أحياء الخرطوم الثرية تتحول لركام
بعد أن أصبحت مسرحاً للصراع على السلطة
تحولت أحياء وسط الخرطوم، التي عُرفت بوصفها أكثر العناوين المرغوبة في عاصمة السودان، إلى مناطق شديدة الخطورة، بعد أن أصبحت مسرحاً لصراع على السلطة مستمر منذ أكثر من أسبوع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، بحسب ما قالت صحيفة The Guardian البريطانية، الجمعة، 21 أبريل 2023.
بحسب الصحيفة، فقد اعتاد الدبلوماسيون ورجال الأعمال وكبار الزوار على الجلوس في مقهى صغير في أحد شوارع الخرطوم، للاستمتاع بالبرغر والمشروبات المخفوقة أسفل المظلات التي تحمي من الشمس الحارقة.
وفي شارع آخر بالعاصمة السودانية، تقف صالة عرض للمطابخ التي توفر تصميمات خاصة ومستوردة من أوروبا، وصيدلية جيدة التجهيز ومحل للوجبات السريعة.
وأسفل الطرق الترابية، توجد فيلات خلف الجدران العالية والمباني السكنية، حيث تتدلى الثريات فوق سلالم رخامية لامعة.
مع بدء الاشتباكات، أرسل عمر بلال، من سكان حي «الخرطوم 2»، الذي يقع بالقرب من الوزارات الرئيسية والمطار الدولي المتنازَع عليه بشدة، عائلته إلى أقاربه البعيدين في حي الحاج يوسف، على الأطراف الشرقية للمدينة.
وقال بلال «ربما أكون آخر شخص يغادر، لكنني أنتظر فحسب توقف الانفجارات لبعض الوقت، كان هناك قصف مدفعي عشوائي وأُصِيب منزل جاري بصاروخ ضخم، صارت أحياء بأكملها والمناطق المحيطة بنا خالية... لم يبقَ أحد هنا».
وقُتِل أكثر من 400 شخص وأُصِيب الآلاف منذ اندلاع القتال، السبت، 15 أبريل، وفقاً لتقديرات عديدة، ويرجح المسعفون أنَّ حصيلة الضحايا الحقيقية أعلى من ذلك بكثير.
وتدور رحى الصراع بين الجيش السوداني بقيادة الجنرال عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، بقيادة الجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي، من ناحية أخرى.
وقد أدى الصراع على السلطة إلى إخراج التحول إلى الحكم المدني عن مساره، وأثار مخاوف من حرب أهلية طويلة.
معركة وحشية
وعانت الأحياء الثرية في وسط الخرطوم أكثر من غيرها في هذه المعركة الوحشية لأنها الأقرب إلى المواقع الاستراتيجية الرئيسية، مثل مقر الدفاع، حيث يُعتقَد أنَّ البرهان يقيم مخبأ قيادته، والقصر الرئاسي والمطار.
لكن هذا الضرر الشديد له سبب آخر، إذ يعتبر حميدتي ومقاتلوه أنفسهم متمردين مُستضعَفين على هامش المجتمع السوداني، ويحاربون مؤسسة احتكرت السلطة والثروة لفترة طويلة، ويرى جنود قوات الدعم السريع الشوارع التي يقاتلون فيها الآن بمثابة معاقل للنخبة السياسية والثقافية والاقتصادية التي أعطتهم القليل من الاهتمام، أو لم تهتم بهم على الإطلاق.
في هذا السياق، علّق الدكتور نيك وستكوت، مدير الجمعية الملكية الإفريقية وأستاذ الدبلوماسية في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية في لندن «لقد أبقى البشير النخبة الثرية نسبياً في صفه، وحاول البرهان فعل الشيء نفسه... بينما يبدو حميدتي أقل اهتماماً بدعمهم، وغير عابئ بالخسائر الجانبية أو الأضرار التي لحقت بأحيائهم».
من جانبه، أوضح ماجد معاليا، محامي حقوق الإنسان، والمقيم السابق بحي الخرطوم 2 «استقل الناس أية وسيلة أمامهم تنقلهم إلى جنوب الخرطوم للهروب، سواء شاحنة أو حافلة صغيرة... كثير منا لا يملك حتى أي نقود»، وأصابت غارة جوية مسكن معاليا بعد وقت قصير من فراره صباح الخميس 20 أبريل.
من جانبه، صرّح البرهان لشبكة الجزيرة التلفزيونية «لا يوجد أي خيار آخر غير الحل العسكري».
«مدينة أشباح»
في عام 2019، قدم حميدتي وعداً مخيفاً لحشد من أنصاره في شمال الخرطوم.
ففي حديثه، بعد أيام من شن قوات الدعم السريع التابعة له هجوماً على اعتصام سلمي مؤيد للديمقراطية أمام المقر العسكري وتفريقه، مما أسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص، قال أمير الحرب إنه إذا استمرت الاحتجاجات لمدة شهر وليس 3 أيام فقط، كان رجاله سيحولون الخرطوم إلى «مدينة أشباح» شبيهة بتلك الموجودة في دارفور، التي أفرغتها عقودٌ من الصراع من سكانها، وأضاف حميدتي «هذه المباني باهظة الثمن... لن تسكنها سوى القطط».
ونقل عاملون في منظمة «أطباء بلا حدود» ومسعفون شهادات صادمة عن الوضع المأساوي في مستشفيات السودان، التي تستقبل مئات الجرحى والقتلى جراء الصراع منذ أيام، والذي أوقع مئات القتلى من المدنيين.
وكالة الأنباء الفرنسية قالت، نقلاً عن شهادات العاملين في القطاع الصحي لأول مرة منذ اندلاع المعارك، والذين كشفوا تفاصيل مروّعة عن الوضع «الكارثي» الذي انحدرت إليه البلاد في أقلّ من أسبوع.
وترسم الشهادة التي قدمها سايروس باي، الذي يعمل مع «أطباء بلا حدود» في منطقة دارفور صورة مرعبة عن العنف الذي اندلع الأسبوع الماضي في البلاد، إذ قال باي إنّ «غالبية المصابين هم من المدنيين الذين أصيبوا برصاصات طائشة، والعديد منهم هم من الأطفال».
وأضاف «لديهم كسور ناجمة عن الرصاص أو إصابات بطلقات نارية أو شظايا في سيقانهم أو بطونهم أو صدورهم، وكثير منهم بحاجة إلى نقل دم».
ومستشفى الجنوب في الفاشر المدعوم من «أطباء بلا حدود» هو بالعادة وحدة ولادة دون أي قدرات جراحية، ولكنّ المعارك اضطرت المسعفين لتدبّر أمورهم بسرعة، وبحسب باي «منذ بدء القتال، اضطررنا لتغيير وجهة استخدام المستشفى لجعل معالجة المصابين أمراً ممكناً».
وأكد باي أنّ «الوضع كارثي»، موضحاً «هناك كثير من المرضى يعالجون على الأرض في الأروقة، لأنه ببساطة لا توجد أسرّة كافية لاستيعاب العدد الهائل من الجرحى».
ويشهد السودان منذ السبت معارك بين الجيش، بقيادة الفريق أول عبدالفتّاح البرهان، وقوات الدعم السريع، الرديفة للجيش، بقيادة محمد حمدان دقلو.
وهزّت الانفجارات ودوي الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع العاصمة الخرطوم في ساعات الصباح الجمعة، على الرغم من الدعوات إلى هدنة من أجل المدنيين في أول أيام عيد الفطر.