باتت العطل المدرسية غير الرسمية، أو المزاجية، سواء المرتبطة بتقلبات الطقس أو بالأيام ما بين العطل أو غيرهما من المناسبات، ظاهرة متنامية في السنوات القليلة الماضية بشكل يعكس مزيدا من التدهور في التعليم العام، خصوصا الحكومي، ليُضاف الى حالة الإخفاق او التدهور التي تعانيها البلاد على مختلف الصُّعد التنموية والاقتصادية والخدمية من الفشل في بناء الانسان المنتج إلى أبسط الخدمات الاعتيادية كجودة الشوارع، إخفاقٌ جديد يتعلق بتهاون الدولة، ممثلة في مؤسساتها التربوية وأساسيات التعليم بكل ما فيه من عواقب وخيمة على المستقبل والأجيال القادمة.
تواطؤ الوزارة
ومشكلة هذه العطل غير الرسمية أنها تأتي بتواطؤ من الجهة المعنيّة بالإشراف على العملية التعليمية في البلاد، وهي وزارة التربية التي باتت تتهاون منذ عودة العمل بالتعليم بعد جائحة كورونا في مواعيد بدء العام الدراسي الذي بدأ هذا العام في شهر أكتوبر، أي متأخرا عن موعده المعتاد بشهر كامل، فضلا عن تمديد ما يُفترض أنها عطلة قصيرة بين الفصلين الدراسيين المتعارف عليها بـ «عطلة 15» الى نحو 45 يوماً، مما يعطي رسائل الى الطلاب وأولياء أمورهم وحتى المعلمين بأن الأساسيات أو البديهيات في العملية التعليمية كالدوام المدرسي وانتظام الحصص الدراسية، أمور غير مهمة.
وبالتالي، فإن الحديث عمّا هو أعمق كتطوير التعليم أو رفع جودته أو تطبيق برامج لرعاية المتفوقين، أو إطلاق برامج لرخصة المعلم، أو غير ذلك من الخطط التطويرية غير المنفذة أصلا، يظل خارج سياق المنطق، ما دام التعليم يتعطل بسبب أمطار أو غبار، أو لعطل غير رسمية بين عطلتين!
الأدنى عالمياً
وفي ظل معدل عالمي لعام دراسي يمتد لـ 200 يوم، بينما تبلغ مدة اليوم الدراسي 8 ساعات، تعدّ الكويت ضمن أقل دول العالم في عدد الأيام الدراسية خلال العام بـ 174 يوماً، بالتوازي مع مدة اليوم الدراسي (6 ساعات)، الى جانب البحرين في مدة العام الدراسي، غير أنه مع احتساب أيام العطل غير الرسمية لظروف جوية أو بين عطلتين، أو غيرهما من أسباب غير موضوعية، فتصل الى نحو 150 يوما، وهو أقصر معدّل لعام دراسي في العالم على الإطلاق، مما يفسر جانبا من إخفاق تعليمي عميق يتعلق بالفاقد التعليمي الذي يصل لدى طلاب الثانوية العامة الى 5 سنوات دراسية.
إنفاق بلا عائد
يأتي هذا الوضع المستجد في التسيب بالعملية التعليمية ليكرّس مزيدا من التدهور في أوضاع التعليم العام الذي تنفق عليه الدولة سنويا ما لا يقل عن 2.3 مليار دينار (الجزء الأكبر منه للرواتب)، أي ما يوازي 8.5 بالمئة من إجمالي مصروفات الميزانية العامة للدولة، وهو رقم يمثّل 5.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، بنسبة تتجاوز ما تنفقه كوريا الجنوبية وألمانيا وأميركا والعديد من الدول المتقدمة على التعليم، غير أن النتائج مخجلة وتماثل أو تقل عن مستويات دول فقيرة أو عديمة الإمكانات، فالكويت حازت - وفق مؤشر دافوس 2021 - الترتيب الـ 101 عالمياً فيما يتعلق بجودة التعليم، ونالت الترتيب 54 في التقييمات الدولية في تحصيل العلوم والرياضيات (تيمز) من بين 58 دولة، مما يجعل وزارة التربية اليوم نموذجا واضحا للفشل الإداري الذي يكلف أعلى إنفاق مالي مع تحصيل أقل عائد تنموي!
فراغ إداري
وتعاني وزارة التربية، مثلها مثل العديد من وزارات ومؤسسات الدولة، فراغا إداريا يزيد من حالة التدهور فيها، فمعظم وكلاء الوزارة بالتكليف، وبالتالي، فإن توقّع وجود إدارة حصيفة لأزمة معيّنة أو مبادرة في معالجة مشكلة ما أو نحو ذلك هو تفاؤل في غير محلّه، بل إن أوضاع وزارة التربية ونتائجها تفتح الباب لمزيد من الأسئلة حول جودة مشاريع التطوير التي تنفذها الوزارة كـ «المنظومة المتكاملة لإصلاح التعليم» المعنيّة بتطوير المناهج الدراسية واستخدام التكنولوجيا في التعليم، التي كلفت منذ عام 2009 نحو 180 مليون دينار بلا نتائج واضحة، ومن دون حتى قدرة على تشغيل نظام «أونلاين» ليوم واحد في حالات الطوارئ، كما أن هذه الأوضاع تفتح المجال لأسئلة حول مدى كفاءة وزارة التربية ليس فقط في إدارة ملفات التعليم الحكومي العام، إنما أيضا مدى كفاءتها في فرض اختصاصاتها الرقابية والإشرافية والتنظيمية على قطاعات التعليم الخاص.
وضع مؤسف
ومن المؤسف أن العالم اليوم، بما فيه دول الخليج، يناقش قضايا كأثر الذكاء الاصطناعي على تطوير التعليم، أو مدى قدرة المناهج على مواكبة احتياجات سوق العمل، أو كيفية رفع وزن استخدام التكنولوجيا ضمن طرق التدريس.
أما في الكويت، فجُلّ النقاش عن تأخّر بدء العام الدراسي بسبب ضعف استعدادات وزارة التربية في أمور خدمية مساندة وليست أصيلة بالعملية التعليمية، كالصيانة والنظافة، أو مدى قدرة الوزارة على ضبط الدوام المدرسي بين أي عطلتين، ناهيك عن مدى قدرتها على محاربة تفشي ظاهرة الغش وتسريب الامتحانات، لكنّ المؤسف أكثر أن هذه البيئة التعليمية المتدهورة هي التي يجب أن نراهن عليها في توفير فرص عمل لنحو 400 الف شاب كويتي عام 2035، منهم 230 ألفا يجب أن يعملوا في القطاع الخاص... وهذا طموح أقرب الى الوهم في ظل معطيات الاقتصاد السيئة والتعليم المتدهور.