وبعيداً عن هذا الدوي وعن الأحداث السياسية المتسارعة التي تمر بها الكويت وتجتازها التجربة الديموقراطية، فإن ما يقلق المواطن هو أن تقحم هذه الأحداث القضاء في العمل السياسي، وهو الدرب الصعب الذي تخشاه أي رقابة قضائية، فقد أثار قلق الجميع صدور حكم المحكمة الدستورية بإبطال مرسوم حل مجلس الأمة، والذي كان له دويه في الشارع السياسي، وفي الوسط القضائي والقانوني، والذي اختلفت الآراء حوله، وحول الدور السياسي لقضاء المحكمة الدستورية، والذي تجنبته المحكمة الدستورية، بالقيود الذاتية التي فرضتها على نفسها، وهي تبسط رقابتها على دستورية القوانين وهو الاختصاص الأصيل للمحكمة الدستورية الذي تستمده من المادة (173) من الدستور.
اختصاص ظرفي واستثنائي
وكان الدستور قد عهد بالفصل في الطعون الانتخابية إلى مجلس الأمة في المادة (95) من الدستور التي نصت على أن «يفصل مجلس الأمة في صحة انتخاب أعضائه، ...ويجوز بقانون أن يعهد بهذا القضاء إلى جهة قضائية». مثلما كان عليه الحال في فرنسا، فقد كان البرلمان الفرنسي يفصل في صحة عضوية وانتخاب أعضائه، إلى أن صدر دستور ديغول سنة 1958، فعهد هذا الدستور بهذا الاختصاص إلى المجلس الدستور، كما عهد قانون إنشاء المحكمة الدستورية في الكويت إلى المحكمة الدستورية بالفصل في الطعون الانتخابية.
والواقع أن اختصاص كل من المجلس الدستوري في فرنسا والمحكمة الدستورية في الكويت، كان اختصاصا ظرفياً، أملته الظروف في البلدين، باعتباره منازعة إدارية، كان يجب أن يختص بها مجلس الدولة في فرنسا، والدوائر الإدارية في القضاء الكويتي، للخبرة المتراكمة للقضاءين في هذه المنازعات في بحث مشروعية القرارات والإجراءات الإدارية، إلا أن دستور فرنسا أحجم عن إسناد هذا الاختصاص لمجلس الدولة، بسبب إساءة ظن البرلمان الفرنسي بمجلس الدولة منذ حكم نابليون، كما يرجع في الكويت إلى أن قضاء الإلغاء لم يستحدث في الكويت إلا في سنة 1981، بالقانون رقم 20 لسنة 1981 بإنشاء الدائرة الإدارية بالمحكمة الكلية.
تقييم قضاء الطعون الانتخابية
والواقع أن المواطن استبشر خيراً بإسناد الاختصاص بالفصل في الطعون الانتخابية إلى جهة قضائية، خاصة وقد أسند إلى أعلى جهة قضائية في البلاد، وهي المحكمة الدستورية، وقد نزلت من عليائها، لتقرر أن اختصاصها في هذه الطعون بصفتها محكمة موضوع، أي قاضي مشروعية، يوازي- بإقرار المحكمة ذاتها- اختصاصا موازيا لاختصاص أي دائرة إدارية بالمحكمة الكلية، وليست بصفتها محكمة دستورية. وحددت المحكمة الدستورية نطاق اختصاصها بهذه الطعون بالقرارات والإجراءات الإدارية الممهدة للعملية الانتخابية أو التي تصاحبها أو تتلوها، مقررة في الوقت ذاته، وبحق، بأن إعلان نتائج الانتخابات ليس قرارا إدرايا بل معبرا عن إرادة الناخبين.
فقد كانت المعاني المتكاملة في الأحكام التي أصدرتها المحكمة الدستورية في الطعون الانتخابية، صفحة من صفحات القضاء الناصع البياض، إلا أن موقف المحكمة من إلغاء مراسيم حل مجلس الأمة، وهي السلطة الدستورية التي قررتها المادة (107) من الدستور، لأن موقفها من إلغاء مراسيم الحل كان موفقا مغايرا للمعاني المتكاملة التي اتسمت بها أحكام المحكمة الدستورية سالفة البيان، لأن إلغاء مرسوم حل مجلس الأمة، معناه حجب حق دستوري مباشر للأمة مصدر السلطات جميعا في الانتخابات التي ستجرى بعد الحل، للتعرف على اتجاهات الرأي العام، التي ستسفر عنها هذه الانتخابات، في المسائل التي كانت وراء مرسوم الحل، فضلاً عن العدوان على حرية الرأي وحق التعبير عنه، وحق الاجتماع العام والحوار العام الذي يصاحب أي انتخابات، أما إلغاء مرسوم حل مجلس الأمة، بعد أن جرت الانتخابات، وأعلنت نتائجها، فإنه يزيد الطين بلة في العدوان على حق مباشر للأمة التي باشرت أحد مظاهر سيادتها في هذه الانتخابات. وهو ما يطرح أكثر من سؤال مشروع:
• هل كان يمكن لمجلس الأمة، وهو يمارس اختصاصه في الفصل في صحة عضويه أعضائه، الذي نزل عنه بإرادته واختياره إلى المحكمة الدستورية بموجب قانون تفويض دستوري، أن يلغي مرسوم حل مجلس الأمة، بموجب المادة (95) من الدستور؟
• وهل تملك المحكمة الدستورية ما لم يكن يملكه مجلس الأمة إبان اختصاصه بهذا الأمر؟
• وهل يملك من فوض في الاختصاص الخروج على حدود التفويض الصادر له؟
الإصلاح القضائي
لذلك أصبح ضرورياً نقل الاختصاص بالفصل في الطعون الانتخابية إلى القاضي الطبيعي، قاضي المشروعية، محكمة التمييز أو محكمة الاستئناف وإن كنت أفضل الأخيرة، ليكون حكمها قابلا للطعن عليه أمام محكمة التمييز، وكان قد طعن في مرسوم حل مجلس الأمة في عام 2012 أمام إحدى الدوائر الإدارية بالمحكمة الكلية التي قضت في 3 يناير سنة 2012 بعدم اختصاصها ولائيا بنظر هذا الطعن، لأنه عمل من أعمال السيادة، وبسط رقابة القضاء عليه يخالف أحكام المادة (2) من قانون تنظيم القضاء رقم 23 لسنة 1959، بما يبطل الحكم الصادر خارج حدود ولاية القضاء.
وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.