كيف يشوّه قطاع الظل المصرفي الرأسمالية ويمهد لأزمة؟
قبل أشهر قليلة من الآن، لم تكن البنوك الإقليمية الأميركية – وهي مصارف متوسطة الحجم – حاضرة في النقاشات حول مصدر الأزمة المالية التالية، بعكس ما كشفت عنه اضطرابات مارس، التي أثارت موجة من القلق في الأسواق العالمية.
وتوقع أغلب المحللين أن يكون التهديد الرئيسي هو قطاع الظل المصرفي، الذي نما بشكل كبير منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008، ولا يزال أقل تنظيماً بكثير من القطاع المصرفي التقليدي.
عندما حلت جائحة كورونا، انسحبت المؤسسات المالية غير المصرفية، مثل صناديق التحوط وصناديق النقد، التي تشكل المكون الرئيسي لمفهوم بنوك الظل، من أسواق الائتمان، ما أجبر الحكومات على التدخل لتحقيق الاستقرار.
ويتجلى آثر ذلك في حديث وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين في الشهر الماضي عندما قالت: «ببساطة، أعادت صدمة كوفيد التأكيد على وجود نقاط ضعف هيكلية في المؤسسات غير المصرفية».
وأشارت الوزيرة إلى طرق عدة يحاول المنظمون من خلالها مراقبة نفوذ صناديق التحوط بشكل أفضل ومعالجة مشكلة عدم تطابق السيولة في صناديق النقد المفتوحة، لتجنب تحميل صغار المستثمرين خسائر فادحة خلال أوقات الضغط.
مصدر الأزمة التالية
- رغم اضطرابات مارس، وما كشفته من نقاط ضعف في القطاع المصرفي التقليدي، فمن الجيد أن يركز صانعو السياسة على بنوك الظل، لأنها ما زلت مصدراً رئيساً للمخاطر خلال العام الحالي وما بعده.
- على سبيل المثال، هناك مشكلة تختمر في قروض العقارات التجارية وصناديق الملكية العقارية الخاصة، وهذه هي نقطة التقاء المخاطر المتشابكة بين بنوك الظل والمصارف التقليدية الصغيرة.
- تمتلك البنوك الصغيرة 70 في المئة من جميع القروض العقارية التجارية، والتي نمت بأكثر من ثلاثة أضعاف منذ عام 2021، وبعد تخفيف قواعد «دود فرانك»، استثمرت المؤسسات المالية الأصغر في الأصول الأكثر خطورة المملوكة لشركات الأسهم الخاصة وصناديق التحوط.
- الآن، يجري تشديد معايير تمويل البنوك الصغيرة للعقارات التجارية، ومع ارتفاع أسعار الفائدة، يشكل ذلك ضغطاً هبوطياً على قيم العقارات التجارية، والتي أصبحت أقل من مستويات ما قبل الوباء بالفعل.
- سيؤدي ذلك في النهاية إلى تقليص تدفقات رأس المال، وإخراج الاستثمارات عن مسارها، والضغط بدوره على صناديق الأسهم الخاصة مع قرب استحقاق سداد القروض.
حلقة الموت
- توقعت «تي إس لومبارد» للاستشارات، أن يكون مستوى استحقاقات الديون العقارية عام 2023 مرتفعاً، بما يدفع مديري الأصول نحو المستثمرين بحثاً عن المزيد من رأس المال (وهو أمر صعب الآن) أو بيع الممتلكات لتغطية القروض.
- في الشهر الماضي، توقفت مجموعة بروكفيلد العقارية الكندية عن سداد مدفوعات بقيمة 734 مليون دولار من ديون بناء المكاتب في لوس أنجلس، وهناك عمليات بيع على المكشوف لبعض صناديق الاستثمار العقاري.
- بالتالي، في ظل هذا الوضع المربك، من المحتمل أن تبدأ المخاوف بشأن العقارات التجارية في الكشف عن نقاط ضعف أخرى (أو على الأقل عدم تناسق) في النظام المالي وبنوك الظل على وجه الخصوص.
- انخرط مديرو الأصول الأثرياء، مثل: «بلاكستون» و«أبولو» وغيرهما، في استثمارات العقارات السكنية والتجارية عقب أزمة عام 2008، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنهم كانوا قادرين على عقد صفقات لم تستطع البنوك الأكثر تنظيماً عقدها.
- لا يعني ذلك أن هذه المؤسسات على وشك الإفلاس، خصوصاً أن شركات الأسهم الخاصة الكبرى غنية جداً بالمال، لكن مع تراجع القيم وارتفاع معدلات الفائدة وأزمة الائتمان، يعني ذلك أنه قد تكون هناك بعض حالات التخلف عن السداد الكبيرة.
رأسمالية خبيثة
- في النهاية، فإن تدهور سوق العقارات المرتبط بشدة بمصارف الظل، سيعني إسدال الستار على التوجه الذي تبنته شركات الأسهم الخاصة وشركات إدارة الأصول العالمية خلال السنوات الماضية.
- يعتقد الاقتصادي السياسي بريت كريستوفرز أن العالم انتقل من الرأسمالية إلى شيء «أكثر خبثاً»، حيث يهيمن مديرو الأصول الكبار على «الأنظمة والأطر المادية الأساسية»، بما في ذلك المنازل ومقرات العمل وأنظمة الطاقة، وحتى مستشفيات رعاية ما قبل الوفاة.
- عملية الهيمنة تلك تم تسريعها من خلال خطط التحفيز المالي لما بعد «كوفيد» في الولايات المتحدة وأماكن أخرى من العالم، والتي شجعت المزيد من شراكات البنية التحتية بين القطاعين العام والخاص.
- على سبيل المثال، كان لقانون الاستثمار في البنية التحتية والوظائف في أميركا استثمارات عامة أقل مما تم اقتراحه في البداية، لكنه قدم مجموعة من الامتيازات الجديدة للاستثمارات الخاصة.
- يقول بروس فلات الرئيس التنفيذي لشركة بروكفيلد لإدارة الأصول: «ما نفعله كان يتركز وراء الكواليس، ولا أحد يعرف أننا هناك، لكن ليس بعد الآن، حيث تم اكتشاف مشكلة شركات الأسهم الخاصة في العقارات».
- يضيف فلات أنه في ظل الأزمة التي تلوح في أفق قطاع العقارات التجارية، فمن المحتمل أن ينتبه المستثمرون للأعمال ذات الملكية العقارية عالية الاستدانة التي شكلتها بنوك الظل، والمخاطر التي تشكلها خصخصة هذه الأصول.