بقايا خيال: وأكملت حكم المؤبد مرتين!!
طوال السنوات الخمسين الماضية كنت ومازلت أشارك في ماراثون الوفاء دون كلل أو ملل، محاولاً أن أنافس أي وفي، حتى لو كان كلباً، لأنني لا أعرف أي شيء يدبّ على هذه الأرض أكثر وفاء من كلب لصاحبه، والغريب أن أغلب الناس بدلاً من أن يقدروا صفة الوفاء في هذا الحيوان، لأنها نادرة الوجود في «الإنسان»، نجده عندما يشتم أحدهم عدوه يقول له «يا كلب» كنوع من الإهانة المباشرة، حتى إن عرف الإنسان في قرارة نفسه أنه لا يقدر على منافسة الكلب في وفائه، فكم عدد الأوفياء بيننا لأصحابهم أو لإخوانهم أو لزوجاتهم أو حتى لأوطانهم؟ وكيف يكون وفاء الكلب محسوساً أكثر من وفاء الإنسان؟ وبمعنى آخر كيف يكون هذا الحيوان «غير العاقل» وفياً أكثر من وفاء «الحيوان الناطق العاقل»؟
عندما يحتفل الإنسان بعيد ميلاده لا ينتبه إلى أنه ودع سنة كاملة من حياته، وألغاها من عمره، فكلما أشعل شموع سنواته الماضية أوهم نفسه وكأنه فرح بجمع سنوات حياته الجميلة، دون أن يدري أنه في الواقع يقلص من رصيد حياته، أما الاحتفال بعيد الزواج فإنه مختلف تماماً عن الاحتفال بعيد ميلاده، خصوصاً في زواجات لا تعكر صفو سعادتها منغصات ولا مشاكل، فتستمر لحظاتها هانئة هادئة، ولهذا أنظر إلى سنواتي التي مضت من زواجي السعيد وكأنني جمعت أيامها الممتعة وأضفتها إلى رصيد أيام العشرة الطويلة التي لا تنسى، حتى أصبحت لا أريد حتى للمقبلات منها نهاية ولا انقطاعاً.
بعد أربعة أيام، وتحديداً يوم الثلاثاء الموافق الثاني من شهر مايو المقبل، يصادف العيد التاسع والأربعين لزواجنا الميمون، والخمسين عاما على معرفتي بشريكة حياتي، قد يلتبس الأمر على البعض عما إذا كانت تمثل هذه السنوات الخمسين إعلان نهاية ليوبيل ذهبي، أو بداية لِما جُمع من رصيد السعادة، وكأن هذا البعض قد تململ من كثرة النوم على «جنب واحد»، وأيا كانت زاوية رؤية هذا البعض للمناسبة، فمثل هذه التحليلات لا تهمني، لأنني لا أرى في الأفق نهاية لعرسي الأبدي، بل إنني في الحقيقة أرى سنواته قصيرة وأحسبها بضعة شهور من لحظات سعادة تمشي الهوينى وتمضي على مهل، رغم أنها قاربت نصف قرن، وأكملت خمسين نجمة ساطعة في حياتنا.
عندما علم أحد المقربين بقرب حلول عيد زواجنا الخمسين قال لي مازحاً: ترا المؤبد 25 سنة! فابتسمت وقلت «نعم أعرف ذلك... وكلامك حول المؤبد ينطبق على الأزواج الذين لا يعرفون التجديد، ولا يقدرون العشرة ولا يريدون أن يمنحوا الطرف الآخر مكافأة نهاية خدمة «سنوية» نظير الخدمات التي قدمها أو درع تكريم مقابل الإنجازات التي حققها، أو مكافأة معنوية من لسان يجب أن «ينقط عسل»، كي يشعر الشريك، رجلاً كان أو امرأة، بقيمته الحقيقية في نظر الآخر، وبمعنى حياته التي أفناها بين جدران بيت الزوجية، والذي يراه البعض سجناً اجتماعياً.
أما أنا، الذي يراني كثيرون وكأنني من كوكب آخر، فأرى هذا المكان جنة غنّاء، من باب الوفاء على الأقل، ولهذا قلت لصاحبي الذي ذكرني بالمؤبد: والله لا أبالغ بأن 100 سنة متواصلة مع شريكة حياتي هي في حقيقة الأمر «يوم مما تعدون».
كل سنة وأنت طيبة وبصحة وعافية يا أم صلاح، وكلمة شكر لا تفي بجزء من إنجازاتك العظيمة.