مخاوف حول إزالة الدولرة من الاقتصاد العالمي
• لماذا يتوقع المستثمرون استمرار تراجع الدولار الأميركي؟
حذر الملياردير الأميركي راي داليو من أن عدد الدول التي تفضل الاحتفاظ بالدولار الأميركي كعملة دولية احتياطية تستخدم في التجارة العالمية يتناقص، في إشارة منه إلى أن هيمنة الدولار الأميركي في الاقتصاد العالمي بدأت تتراجع بقوة، وفي المقابل يرى أن الدور الصيني في التجارة الدولية والاقتصاد العالمي يرتفع.
وأوضح الملياردير الأميركي أن طبيعة التجارة في العالم تتغير، وأن الدول التي كانت تحتفظ بالدولار، وهو دين، باعتباره العملة الرئيسة في التجارة الدولية، بدأت تميل للعملات الأخرى، خاصة في ظل تشجيع الصين لاستخدام عملتها، اليوان، في التجارة مع الدول الأخرى، الأمر الذي بات مهددا لدور العملة الخضراء التي تتربع على عرش التجارة العالمية.
وأضاف: «الدولار دين، والبنوك المركزية باتت أقل ميلا للاحتفاظ به»، موضحا أن دور الدولار في التجارة العالمية، والذي كان كبيرا مهيمنا، بات يتراجع، و«أصبحت هيمنة العملة الخضراء تتلاشى».
العقوبات الغربية
وعقدت الصين اتفاقات مع دول مختلفة، كالبرازيل وكازاخستان، تسمح بالتبادل التجاري معها بالعملة المحلية. وذكر مؤسس صندوق التحوط «بريدج ووتر أسوشيتس» أن العقوبات الغربية التي فرضت على روسيا عقب اندلاع الأزمة الأوكرانية، من جهة أخرى، سلطت الضوء على مخاطر الاحتفاظ بأصول دولارية.
وأثار تجميد الغرب احتياطات روسية بقيمة 330 مليار دولار المخاوف من التعامل بالدولار أو اليورو، وهو تصرف وصفه داليو بـ «تسليح الدولار». «أقوى سلاح لدى الولايات المتحدة، بخلاف القوة العسكرية، هو العقوبات، والعقوبات في مجملها تعني تجميد الأصول، وهو ما حدث مع روسيا ومع الصين وغيرها من الدول». وتتفق تصريحات داليو مع العديد من الشخصيات العامة، التي ترى أن سياسة العقوبات الأميركية تضر بقوة العملة الخضراء ودورها البارز في التجارة العالمية والاقتصاد العالمي.
وتأتي هذه الآراء في وقت تسعى دول «بريكس»، والتي تضم كلا من الصين وروسيا في عضويتها، إلى «إزالة الدولرة» من الاقتصاد العالمي، وخاصة بسبب «تسليح الدولار»، حسبما أكد الخبير الاقتصادي الشهير جيفري ساكس في وقت سابق من الشهر الجاري.
ويرى المستثمرون المحترفون أن الدولار سينزلق أكثر من أعلى مستوياته في عقدين، حيث قلل السوق من قيمة دورة التيسير القادمة للاحتياطي الفدرالي.
معظم المستطلعين يرون أن الدولار سيشكل أقل من نصف الاحتياطيات العالمية في غضون عقد من الزمن
توقعات هبوطية
ويتوقع حوالي 87% من 331 مشاركا في الاستطلاع الأسبوعي لقراء «بلومبرغ»، والمعروف باسم «MLIV Pulse»، أن يخفض الاحتياطي الفدرالي أسعار الفائدة إلى 3% أو أقل، في دورة تخفيف يعتقد 40% أنها ستبدأ هذا العام. ويتناقض هذا مع أسعار السوق التي تضع معدل السياسة الضمني حول 3.05% في غضون عامين. في المقابل، كان المستثمرون المحترفون لديهم رؤية سلبية على الدولار، مع وجود فجوة تبلغ 17 نقطة مئوية بين الدببة والمضاربين على الارتفاع.
ويذكر الكثير صراحة أن توقعاتهم هبوطية لأن سعر الفائدة الأميركية مرتفع جدا، ومن المثير للاهتمام أن الرد الثاني الأكثر شيوعا هو أن ضغوط القطاع المصرفي ستقتصر إلى حد كبير على الولايات المتحدة، مما يعني أيضا أن الاحتياطي الفدرالي سيضطر إلى أن يكون أكثر تشاؤما من نظرائه العالميين، وفقاً لما اطلعت عليه «العربية.نت». وقد يبدو الأمر غريبا للوهلة الأولى، إلا أنه توجد بالفعل سابقة تاريخية لخفض الاحتياطي الفدرالي بحدة دون أن تحذو البنوك المركزية الأخرى حذوه.
وخلال فترة انهيار شركات التكنولوجيا في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين والسنة التي سبقت انهيار بنك ليمان براذرز، تباعدت السياسة النقدية الأميركية بشكل جذري عن نظرائها العالميين. وفي الحالة الأخيرة، خفض الاحتياطي الفدرالي 325 نقطة أساس بين أغسطس 2007 وأبريل 2008، بينما رفع البنك المركزي الأوروبي المعدل بمقدار 25 نقطة أساس في يوليو 2008، وكان الدولار ضعيفا جدا خلال فترة ما قبل الأزمة المالية العالمية، ولكن التشاؤم حول الدولار ليس مجرد نتاج لمشاكل الولايات المتحدة، إذ تعتقد مجموعة كبيرة من المستثمرين أن ارتفاع الين الياباني أو اليوان الصيني سيكون السبب الرئيسي لانخفاض الدولار.
لماذا الاستغراب؟
أولا، بذل محافظ بنك اليابان الجديد كازو أويدا قصارى جهده حتى الآن ليكون بطيئا قدر الإمكان، مما يوفر القليل من الأمل لأولئك الذين يراهنون على وضع حد لسياسة التيسير النقدي الفائقة التي أدت إلى ضعف الين، ومع ذلك فإن لدى أويدا نافذة ملائمة لإلغاء التحكم في منحنى العائد بينما يوجد ضغط ضئيل على أسواق الأسعار المحلية، وإذا اختار التصرف فمن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع كبير في قيمة الين - هناك دليل على أنه حتى التغييرات الصغيرة في سياسة بنك اليابان يمكن أن يكون لها تأثير كبير على العملة.
ثانيا، ارتفع مؤشر المفاجأة الاقتصادية لسيتي غروب للصين بالقرب من أعلى مستوى منذ عام 2006 هذا الشهر، ومع ذلك ارتفع اليوان بنسبة 1% فقط مقابل سلة العملات المرجحة حتى الآن في عام 2023، وعلى الرغم من أن رد الفعل الطبيعي لهذا الأمر هو ارتفاع اليوان، لكن المقلق أن العملة كانت غير حساسة تقريبا للأخبار السارة، حيث يصعب تخيل ما يمكن أن تفعله الأمة أكثر لإثارة إعجابهم، وبصرف النظر عن المخاطر الجيوسياسية المستمرة قد يكون الأمر ببساطة هو أن المستثمرين يحتاجون إلى وقت للتعود على فكرة عودة التجارة الصينية.
عكس الدولرة؟
يعتبر المستثمرون أن خطر الابتعاد الجمعي عن العملة الأميركية أمر يجب متابعته بجدية، إذ يرى معظم المستطلعين أن الدولار سيشكل أقل من نصف الاحتياطيات العالمية في غضون عقد من الزمن.
من ناحية أخرى، لايزال هناك مضاربون على ارتفاع الدولار، لاسيما بين المستثمرين الأفراد، وتعتقد الأغلبية العظمى من محبي العملة الأميركية أن مسار سعر الفائدة من جانب الاحتياطي الفدرالي أقل من قيمته الحقيقية، مما يؤكد أن تصحيح اتجاه العملة سيؤدي في النهاية إلى تحقيق قرار السياسة النقدية.
ومن المثير للاهتمام أن خطر حدوث كارثة في سقف الديون يمر دون ذكره تقريبا، ومع ذلك قد يجادل القليل في أن البيئة السياسية اليوم شديدة الخطورة، وأن المخاطر عالية كما كانت منذ سنوات عديدة، وما شهده عام 2011 هو أفضل نموذج للحكم على استجابة السوق المحتملة لأي حادث خطير. في ذلك الوقت، انخفضت العوائد بشكل كبير، ومع ذلك ارتفع الدولار خلال هذه الفترة، حيث سيطر النفور من المخاطرة على أفكار المستثمرين.