلى الصعيد الحكومي يتوجب التخلي عن أي معيار محاصصة في اختيار الوزراء بالتوازي مع تحويل عمل مجلس الوزراء إلى مؤسسة ذات قرارات تنفيذية واضحة بعيداً عن صيغ (تكليف - تنسيق - متابعة)، التي تحفل بها تقارير جلسات مجلس الوزراء الأسبوعية منذ سنوات، حتى صارت هذه العبارات مفتاحاً للتسويف والتأجيل لا للدراسة قبل اتخاذ القرار، ناهيك عن وضع أي مشروع تنفيذي لجدول زمني يتبين فيه مدى تحقق هذه الأهداف وفق المدد المقررة مع بيان أي معوقات أو انحراف أو إخفاق في التنفيذ والتشدد في مسألة توفير البيانات الاقتصادية والمالية الاحصائية والتي بات غيابها علامة اخفاق لافتة خلال السنوات القليلة الماضية.
أما في الجانب التشريعي، فتطويره يتطلب تعزيزاً للعمل الجماعي (الحزبي - الكتل) من خلال نظم انتخابية تتجاوز الفردية والفئوية والخطاب الشعبوي مع التأكيد على أهمية إيجاد آليات تمنع صرف أي اعتمادات مالية خارج إطار الميزانية ودون وجود دراسات فنية تبين الآثار الخاصة بالتضخم والاستدامة وغيرهما.
لا يزال في الوقت متسع مادامت أسعار النفط مرتفعة على نحو مقبول لاتخاذ إجراءات إصلاحية في اتجاه تبني مشروع دولة يحقق للكويت الرفاهية والاستدامة، وهذه فرصة مريحة للإصلاح يجب استغلالها لا أن تترك للأيام الصعبة.