المفوضية العليا للانتخابات... بين الضرورة والبطلان

• التشكيك المستمر في النتائج يزيد من جرعة الحديث عن أهميتها قبل كل انتخابات

نشر في 01-05-2023
آخر تحديث 30-04-2023 | 19:03
مواطنون يدلون بأصواتهم في انتخابات أمة 2022
مواطنون يدلون بأصواتهم في انتخابات أمة 2022
مع كل انتخابات يتزايد الحديث عن أهمية إنشاء المفوضية العليا للانتخابات، وتكثر معه المطالبات بإقرارها بمرسوم ضرورة، لكن يبقى السؤال هل تنطبق عليها صفة الضرورة؟ أم أن الأحوط الانتظار لإقرارها من مجلس الأمة، حتى لا يتكرر سيناريو انتخابات ديسمبر 2012 عندما أبطلت المحكمة الدستورية مرسوم إنشاء اللجنة الوطنية للانتخابات آنذاك؟

قبل كل انتخابات أو بعد حل مجلس الأمة أو إبطاله تتعالى الأصوات منتقدة ما يجري في العملية الانتخابية، ووصل الأمر إلى التشكيك في نتائج الفرز لعدد من المجالس البرلمانية سواء التي أتمت مدتها القانونية أو التي أُبطلت، إذ اتجه بعض أعضاء مجلس الأمة إلى التشكيك في تلك النتائج والاتهام بتزويرها، وربما وصل الأمر إلى ذروته بعد انتخابات مجلس 2022 المبطل، والذي اتُّهِم من أعضائه وأعضاء مجلس 2020 بوجود خلل وتزوير شاب العملية الانتخابية، واتجه الكثير منهم إلى الطعن فيه أمام المحكمة الدستورية التي انتهت إلى بطلان مجلس 2022.

ويرى الكثير من أعضاء مجلس الأمة وناشطون وخبراء دستوريون ضرورة إنشاء المفوضية العليا للانتخابات لتكون المظلة العليا لحفظ نزاهة العملية الانتخابية، وألا تكون موادها كالمرسوم الذي صدر في 2010 وأبطلته «الدستورية» آنذاك، مشددين على أهمية وجود مرسوم متكامل دستورياً وقانونياً يساهم في تعزيز النزاهة والشفافية للانتخابات.

وهناك بعض الأسئلة التي تثار حول هذا الموضوع ومنها، هل سيصدر مرسوم ضرورة بالمفوضية العليا للانتخابات؟ وهل هناك ضرورة سياسية لصدور مثل هذا المرسوم؟ وما الضمانات بعدم إبطاله مجدداً إذا صدر بضرورة كما حدث مع اللجنة الوطنية للانتخابات في 2012؟

الفيلي: لا ضرورة لإصدار مرسوم بـ «المفوضية» فـ «الحل» لم يصدر

بداية، قال الخبير الدستوري د. محمد الفيلي: «اننا في هذه الوضعية نتحدث عن فرضيات فيما يتعلق بمدى صحة ودستورية صدور مرسوم ضرورة لقانون بشأن المفوضية العليا للانتخابات«، موضحا أنه لكي يصدر مرسوم ضرورة بقانون يجب أن يكون ذلك إما في حالة ما بين أدوار الانعقاد لمجلس الأمة، أو في حالة حل المجلس، وهاتان الفرضيتان غير محققتين حالياً».

د. محمد الفيلي د. محمد الفيلي

وأضاف الفيلي أنه «من باب عرض افتراض المرسوم بقانون وفقا للمادة 171 واحكام المحكمة الدستورية فيجب أن تتوافر فيه حالة الضرورة، ما يعني أننا أمام قانون لا بد أن يصدر وجوبا ولا يتأجل إلى حين اجتماع المجلس لضرورته. والسؤال هل نحن في الوضع الحالي بصدد هذا الفرض؟».

وأكد أن القانون القائم حاليا يضع مجموعة من العناصر لتوفير نزاهة العملية الانتخابية، وهو الذي كانت تدار به العملية الانتخابية في مجلس 2020 أو المجالس البرلمانية السابقة.

وتابع: «إذا لم يثبت أننا بصدد ضرورة تؤثر على نزاهة العملية الانتخابية فلا يجوز أصلا إصدار مرسوم بقانون بشأن المفوضية العليا للانتخابات، أو كل ما يتعلق بالانتخابات حتى لو كان الامر مستحبا، وهنا ندخل في قضية الشريعة، بمعنى انه لا يكفي أن يكون الامر مستحبا لكي يكون جائزا، لكن يجب ان يكون في حكم الواجب».

وتساءل «متى يكون ذلك في حكم الواجب؟... يكون ذلك إذا ثبت بالدليل القاطع ان القواعد المعمول بها في الوقت الحالي تؤدي الى خلل العملية الانتخابية، وهنا الأمر يتحول إلى الواجب الذي يستدعي صدور مرسوم ضرورة بالمفوضية».

خلل الانتخابات

من جهته، ذكر أستاذ القانون الدستوري في كلية القانون الكويتية العالمية د. محمد الفهد: «مما لا شك فيه أن إنشاء المفوضية العليا للانتخابات يعتبر من الخطوات المهمة جدا والرئيسية من خطوات الإصلاح السياسي في الكويت، حيث إن التجارب الانتخابية السابقة في الكويت أثبتت وجود خلل كبير في إدارة وتنظيم الانتخابات بشكل عام، هذا من جانب ومن جانب آخر عدم تحقق مبدأ الشفافية والنزاهة التي يجب أن تواكب العملية الانتخابية برمتها، إذ إن تنظيم العملية الانتخابية في الكويت وفقا لقانون الانتخاب رقم 35 لسنة 1962 أعطى السلطة التنفيذية سلطات واسعة في إدارة وتنظيم العملية الانتخابية منذ بدء عملية الترشح الى لحظة إعلان النتائج، هذا الأمر علاوة على أنه يتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات هو أيضا يتعارض مع التطور الحديث للأنظمة الديموقراطية».

الفهد: تنشأ وفقاً للأطر الدستورية بتشريع من المجلس المقبل

وأضاف: «أشارت آخر الإحصائيات وفقا لما أصدرته المؤسسة الدولية للديموقراطية والانتخابات إلى أن 75% من دول العالم أصبحت لديها هيئة مستقلة لإدارة الانتخابات، لذلك دائما تتم الدعوة في الكويت من قبل الناشطين السياسيين ومنظمات المجتمع المدني إلى ضرورة إنشاء هيئة مستقلة لتنظيم وإدارة شؤون الانتخابات».

وأوضح أن الواقع يقول إن إنشاء هيئة مستقلة للانتخابات أو ما يسمى بالمفوضية العليا للانتخابات لا يعتبر طرحا جديدا على الساحة السياسية والقانونية في الكويت، حيث إنه في السنين العشر الماضية تم طرح هذا الموضوع بشكل كبير وعلى نطاق واسع، بل وصل الأمر الى مرحلة إصدار مرسوم بقانون رقم 21 لسنة 2012 بإنشاء اللجنة الوطنية العليا للانتخابات، والذي تم القضاء بعدم دستوريته من المحكمة الدستورية في حكمها رقم 15 لسنة 2012.

وأردف الفهد: «يثار في الآونة الاخيرة موضوع يتعلق بمدى إمكانية إصدار مرسوم ضرورة يتعلق بإنشاء المفوضية العليا للانتخابات، ومدى توافر حالة الضرورة في هذا المرسوم»، مضيفا: «في الحقيقة نظم الدستور الكويتي في المادة 71 موضوع مراسيم الضرورة بالنص على انه إذا حدث فيما بين أدوار انعقاد مجلس الأمة أو في فترة حله، ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، جاز للأمير أن يصدر في شأنها مراسيم تكون لها قوة القانون».


د. محمد الفهد د. محمد الفهد

واستطرد: «يفهم من هذا النص أن المشرع الدستوري قيد حق السلطة التنفيذية وعلى سبيل الاستثناء بالحق بإصدار مراسيم لها قوة القانون بضرورة تواجد ظروف استثنائية وطارئة وعارضة غير متوقعة تحتاج اتخاذ إجراء سريع وعاجل لا يحتمل التأخير لصالح البلاد. وإذا أسقطنا هذا الفهم على مرسوم الضرورة المراد إصداره في الفترة الحالية والمتعلق بالمفوضية العليا للانتخابات فهو ينعدم فيه عنصر المفاجأة والحدث الطارئ الذي يستوجب تدخلا سريعا من المشرع ولا يحتمل التأخير».

ولفت إلى أن هذا الموضوع كان مطروحا في الكويت سابقا، وليس بالحدث الجديد كما تم ذكره آنفا، وكان بإمكان المجالس السابقة وبالأخص مجالس 2016- 2020 تشريع قانون المفوضية العليا للانتخابات دون الحاجة الى اللجوء لمراسيم الضرورة، إذ إن هذه الرخصة الاستثنائية للسلطة التنفيذية بإصدار مراسيم لها قوة القانون يجب أن تتحقق شروطها وفقا للدستور، ولا يتوسع في تفسير أسبابها وعلة استخدامها، إذ إن الأصل هو أن السلطة التشريعية هي المختصة بتشريع القوانين، ومراسيم الضرورة الصادرة من السلطة التنفيذية هي استثناء من الأصل، لافتا إلى أن إنشاء المفوضية العليا للانتخابات ينبغي أن يكون وفقاً للأطر الدستورية بتشريع من المجلس المقبل.

تكرار البطلان

من جانبه، شدد رئيس جمعية النزاهة محمد العتيبي على أهمية المفوضية العليا للانتخابات لمراقبة ومتابعة وإدارة العملية الانتخابية، ولضمان شفافيتها ونزاهتها، كما هو معمول به في دول العالم، مضيفا «إننا نتطلع إلى جهاز يحقق أقصى درجات الشفافية».

«النزاهة»: نتطلع إلى جهاز يحقق أقصى درجات الشفافية

وقال العتيبي إنه اليوم في ظل إبطال المجالس البرلمانية، وتزايد الطعون الانتخابية، وإبطال المراسيم الخاصة بحل المجلس، وفي ظل عدم وجود لائحة انتخاب وشطب المرشحين بعد تسجيلهم ثم عودتهم للترشح لانتخابات مجلس الأمة بناء على حكم المحكمة فإن هناك أموراً تستدعي ضرورة النظر في آلية الانتخاب وتطوير العملية الانتخابية.


 محمد العتيبي محمد العتيبي

وأضاف العتيبي: بات من الضرورة ان نقف بين الفترة والأخرى لتقييم المرحلة السابقة للعملية الانتخابية، خصوصا مع وجود الأخطاء الإجرائية وبطلان المجالس.

28 نائباً يستعجلون «المفوضية»

تقدم 28 نائبا بطلب إلى رئيس مجلس الأمة بضرورة إقرار قانون المفوضية العليا للانتخابات، لضمان شفافية العملية الانتخابية.

وقال النواب في طلبهم: لا يخفى على أحد ما شاب الانتخابات الماضية من شبهات وشكوك وأخطاء جسيمة بشكل غير مسبوق نالت من سلامتها، وحالت دون إظهار الإرادة الحقيقية للناخبين بشكلها الحقيقي، الأمر الذي يتطلب تحقيقا لضمان سلامة وشفافية العملية الانتخابية، والانتهاء من إصدار التشريعات اللازمة، وأخصها قانون المفوضية العليا للانتخابات.

«الدستورية» تبطل اللجنة الوطنية

في وقت صدر مرسوم بقانون رقم 21 لسنة 2012 بإنشاء اللجنة الوطنية العليا للانتخابات، وبتعديل بعض أحكام القانون رقم 35 لسنة 1962 بشأن انتخابات أعضاء مجلس الأمة، لم يتسن لهذا القانون الاستمرار، نظراً لإبطاله من المحكمة الدستورية. وكانت مواد المرسوم تنص على أن تنشأ لجنة تسمى اللجنة الوطنية العليا للانتخابات، وتتولى الإشراف على الانتخابات وتنظيم الحملات الانتخابية، بالتنسيق مع الجهات الحكومية وغير الحكومية المعنية.وعلى الفور أكدت «الدستورية» أن إبطال عملية الانتخابات، التي تمت لمجلس ديسمبر 2012 المبطل الثاني، جاء إعمالا للأثر المترتب على قضاء هذه المحكمة بعدم دستورية المرسوم بقانون، الخاص بإنشاء اللجنة العليا للانتخابات، الذي أجريت الانتخابات بالفعل على أساسه.

back to top