من صيد الخاطر: «إنْ كُنْتَ رِيحاً فَقَد لاَقَيْتَ إِعْصاراً»
«إنْ كُنْتَ رِيحاً فَقَدْ لاَقَيْتَ إِعْصاراً»، مثل عربي يقال لمن يغتر بنفسه ويعتقد أنه الأقوى، أو الأعلم، أو الأغنى، أو الأذكى، وأنه وصل الى قمة لن يصلها أحد غيره، فالريح قوية، ولكن الإعصار أقوى منها، والسيل مدمّر، ولكن الطوفان أعظم منه، وأنه مهما كنت قويا فلابد أن هناك من هو أقوى منك.
فقال الشاعر الجزار السرقسطي في ذلك:
يا مُفتياً بِانتِفاض الشَرع أَعصاراً
إِن كُنتُ ريحاً فَقَد لاقَيتَ إِعصارا
أَو كُنتُ سَيلاً فَقَد لُقّيت ذا لَجَجٍ
مُغطمطاً طامح الأَمواج زخارا
(ومغطمطاً هنا تعني عظيم الأمواج، وطامحا تعني هنا مرتفعا، وزخارا تعني هنا هائجا).
فهو مثل يضرب للمُدِلّ بنفسه إذا صُلِي، أو ابتلي، بمن هو أدهى منه وأشدّ، ويقابله في المعنى والدلالة المثل العربي: «إن الحديد بالحديد يُفلَحُ»، وإذا دعتك قدرتك على ظلم الناس، فتذكر قدرة الله عليك.
وهناك قصة شعبية طريفة وجميلة ومعبرة سردها المرحوم أيوب حسين الأيوب، الفنان التشكيلي، والكاتب والمؤرخ والتربوي الكويتي، والذي قام برسم الصور على العملات الكويتية المستخدمة في الإصدار الخامس، فلا بأس من نقلها حرفيا، وباللهجة العامية، لأنها تدل بوضوح على أن كل جبار لابد أن هناك من هو أعتى منه، فيقال: «إن نملة كانت تمشي على طوفه عالية، فتعبت تعبا شديداً وتضجرت من هذا العلو الذي لم تحسب له حسابا، فقالت النملة للطوفة: ما أطْوَلَكِ! ما أطْوَلَكِ! فقالت الطوفة للنملة: ما أطْوَلَنِي! ما أطْوَلَنِي! والفار يعقرني؟ فقال الفار للطوفة: ما أعْقَركَ! ما أعقَركَ! والقطُوْ ياكِلَنِي؟ فقال القطو للفار: ما آكلَكَ! ما آكلَكَ! والعصا تَلْشِطَنِي؟ فقالت العصا للقَطُوْ: ما ألْشطَكَ! ما ألْشطَكَ! والضَّو تَحْرِقَنِي؟ فقالت الضَّو للعصا: ما أحْرَقَكِ! ما أحْرَقَكِ! والمايْ يِطَفِّينِي؟ فقال الماء للضَّوّ: ما أطَفّيكِ! ما أطَفِّيكِ! والبِعْير يِشّرَبَنِي؟ فقال البعير للماء: ما أشْرَبَكَ! ما أشْرَبَكَ! والسّكِّين تَذّبَحُنِي؟ فقالت السِّكِّين للبعير: ما أذْبَحَكَ! ما أذْبَحَكَ! والحدادُ يَطْرُقَنِي؟ فقال الحداد للسكين: ما أطْرقَكِ! ما أطْرَقِك! والموُت يَاخِذَنِي؟».
فهذه سنة الحياة، فـ«كل آفة ولها آفة»، وكل شارب وله مقصه.
ملحوظة: المثل منقول من التراث بتصرف.