ليس غريباً في العراق إفلات المسؤولين من العقاب، حتى لو أُدينوا، بحسب تقارير دولية تتحدث دائماً عن «تسييس القضاء» وتحوّله إلى سلاح بيد الأطراف القوية ضد أخرى تضعف مكانتها بين الحين والآخر، إلا أن قصة هروب مسؤول كبير فجر الأربعاء، من سجن مجاور لمباني الحكومة في المنطقة الخضراء ببغداد، شغلت الرأي العام حتى ساعة إعداد هذا التقرير، إذ تجمعت فيها عناصر الغرابة بأقصى مستوياتها.
والقصة تتعلق بسعد حميد كمبش، الذي ترأس «ديوان الوقف السني»، أقل من عامين، لكن ذلك يعني إنفاقاً واسعاً وتحكماً في مبالغ كبيرة، فدواوين الأوقاف في العراق تدير أموالاً طائلة، من عوائد الأضرحة والمقامات والعقارات التابعة لها، في بلد يغصّ بالتاريخ الديني لمختلف الأديان والمذاهب، وفي العادة لا تحصل مشاكل كثيرة بين مسؤولي هذه المؤسسات، لأنها تبقى جزءاً من «ترضيات سياسية وحزبية» وتقاسم منافع وفق القواعد المعتادة.
لكن مصادر تحدثت إليها «الجريدة» في بغداد، وديالى حيث عائلة المسؤول السابق، قالت، إن الرجل «سيء الحظ»، لأن ظروفاً حزبية أدت إلى «التخلي عنه»، وهو ما لم تصدقه عائلة المسؤول التي ينتمي إليها العديد من النواب والشخصيات البارزة، ما شجع شقيقته النائبة أسماء كمبش، وفق بيان صدر من القوات المسلحة، على الذهاب إلى «مركز شرطة كرادة مريم» المجاور للمنطقة الخضراء ومقرات الحكومة، وترتيب تهريب شقيقها، من السجن الذي يوصف بأنه «سجن المسؤولين والشخصيات المهمة»، ويقال إنه سجن «5 نجوم».
وفور ذلك أمر وزير الداخلية باعتقال «جميع الضباط وعناصر الشرطة» في المركز المذكور للتحقيق في الحادث، كما أرسلت قوة كبيرة إلى منزل المتهم في ديالى فجر الأربعاء، وجرى لاحقاً احتجاز عائلته، لإجباره على تسليم نفسه للسلطات.
وكان كمبش اعتقل في ديالى في مارس الماضي، بعد تقارير قضائية، اتهمته بالمغالاة في تكلفة إنشاء «مآذن من حديد» للجوامع، وبمخالفة القوانين حين اشترى فندقاً 5 نجوم في أربيل، في صفقة أثارت الجدل، حالها حال كثير من الصفقات الطائلة التي تديرها مؤسسات دينية بارزة في البلاد، ما انتهى بالحكم عليه بالحبس المشدد 4 أعوام، وبقي بمركز الشرطة انتظاراً للبت في قضايا أخرى.
وأدلى مدونو «السوشيال ميديا» بالكثير من التعليقات على الأمر، استذكرت أبرزها قضية المدان باغتيال الباحث العراقي المعروف هشام الهاشمي، الذي اختفى بين سجون الحكومة، ولم يعد يحضر أمام المحاكم، كما تحدث الناشطون عن متورطين كبار في السرقة المعروف بـ «سرقة القرن» وبلغت مليارات الدولارات من أمانات الشركات النفطية، ثم جرى العفو عنهم في صفقة أخرى تفترض أنهم سيعيدون تلك الأموال.
وقد لا تنتهي الحكاية بحدود عائلة المسؤول السابق، فالمصادر التي تحدثت إليها «الجريدة» لم تستبعد أن تكون للقصة تداعيات سياسية، وأن يجري استخدامها ضد أكثر من طرف يمثل المدن ذات الأغلبية السنية، خصوصاً مع المواجهة التي يخوضها رئيس البرلمان محمد الحلبوسي مع بعض الأطراف الحليفة لإيران في البرلمان العراقي.