بقايا خيال: البيات الاقتصادي (Sleeping Economy)
بعد التحرير مباشرة، وبعد رحيل الكثير من العمالة الوافدة المتميزة بالخبرة العلمية والعملية الميدانية في كثير من القطاعات الاقتصادية، زارني في البنك كويتي كان يؤجر لغيره شركته المتخصصة بتأجير المعدات الثقيلة، لتنحصر مهمة هذا الكويتي، «النائم» في إحدى الدول الخليجية، تحصيل بضعة آلاف من الدنانير من شريك غير كويتي بنهاية كل عام، ويطلق على التاجر الذي يتبع أسلوب تضمين الشركة للآخر بلغة الاقتصاد الشريك النائم أو (Sleeping Partner)، وكان يدير هذه الشركة شريك غير كويتي متخصص في الهندسة الميكانيكية.
حقيقة لم أتعرف على هذا الكويتي إلا بعد التحرير وبعد مغادرة شريكه غير الكويتي خلال الغزو العراقي الآثم لبلادنا، لمصادرة العراقيين معدات الشركة، ولم يعد بعدها إلى الكويت، ولهذا فاجأني الشريك الكويتي– التاجر بالمراسلة- بطلبه تسهيلات مصرفية لإعادة بناء الشركة، وهو لا يحمل شهادة علمية تعينه على التعرف على طبيعة الآلات والمعدات التي سيتعامل معها، ولا يملك خبرة ميدانية لإدارة الشركة، ولا يعرف أيا من عملاء الشركة لإعادة تأهيل الشركة، فكيف يقدر على سداد التزاماته المصرفية، ولهذا رفض طلبه.
في زاوية أخرى من بلدي كان أحد الكويتيين يقول لمستشار قانوني غير كويتي يعمل في مكتب محاماة: لماذا لا تحضر بنفسك جلسات المحكمة التي تنظر في قضيتي التي تعرف تفاصيلها بدلاً من أن تعتمد على محام كويتي مبتدئ للدفاع عني؟، فرد عليه المستشار: «يا بو خالد.. لو سُمح للوافدين بالترافع بدلاً من المحامي الكويتي، لأغلق المحامون الكويتيون مكاتبهم»، فالمستشارون القانونيون في الغالب هم الذين يبحثون في المراجع ويقرأون المواد القانونية، ويعدون حافظة المستندات ويسلمونها مكتملة الأركان للمحامي الكويتي ليكمل مسيرة الدعوى القضائية، أي أن الاعتماد على غير الكويتي يكاد يكون كلياً، بينما المحامي الكويتي غالباً ما يكون شريكاً نائماً، على الرغم من أن هناك محامين فطاحل في القانون اختفت جهودهم في زحام التكاسل التجاري.
في ركن آخر من الكويت يقوم طبيب كويتي بإنشاء عيادة خاصة، ويكتسب شهرة واسعة على المستوى المحلي، وكلامي هذا تأكيد على وجود أطباء كويتيين متميزين في مختلف التخصصات النادرة، إلا أنه وبعد بضع سنوات من ترسيخ سمعته الطبية نفاجأ بافتتاحه فروعاً لعيادات طبية يعمل فيها أطباء غالبيتهم غير كويتيين، ليقوم الطبيب الكويتي المشهور بتخصصه وبقدراته الطبية بتوزيع جهوده في جمع الإيرادات اليومية من عياداته، لينضم الطبيب الكويتي إلى قائمة طويلة من المهن التي يمارس فيها الكويتي وظيفة الشريك النائم، ليعطي دفة القيادة المهنية للوافد، ليصير الكويتي تاجراً بالوكالة أو بالاسم فقط.
هذا «الكويتي النائم» تجده في كل الأعمال التجارية، بغض النظر عن كون الوافد خبيراً أو متخصصاً أو قيمة مضافة للاقتصاد الكويتي، فهذا موضوع آخر لا يناسب التخطيط لمستقبل بلد، لأنه لو حدث ظرف طارئ واضطر هذا الشريك الوافد إلى مغادرة البلاد لأغلقت أبواب غالبية المكاتب القانونية والهندسية والمحاسبية والعيادات الطبية وكل أشكال المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
لهذا لا أدري لماذا يتسابق التاجر الكويتي المتكاسل للحصول على خدمات الوافد في أي مصلحة تجارية، ليجمع نتاج عرق الوافدين بنهاية العام، ويتبجح مفاخراً باقتصاده المزدهر، حتى إن كان متمتعاً بنوم هانئ في بيته طوال العام، ثم بعد كل هذا يتباكى هذا «التويجر» الكويتي من تزايد الوافدين بيننا!