تقدم رئيس تيار المردة سليمان فرنجية خطوة إلى الأمام في حركته السياسية باتجاه رئاسة الجمهورية اللبنانية. زيارته إلى البطريركية المارونية، أمس الأول، وإطلاقه مواقف سياسية بعد صمت طويل، أوحى بأن الرجل اختار توقيتاً ملائماً. الكلام الذي طرحه الرجل من على منبر بكركي يلخّص عناوين برنامجه الرئاسي، الذي يرتكز على العلاقة مع سورية وتعزيز العلاقات مع الدول العربية، متناولاً البحث في ملف الاستراتيجية الدفاعية مع حزب الله، إضافة إلى العمل على معالجة ملف اللاجئين السوريين في لبنان بالتنسيق مع دمشق، كما أعلن تأييده لأي اتفاق مع صندوق النقد الدولي.

رمزية تحرك فرنجية ترتبط بالتوقيت بعد زيارتين أجراهما لباريس وأخرى للرياض ولقاء مع حزب الله، فيما لا تزال فرنسا متمسكة بالمعادلة التي طرحتها وتقضي بانتخاب فرنجية رئيساً للجمهورية ونواف سلام لرئاسة الحكومة. وتحاول باريس، التي تعوّل على «تنازلات» سعودية في لبنان انطلاقاً من المسار الذي تسلكه الرياض في المنطقة، الالتفاف على الموقف من خلال فتح قنوات تواصل مع مسؤولين سعوديين آخرين غير المستشار في الديوان الملكي نزار العلولا، الذي يعتبره الفرنسيون متصلباً في موقفه ويرفض التنازل.

Ad

في لبنان، ثمة غضب مسيحي كبير من فرنسا، يكاد يكون منسوبه الأعلى تاريخياً من المسؤولين الموارنة الذين دائماً وصفوا باريس بـ«الأم الحنون» فيما حالياً يطلقون عليها صفة «الأم التي لا تعرف أبناءها».

وهذا الكلام يتردد على ألسنة العديد من المسؤولين المسيحيين في لبنان إن لم يكن أكثريتهم، خصوصاً أن الكتل النيابية المسيحية الأساسية أي القوات اللبنانية، والتيار الوطني الحرّ، وحزب الكتائب، وعدد من النواب المستقلين يرفضون طرح المقايضة الفرنسي.

في المقابل، تعتبر باريس طرحها الأكثر واقعية، وهي تبرره بالخلافات بين قوى المعارضة التي يرى الفرنسيون أنها لا تتحرك وليس لديها مرشح قادر على الوصول إلى الرئاسة، حتى انها لم تتمكن من الإتفاق على مرشح موحد.

بناءً على هذه المعطيات، يرى التصور الفرنسي بأن ليس هناك خيار بديل عن فرنجية، وهو يحاول أن يطابق لك مع التطورات الإقليمية مع الرهان واضح على إمكانية تراجع السعودية عن رفضها لفرنجية، والذي أعلن بنفسه مجدداً أنه لم يسمع بفيتو سعودي على اسمه سوى في بعض وسائل الإعلام.

تفرض هذه القراءة إيقاعاً مختلفاً للمعركة الرئاسية في لبنان، أولاً لجهة مدى مقبولية القوى الخارجية لخيار فرنجية. وثانياً بحال توفرت هذه المقبولية، فكيف سيكون تلقفها لبنانياً؟ هذا الأمر سيفرض مسؤولية مضاعفة على قوى المعارضة، التي ستبحث عن آفاق التواصل فيما بينها والتوافق على خيار بديل يسهم في إعاقة وصول فرنجية إلى الرئاسة، لا سيما في حال تم التوافق بين الكتل المسيحية الأساسية وخصوصاً التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية. في هذا السياق وبالنظر إلى آلية توزع الكتل النيابية داخل البرلمان، تبقى هناك ديناميكية داخلية معطلة لخيار فرنجية، لكنها غير قادرة على انتاج رئيس، وهذا يعني استمرار الفراغ طويلاً.

وهنا تكشف مصادر متابعة عن تواصل بين الكتل المعارضة والتي كانت تنضوي سابقاً في مشروع 14 آذار بهدف توحيد الجهود للخروج بموقف واضح. بالإضافة إلى تواصل آخر يحصل بين التيار الوطني الحرّ وقوى سياسية أخرى بهدف الوصول إلى نقاط مشتركة أيضاً، من شأنها أن تقود إلى تعطيل داخلي لاتفاق خارجي.