منذ أن وافق صندوق النقد الدولي على منح قرض لمصر بقيمة ثلاثة مليارات دولار في ديسمبر، واجه الوضع الاقتصادي في مصر تحديات فيما يخص تحقيق الركائز الرئيسية للبرنامج بسلاسة - وهي ضمن التحديات الرئيسية التي تمت الإشارة إليها سابقاً – التي تتضمن الالتزام بسعر صرف مرن.

ووصل سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار إلى حوالي 31 جنيهاً في منتصف أبريل الجاري، إضافة إلى ذلك، كان تنفيذ برنامج الخصخصة، الذي يتسم بأهمية قصوى، بطيئاً مع عدم تنفيذ أي صفقات حتى الآن، على الرغم من الأهمية الواضحة لبيع حصص الملكية، خصوصاً للمستثمرين في دول مجلس التعاون الخليجي، للمساعدة في تغطية إجمالي متطلبات التمويل الخارجي البالغة 90 مليار دولار على مدار الـ 3-4 سنوات المقبلة.

Ad

من جهة أخرى، وحسب تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني، تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 3.9% على أساس سنوي في الربع الثاني من السنة المالية 2022/2023 (أكتوبر إلى ديسمبر) مقابل 4.4% في الربع الأول من العام نفسه، ونتوقع أن يتراوح النمو ما بين 3.0 - 3.5% في الربعين الثالث والرابع من نفس العام، مع وصول معدل النمو للعام بأكمله إلى 3.7% في السنة المالية 2022/2023.

ويأتي هذا في وقت عدّلت وزارة التخطيط توقعاتها للنمو إلى 4.2% مقابل 5.0% في وقت سابق، كما خفض صندوق النقد الدولي توقعاته إلى 3.7% مقابل 4.3% في أكتوبر الماضي. ويتزامن التباطؤ الواضح للنمو مع تصاعد معدلات التضخم، وارتفاع أسعار الفائدة، والتداعيات الناجمة عن نقص العملات الأجنبية على الاقتصاد.

لكننا قد نشهد تحسناً تدريجياً في السنة المالية 2023/2024 مع تعافي النمو إلى 4.5%، بشرط تسريع وتيرة الإصلاحات ووجود سعر صرف مرن وتنفيذ برنامج الخصخصة، كما أكد صندوق النقد الدولي مرة أخرى أهمية كلا الشرطين على هامش اجتماعات الربيع للعام الحالي، التي تعتبر مهمة أيضاً لإتمام المراجعة الأولى لبرنامج القرض.

تباطؤ برنامج الخصخصة

تواجه عملية الخصخصة عقبات تتعلق بالمناقشات حول آليات تسعير الأصول، ونظراً إلى قلة عدد البدائل المتاحة حالياً لاستثمارات دول مجلس التعاون الخليجي، فإن القطاع الخارجي في مصر، الذي يواجه ضرورة إيجاد مصادر لسد احتياجات تمويلية بقيمة إجمالية تقدر بنحو 27 مليار دولار على مدى الـ 12 شهراً المقبلة، عرضة إلى حد كبير لنجاح برنامج الخصخصة.

ومن أبرز المظاهر الإيجابية على الصعيد الخارجي تقلص عجز الحساب الجاري (وإمكانية تسجيل فائض)، كما يتضح من أحدث التقديرات عن فترة الربع الثاني من السنة المالية 2022/2023 التي تم خلالها تسجيل فائض قدره 1.4 مليار دولار على خلفية تحسن عائدات السياحة.

وفي حالة تسجيل أرقام قوية خلال الربعين القادمين أيضاً، يمكن أن تتقلص فجوة التمويل بنسبة 25% إلى 20 مليار دولار، وهناك نقطة مضيئة أخرى تتمثل في إمكانية التفاوض على الديون الخارجية وإعادة تمويل القروض مستحقة السداد، إذ قامت مصر في أبريل بالتوقيع على اتفاقية قرض لمدة خمس سنوات بقيمة سبعة مليارات دولار مع البنك الدولي، مما يعزز إقراض البنك لمصر بنسبة 56% ويوفر المزيد من عائدات العملات الأجنبية.

وعلى الرغم من تلك العوامل، فإن الضغوط الخارجية الحالية تنعكس على توقعات السوق والتي تشير إلى مواصلة تراجع قيمة الجنيه المصري واستمرار انخفاض صافي الأصول الأجنبية للبنوك، والتي انخفضت بمقدار ثلاثة مليارات دولار خلال شهري يناير وفبراير 2023.

ولكن الدعم المحتمل في النصف الثاني من السنة المالية 2023/2024 الذي قد ينتج عن خفض الاحتياطي الفدرالي الأميركي لسعر الفائدة، وانتعاش استثمارات المحفظة الأجنبية، والعودة إلى سوق السندات الدولية قد تساهم في سد فجوة التمويل الكبيرة والحد من الضغوط التي يتعرض لها الجنيه المصري.

تدابير التقشف المالي

نتوقع اتساع عجز الموازنة هذا العام فيما يعزى في الغالب إلى ارتفاع عائد أذون الخزانة إلى 19% في المتوسط (يوليو 2022 - يناير 2023) مقابل 13% التي حددتها وزارة المالية في الموازنة.

ونتوقع ارتفاع مصروفات الفوائد إلى 913 مليار جنيه مصري للسنة المالية 2022/2023 بأكمله مقابل 690 ملياراً المقدرة مبدئياً، ليصل بذلك العجز المالي إلى 8.6% من الناتج المحلي الإجمالي، فيما يعد أعلى بكثير من المستوى المستهدف الذي وضعته الحكومة والمعدل حديثاً إلى 6.1%.

ونظراً إلى توقعنا استمرار ارتفاع عائدات أذون الخزانة ومواصلة رفع سعر الفائدة، فإننا نتوقع ارتفاع هذا الرقم بوتيرة مماثلة في السنة المالية 2023/2024 ليصل إلى نسبة 8.1% من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 5.1% المتوقعة وفقاً لأحدث موازنة تم رفعها لمجلس الشعب. ويعزى ذلك في الغالب إلى ارتفاع عائد أذون الخزانة (18-20%) مقابل تقديرات الموازنة (12.5%). وقد تشمل التدابير الرئيسية على جانب الإيرادات مواصلة خفض دعوم الكهرباء والبنزين، مما قد ينتج عنه إيرادات بنسبة 2.4% من الناتج المحلي الإجمالي.

وعلى الصعيد الإيجابي، سجل الرصيد الأولي فائضاً مالياً بنسبة 0.4% من الناتج المحلي الإجمالي خلال النصف الأول من السنة المالية 2022/2023، ونتوقع تسجيل فائض بنسبة 1% من الناتج المحلي الإجمالي للعام بأكمله.

أسعار الفائدة

تسارعت وتيرة نمو التضخم ليصل إلى أعلى المستويات المسجلة في ست سنوات عند 32.7% على أساس سنوي في مارس وسط ارتفاع أسعار المواد الغذائية الناجمة عن انخفاض قيمة الجنيه المصري في يناير.

وتشير التوقعات لبلوغ التضخم ذروته عند 38-40% في أغسطس 2023 على خلفية تطبيق إجراءات الإصلاح المالي التي تم طرحها أخيراً، وعلى الرغم من ارتفاع سعر الخصم في سياسة البنك المركزي بمقدار 1.000 نقطة أساس منذ فبراير 2022 إلى 18.75%، لكن قد تكون هناك حاجة إلى المزيد من تدابير التشديد النقدي لترسيخ توقعات العملة والتضخم.

كما قد تظهر الفرصة الأولى لخفض أسعار الفائدة في الربعين الثالث والرابع من عام 2023/2024 على أقرب تقدير، مع بدء تراجع التضخم إلى ما دون 25% ليتجه نحو المستوى المستهدف الذي حدده البنك المركزي المصري بنسبة 7% (+/- 2%) خلال الربع الرابع من عام 2024.