أكدت الصين أمس أنها تعتبر كل الجمهوريات المنبثقة عن الاتحاد السوفياتي السابق «دولاً ذات سيادة»، بعدما أثار كلام لسفيرها في باريس لو شاي شكك خلاله في سيادة البلدان، تنديداً واسعاً في أوروبا.

وقالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، في مؤتمر صحافي بالعاصمة الصينية: «تحترم الصين وضع دولة ذات سيادة في كل الجمهوريات المنبثقة عن تفكك الاتحاد السوفياتي».

Ad

وأضافت: «تحترم الصين سيادة كل الدول واستقلالها وسلامة أراضيها، وتدعم أهداف ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه»، موضحةً أنه «بعد انهيار الاتحاد السوفياتي كانت الصين من بين أوائل الدول التي أقامت علاقات دبلوماسية مع الدول المعنية».

وشددت ماو على أنه «منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية، لطالما تمسكت الصين بمبدأ الاحترام المتبادل والمساواة في تنمية علاقات الصداقة والتعاون الثنائية».

وكان السفير الصيني في فرنسا لو شاي أعتبر رداً على سؤال لمحطة «أل سي إي» الإخبارية مساء الجمعة حول شبه جزيرة القرم الأوكرانية التي ضمتها موسكو في 2014، أن الجمهوريات السوفياتية السابقة لا تتمتع بالسيادة.

وقال إن هذه الدول «ليس لها وضع فعلي في القانون الدولي، لأنه لا يوجد أي اتفاق دولي يكرس وضعها كدول ذات سيادة». كما كانت تصريحاته بشأن أوكرانيا مثيرة للجدل بشكل مماثل. وفي معرض إجابته عن سؤال عما إذا كانت شبه جزيرة القرم جزءاً من أوكرانيا، قال الدبلوماسي إن كل ذلك يتوقف على كيفية النظر إلى المسألة.

الذئاب المحاربة

يعد لو واحداً من الطبقة الجديدة من الدبلوماسيين الصينيين الجريئين، وقد أقرّ في السابق أنه جزء من طبقة «الذئاب المحاربة» من الدبلوماسيين الصينيين، وهو اللقب الذي يطلق على الذين يردّون بشراسة على المنتقدين الذين يعتبرونهم معادين للصين.

ففي يناير 2019، اتّهم لو كندا باعتماد منطق «تفوق البيض» بعدما دعت إلى الإفراج عن كنديَين محتجزَين في الصين، بعد أيام من توقيف الرئيسة التنفيذية لشركة «هواوي»، مينغ وانتشو، في كندا بناء على طلب من الولايات المتحدة.

وبعد توليه دوراً جديداً في باريس، تسبب في خلاف دبلوماسي عام 2021 عندما وصف باحثاً فرنسياً منتقداً على «تويتر» بأنه «بلطجي صغير».

كذلك، استهدف نوّابا فرنسيين كانوا يخطّطون للقيام بزيارة لتايوان التي تهدد الصين بالسيطرة عليها بالقوة إذا لزم الأمر. وبعد استدعائه من قبل وزارة الخارجية الفرنسية بسبب «الإهانات والتهديدات»، اتخذ خطوة غير عادية بتأجيل حضوره، متذرعاً بـ«تضارب في المواعيد». وقد أثار ذلك غضباً إضافياً في باريس.

وعلّق سكرتير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية آنذاك كليمان بون، بالقول «لا فرنسا ولا أوروبا ممسحة أرجل. عندما يتم استدعاؤك كسفير، عليك أن تأتي إلى وزارة الخارجية».

فرنسا محرجة

ويأتي هذا الجدل في توقيت محرج للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي زار بكين، في وقت سابق من الشهر الحالي، لحض الرئيس الصيني شي جينبينغ على الضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لإنهاء غزوه لأوكرانيا. وكانت رحلة ماكرون أثارت انزعاج بعض الحلفاء الغربيين الذين يشككون في نيات الصين بسبب تحالف شي الرسمي مع روسيا.

واثار ماكرون الكثير من الانتقادات عندما دعا ضمنيا أوروبا إلى الوقوف على مسافة واحدة من الصين والولايات المتحدة في أزمة تايوان، مجدداً دعواته الى الاستقلال الاستراتيجي عن واشنطن.

وقالت وزارة الخارجية الفرنسية، إنها «تبلّغت بصدمة» تصريحات السفير الصيني، داعية بكين إلى «توضيح ما إذا كانت تعكس موقفها».

وقال مسؤول فرنسي أمس إن السفير الصيني في باريس سيتلقى تقريرا «صارما جدا» في وزارة الخارجية.

«لسنا دولاً سوفياتية سابقة»

وفيما اعتبر جوزب بوريل مسؤول العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي هذه التصريحات «غير مقبولة»، مؤكدا أن «الاتحاد الأوروبي لا يمكنه أن يفترض أن هذه التصريحات تمثل موقف الصين الرسمي»، استدعت دول البلطيق الثلاث أمس مبعوثي الصين لديها احتجاجاً.

وطلب من الدبلوماسيين تقديم تفسير حول ما إذا كان «الموقف الصيني بشأن الاستقلال تغير، ولتذكيرهم أننا لسنا دولا سوفياتية سابقة إنما الدول التي كانت محتلة من الاتحاد السوفياتي بشكل غير قانوني»، وفق وزير خارجية ليتوانيا غابرييليوس لاندسبيرغيس.

وقال نظيره الإستوني مارغوس تساكنا إنه يريد معرفة لماذا «تتخذ الصين موقفا أو تدلي بتصريحات كهذه بشأن دول البلطيق؟». وأضاف تساكنا متحدثا في اجتماع لوزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ، إن من الواضح أن دول البلطيق دول مستقلة ذات سيادة، أعضاء في الاتحاد الاوروبي وحلف شمال الأطلسي.

وأضاف: «لكني آمل أن يكون هناك تفسير. لسنا راضين عن ذلك الإعلان». وكان وزير خارجية لاتفيا، إدغارز رينكيفيكس، أعلن السبت أنه استدعى القائم بالأعمال بالسفارة الصينية في ريغا احتجاجاً.

أستراليا: الدفاع أولاً

وفي سياق التوتر الغربي مع بكين، كشفت أستراليا أنها تعتزم تعديل الإنفاق الدفاعي، في أكبر إعادة تنظيم لقواتها العسكرية منذ عقود، مع إعادة تركيز استراتيجية جيشها على ردع أعداء محتملين بعيداً عن سواحلها، وذلك عقب أن خلصت مراجعة إلى أن البلاد لا تتمتع بالإعداد الكافي للدفاع عن نفسها في أي صراع في المنطقة. وقال وزير الدفاع الأسترالي ريتشارد مارليس الذي وضع تصورا يعزز فيه قدرات أستراليا الهجومية البعيدة المدى، إن الاستراتيجية القائمة منذ عقود على حماية الأراضي «لم تعد تفي بالمطلوب».

وأضاف أنه في مواجهة الصين التي باتت أكثر قوة، ستحول أستراليا تركيزها إلى ردع الأعداء قبل أن يصلوا إلى حدودها سواء في البحر أو الجو أو الفضاء الإلكتروني. وأكد مارليس «اليوم وللمرة الأولى منذ 35 عاما نعيد صياغة مهمة قوات الدفاع الأسترالية».

وأشارت المراجعة الأستراتيجية التي قامت بها وزارة الدفاع الأسترالية إلى أن النمو العسكري لبكين هو الآن الأكبر والأكثر طموحا مقارنة بأي دولة أخرى منذ الحرب العالمية الثانية.

وجاء في المراجعة أن «هذا النمو يحدث بدون شفافية أو طمأنة لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ بشأن النوايا الاستراتيجية للصين»، مستخدمة مصطلحا آخر لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ.

وأعلنت أستراليا عن هدف رئيسيي في استراتيجيتها الجديدة يركز على تطوير غواصات خفية بعيدة المدى تعمل بالطاقة النووية.

كذلك، سيركز الجيش الأسترالي بشكل أكبر على قدراته للدفاع عن سواحل البلاد، ولاسيما في المناطق الشمالية الشاسعة، حيث ستسعى أستراليا لتعزيز شبكتها من القواعد في شمال البلاد، وتحسين تعاونها الدفاعي مع الدول المجاورة، خصوصا في المحيط الهادئ.

ويخشى المخططون العسكريون الأستراليون أن تتمكن الصين بقدراتها العسكرية الكبيرة من عزل أستراليا عن شركائها التجاريين وسلاسل التوريد العالمية.

وأشارت المراجعة إلى أن عودة المنافسة الاستراتيجية بين أكبر قوتين الصين والولايات المتحدة «يجب أن ينظر إليها على أنها السمة المميزة لمنطقتنا وزمننا».