مع دخول وقف إطلاق النار الهش، الذي توسطت فيه واشنطن والرياض، يومه الثاني، سادت السودان فوضى عارمة خلال الساعات الماضية، تجسدت في هروب قيادات نظام الرئيس المعزول عمر البشير من سجن كوبر في الخرطوم، وتبادل الاتهامات بين الجيش، بقيادة عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع، بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بالمسؤولية عن الحادث، الذي اعتبرته القوى المدنية بداية لمسلسل الانهيار.
وبعد إعلان مساعد الرئيس السابق أحمد هارون، والقيادي بحزب المؤتمر الوطني المنحل، فراره من سجن كوبر برفقة مسؤولين سابقين آخرين، أكد الجيش أمس أن البشير نفسه نقل مع مجموعة من العسكريين المتهمين في أحداث 30 يونيو إلى مستشفى علياء، التابع للقوات المسلحة، نظرا لظروفهم الصحية قبل تمرد قوات الدعم السريع في 15 أبريل، ولا يزالون محتجزين فيه تحت حراسة ومسؤولية الشرطة القضائية.
وفي تسجيل نشر ليل الثلاثاء - الأربعاء، قال هارون، المطلوب بمذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب «جرائم ضد الإنسانية» و«إبادة» في إقليم دارفور، إن سجن كوبر، الذي كان البشير يتواجد فيه أيضا، خلا من كل السجناء والحراس يوم الأحد 23 أبريل، باستثناء قلة لا تتجاوز العشرة هو منهم.
وأضاف: «بناء على طلب القوة المتبقية تحركنا لموقع آخر خارج السجن، تحت حراسة محدودة لا تتعدى الثلاثة»، مبينا أنه ورفاقه تلقوا وعودا بالإفراج عنهم في اليوم نفسه، لكن ذلك لم يحصل، وبسبب الخطر وتواصل الاشتباكات «اتخذنا قرارنا الخاص بنا بأن نتحمل مسؤوليتنا بحماية أنفسنا بأنفسنا».
اتهامات متبادلة
وتبادل الجيش وقوات الدعم السريع الاتهامات بالمسؤولية عن الحادث. وفي رده على اتهام قوات حميدتي بوضع الخطط لإشعال الحرب كغطاء لخلق مبررات أمنية لإخراج قيادات نظام البشير من السجن، أعلن الجيش عدم وجود أي مصلحة له في خروجهم بهذه الطريقة التي تضع أمن الناس وطمأنينتهم على المحك، ونفى وجود علاقة له بحزب المؤتمر الوطني (الحاكم سابقا بقيادة البشير).
وأوضح أن «سلطة إدارة والإشراف على السجون خارج نطاق اختصاص الجيش، وتقع تحت مسؤولية وزارة الداخلية، والجيش غير معني بأي بيانات تصدر من جماعة أو أفراد خرجوا من السجون بتلك الطريقة، بما فيها بيان أحمد هارون المحتجز على خلفية بلاغات سياسية».
وقالت وزارة الداخلية إن قوات الدعم السريع اقتحمت 5 سجون، بينها كوبر، في الخرطوم، في الفترة من 21 إلى 24 أبريل، وأطلقت سراح جميع النزلاء، موضحة أن اقتحام «كوبر» تسبب في مقتل وجرح عدد من منسوبي إدارة السجون.
عجلة الزمان
في المقابل، اتهمت قوات الدعم السريع الجيش السوداني بتنفيذ «عملية إخلاء بالقوة الجبرية لجميع السجناء الموجودين بسجن كوبر»، الذي يضم جميع قادة النظام السابق، معتبرة أن «قادة الانقلاب يريدون إدارة عجلة الزمان إلى الوراء باستعادة الحكم».
من جانبها، اعتبرت قوى «الحرية والتغيير» أن خروج قادة النظام المعزول يؤكد أنهم يقفون خلف الحرب الدائرة منذ 15 أبريل الجاري لإعادة الطغمة المستبدة إلى الحكم وزيادة اشتعال الحرب.
وأفادت بأن بيان القيادي بحزب المؤتمر المنحل «أكد الحقائق في أن اندلاع الاشتباكات جرى من خلال عناصرهم الموجودة داخل القوات المسلحة، وهذه الحرب التي أشعلها ويتكسب منها النظام البائد ستقود إلى الانهيار، ولن تحقق أيا من القضايا الرئيسية التي سعت الأطراف المدنية والعسكرية إلى حلها عن طريق العملية السياسية».
ودعت «الجماهير إلى رص الصفوف للتصدي لمخططات فلول شريرة باتت تهدد بتمزيق السودان وتعصف بأمنه وسيادته ووحدته، وقيادة القوات المسلحة والدعم السريع بوقف الحرب فورا والتصدي لخطط النظام البائد صاحب ظاهرة تعدد الجيوش والتشوهات الأمنية الماثلة حاليا، وقطع الطريق أمام كل مخططاته ومساعيه للعودة للحكم».
قتال مستمر
في هذا الوقت، دخل وقف إطلاق النار المبرم في السودان برعاية أميركية - سعودية يومه الثاني، لكنه بقي هشا وسط تقارير لشهود عن ضربات جوية وإطلاق نار.
وقال رئيس بعثة الأمم المتحدة فولكر بيرتيس من بورتسودان إن المعارك في محيط «مواقع استراتيجية» بالخرطوم، بما في ذلك المطار الدولي، «تواصلت إلى حد كبير أو اشتدت في بعض الحالات، ولا يوجد مؤشر واضح حتى الآن على أن أيا من (طرفي النزاع) مستعد للتفاوض حقا»، مؤكدا ارتفاع عدد القتلى إلى أكثر من 459، وما يزيد على 4 آلاف جريح.
وبينما يسري منذ أيام وقف محلي لإطلاق النار في منطقة شمال دارفور الشاسعة (غرب)، اندلعت اشتباكات استخدمت فيها خصوصا طائرات مقاتلة في ود بنده في غرب كردفان المجاورة وود البشير في أم درمان.
وقال المبعوث الأممي: «المعارك استؤنفت قرب الحدود التشادية، وهناك تقارير متزايدة ومقلقة عن تسلح قبائل وانضمامها إلى القتال»، مضيفا أن «اشتباكات بين مجموعات مختلفة» اندلعت أيضا في منطقة النيل الأزرق على الحدود الجنوبية الشرقية مع إثيوبيا.
واستهدف الجيش السوداني بطائراته مواقع في ضواحي الخرطوم، وردت قوات الدعم السريع باستخدام أسلحة ثقيلة، وقالت إنها سيطرت على مصفاة ومحطة كهرباء على بعد 70 كلم شمال العاصمة.
وأعلنت نقابة الأطباء توقف 59 مستشفى من أصل 82 أساسية في العاصمة والولايات، مشيرة إلى تعرض 14 للقصف، و19 للإخلاء القسري منذ 15 أبريل الجاري.
عمليات الإجلاء
ومع مواصلة الحكومات الأجنبية تنظيم عمليات إجلاء الآلاف من رعاياها عبر قوافل برية وطائرات وسفن، نفذت السعودية أكبر عملية إنقاذ من نوعها بنقلها 1687 مدنياً من 56 دولة إليها حتى الآن.
وقالت وزارة الخارجية إنها قامت بإجلاء ما مجموعه 2148 شخصا حتى الآن من دول في الشرق الأوسط وإفريقيا وأوروبا وآسيا وأميركا الشمالية وأميركا الوسطى، من بينهم 13 سعوديا، كما وصلت طائرة نقل عسكرية بريطانية إلى قبرص.
ونقلت شبكة «سي إن إن»، عن مسؤول أميركي، أن «البيت الأبيض يدرس خطة لإرسال قوات إلى بورتسودان للمساعدة في إجلاء الأميركيين».
ووسط ترقب لتوسع عمليات الجيش البريطاني، أعلنت وزيرة الداخلية سويلا برافرمان إجلاء المئات عبر رحلات جوية متواصلة إلى قبرص بالتعاون مع أكثر من 1000 فرد من سلاح الجو الملكي والقوات المسلحة.
ومن المتوقع أن يتولى الجيش البريطاني السيطرة على إدارة القاعدة الجوية السودانية في وادي سيدنا من القوات الألمانية، وهو أمر قد يتطلب وجودا عسكريا أكبر على الأرض، تحسبا لاستخدام القوة إذا لزم الأمر لحمايتها في حالة تعرضها للهجوم أثناء الجسر الجوي.
وفيما تدرس لندن خيارات أخرى، بما في ذلك الإجلاء البحري من بورتسودان، أعلنت وزارة الدفاع الألمانية اكتمال نقل أكثر من 700 شخص إلى خارج السودان بينهم 200 مواطن.
وأكدت الجزائر أنها سخرت كل الإمكانيات اللازمة لإعادة جاليتها المقيمة بالسودان وأعضاء البعثة الدبلوماسية وذويهم إلى جانب 13 فلسطينياً و22 سورياً.
وبينما أكدت الصين العمل على نقل وإجلاء نحو 800 من رعاياها، وصلت إلى تركيا دفعة أولى من أكثر من 100 شخص بالطائرة إلى مطار إسطنبول قادمين من السودان عبر العاصمة الإثيوبية أديس أبابا التي سافروا إليها بطريق البر.