سبق أن تناولت في مجموعة من المقالات الفرق بين مفهوم الهوية الوطنية والهوية الشخصية، وأن الأولى تعني الانتماء والعطاء والولاء والتضحية والحب للأرض في حين الثانية مجرد بيانات شخصية تدل على حاملها، لكن ما زال هناك من يزايد ويكابر بتعريف الوطنية وفق هواه باختصارها على فئة بعينها دون إدراكٍ لخطورة مثل هذا الطرح على اللحمة الوطنية.
الولاء والانتماء والتضحية والعطاء عناصر ثابتة لا تغيرها الظروف، في حين أن اللهجة والملبس من الثقافات القابلة للتغيير بحسب الزمان والحاجة والبيئة، فاللهجة على سبيل المثال تتأثر بالثقافة العامة ودرجة الانفتاح الاجتماعي كدخول كلمات أعجمية (إنكليزية، هندية، إيرانية) على اللهجة الكويتية بسبب العلاقات التجارية والهجرات، واندثار بعضها بسبب التطور وفقدان الحاجة إلى استخدامها، والحال ينسحب على الملبس الذي هو الآخر تغير بشكل كبير عند الرجال والنساء على حدّ سواء، وأمور كهذه لا يختص بها مجتمع بعينه، والمجتمع الكويتي ليس استثناء من هذه القاعدة.
دائمًا هناك من يبحث عن الإثارة والأضواء حتى إن كانت على حساب الوحدة الوطنية بطرح ما هو مثير للفتنة وزيادة في التقسيم العنصري من خلال المطالبة بمنع جزء كبير من المواطنين من ممارسة حقهم في المشاركة في الحياة السياسية بحجج أن البرلمان الكويتي يجب أن يعود لأبناء المؤسسين وحجب البقية عن المشاركة في هذا الحق. على رسلك ثم امدد البصر لعلك ترى أن الفرق كبير بين مفهوم الديموقراطية واتساع المشاركة الشعبية وبين الفساد السياسي ومن يتحكم في أدواته، ثم ارجع البصر مرةً أخرى للمجالس التي سبقت مشاركة أبناء الكويتيين وقارنها مع المجالس التالية فهل ترى من تفاوت، ثم ارجع البصر مرةً أخرى لمحاضر مجلس الأمة وإلى اللقاءات والمداخلات الموثقة داخل قبة عبدالله السالم وخارجها للراحلين من أمثال الدكتور أحمد الربعي والدكتور أحمد الخطيب والدكتور عبدالرحمن العوضي لتعرف الحقيقة.
عزيزي الفساد لم يكن يوما مرتبطا بمادة الجنسية، والولاء للوطن أكبر من نظرتكم الضيقة وإن الإصلاح السياسي لا يقتصر على نواب الأمة لكنه عمل مرتبط بسائر مفاصل الدولة.
للباحثين عن الشهرة على حساب اللحمة الوطنية أقول: اتركوا عنكم هذا الهراء ولا تجعلوا من أنفسكم مادة للسخرية، فالكويت بحاجة لكل أبنائها المخلصين، وبحاجة أكبر إلى غرس قيم الولاء والانتماء والعطاء لهذا الوطن الغالي.
العالم يتغير من حولنا والتحديات والمخاطر أكبر مما نتصور، وللأسف هناك من يسعى إلى تفتيت الجبهة الداخلية بخبث أو سذاجة، لكن والحمدالله هناك رجال ونساء الكويت قادرون على إخماد هذه الفتنة ووأدها والتصدي لها كما فعلوا دائما عند ظهور تلك الأصوات الشاذة. ودمتم سالمين.