خدعوها

نشر في 21-04-2023
آخر تحديث 20-04-2023 | 16:51
 د. محمد عبدالرحمن العقيل

أبدأ لكم بقصة قد تختصر لي الموضوع، وما يحاك لهذه الأمة من مكر، وخداع منمق، لتشويه دور الأم منذ زمن بعيد، وهي مسابقة الجمال التي أقيمت في بلجيكا سنة 1932، التي كشفت لنا بشاعة الغرب على مرأى ومسمع الحاضرين، عندما توّج الغرب الفتاة التركية كاريمان هالس لتكون ملكة جمال العالم، بالرغم من وجود العديدات ممن يفقنها جمالا، ولكن جمالها بالنسبة لهم كان في أنها أول فتاة مسلمة تشارك في مثل هذه المسابقات «لعرض الأجسام»، وقال حينها رئيس هيئة المحلفين: «نحن نختار جميلة تركيا (كملكة الجمال)، ولكن، نرفع كؤوسنا لنصر أوروبا!» وكان ذلك بعد سقوط الخلافة الإسلامية بثماني سنوات، وكان هذا بالفعل أكبر نصر لأوروبا، عندما تتنازل الفتاة المسلمة عن حجابها وحشمتها وقيمها ودورها كأم، لتَعرض جسدها بالمظهر الأوربي أمام الغرب لتستجدي إعجابهم بها.

لم يكن لهذا الحلم الأوربي والغزو الفكري أن يتحقق لولا مساعدة «أتاتورك» الذي كان يسعى في طمس الهوية الإسلامية، فقد استقبل هذه الضحية المخدوعة بجمالها استقبال الأبطال وأعطاها لقب (الملكة) لتكون قدوة للفتيات المسلمات.

إن المرأة المسلمة الأصيلة هي التي تتحلى بالقيم الإسلامية الراسخة التي لا تزعزعها رغبة السلطات ولا هوس التقليد، ولا جاذبية المسميات الخّداعة، فهي التي تعي وتقدر دور الأم العظيم في بناء المجتمع وتكوينه، وتعلم بفطرتها الأنثوية وعقيدتها الناضجة، أنها هي أساس البيت وهي الملجأ والسند لجميع أفراد الأسرة، وهي الحاضنة والمعلمة التي تربي وتعلم كل فئات المجتمع، وتَعلم أن صبرها على زوجها وأبنائها هو الذي يقيم الأسرة ويبني المجتمع.

إن كل هذه الصفات الأصيلة تشكل قلقا للسياسات الغربية، التي لن تطمئن على سطوتها وسيطرتها على العالم، إلا إذا طمسوا هويتنا وانتهكوا مبادئنا، ورأوا الشباب مدمنين والأمهات في الملهى، فهم لا يطيقون رؤية الأم المثالية المستورة، التي تكابد المصاعب وتضحي، وتكافح لتصنع رجال هذه الأمة، الذين يعشقونها ويقبّلون قدميها، هم يريدون صنع عقلية المرأة الأنانية التي تقدم رغباتها فوق كل شيء، والتي تبحث عن ذاتها بكثرة المعجبين، وترى أن قيمتها ورُقِيها بإعجاب الكثرة، لا بتكوين الأسرة!

تذكرت قصيدة أمير الشعراء، أحمد شوقي التي استوحاها بفرنسا، عندما رأى الفتاة الشرقية في بلاد الغرب، وكيف تنازلت عن حيائها الشرقي وتأثرت بطبيعة بنات الغرب، بلبسها ومشيتها وكلامها، وضحكاتها المرتفعة، وكيف اغترت بنفسها وصدت عن حبيبها، وآثرت إعجاب الكثرة، على الوفاء بحبيبها المخلص صاحب الحب العفيف، فقال معاتبا:

خَدَعوها بِقَولِهِم حَسناءُ

وَالغَواني يَغُرُّهُنَّ الثَناءُ

أَتُراها تَناسَت اِسمِيَ لَمّا

كَثُرَت في غَرامِها الأَسماءُ

إِن رَأَتني تَميلُ عَنّي كَأَن لَم

تَكُ بَيني وَبَينَها أَشياءُ

وأختم بتحية تقدير وإجلال لكل امرأة حملت أمانة التربية، على رغم ثقلها، وصبرت على بناء مملكتها الصغيرة، ولم تنسَ أن هذه الدنيا فرصة ثمينة للبذل والعطاء، لا للهو وعرض الأزياء.

back to top