«والله اشتقنا للكويت يا أبو فؤاد»، عبارة بقي يرددها على مسامعي طوال الفترة التي غاب فيها عنا قسراً منذ جائحة كورونا بنهاية عام 2019، بقي التواصل معه وهو في «نيو سهيلة» حيث المقر والمسكن يجاور شريكة حياته العزيزة أم داود التي رفض أن يتركها وحيدة بل كان ملازماً لها إلى آخر لحظات حياته.

منذ الثمانينيات والعلاقة مع هذا الرجل لم تتوقف يوماً، صديق العمر وابن المهنة وثالثنا الرسام الكبير أمين محفوظ ورحلة السباحة والرياضة الشتوية والصحبة الطيبة، لم أسمع منه يوماً استغابة أو ذما لأي شخص عرفه أو نعرفه، كان التفاؤل يعلو محياه وهو في أشد النكبات إيلاماً، واجه متاعب وتحديات في حياته، من جيل حفر مستقبله ومستقبل أولاده بالصخر، بنى اسماً مهنياً في عالم الطباعة، وأكمل بناء إمبراطوريته التي تحمل اسم «فور فيلمز»، وسمعته تقطر حروفاً من الذهب والوفاء.

Ad

كان أحد أبناء جيل المؤسسين الذين انغمسوا في ثنايا مهنة أحبها وعشقها ليورثها إلى أبنائه من بعده، داود وناجي، رافق أهم مرحلتين في تاريخ الطباعة والمطابع في كل من بيروت والكويت، وعاصر صف الأحرف بواسطة الرصاص (ماكينة الإنترتيب) وعصر الكمبيوتر الذي حل مكان الأول وأنهاه، اكتسب خبرات عملية أهلته لأن يكون خبيراً بالحرف العربي، كان «ملكاً» في عصر صف الأحرف بالرصاص ووصلت أعماله إلى أبوظبي ودبي في دولة الإمارات والعراق وذاع صيته في المنطقة الخليجية حتى صار يشار إليه بعبارة «عميد المطابع».

كان وراء إصدار سبع مجلات أسبوعية كانت تطبع في «مطبعة المقهوي» هي «الرسالة، الطليعة، أسرتي، أضواء الكويت، هذا الأسبوع، صوت الخليج» إضافة إلى صحيفتي «السياسة» و«كويت تايمز».

أبو داود، أول من أدخل أجهزة الكمبيوتر في صف الأحرف إلى الكويت بعدما هجر عالم الرصاص ويفاجئ أبناء المهنة بهذا الضيف الجديد. كنت شاهدا على ما قدمه للصحافة الكويتية في مرحلة ما بعد التحرير وقد ساهم فعلياً بإصدار أربع صحف يومية، بتأمين عملية «الصف» للأحرف، وهي «القبس» و«الفجر الجديد» و«صوت الكويت» و«كويت تايمز» حيث تحمل مسؤولية الإعداد والصف كاملة وعلى مدار أشهر وصلت حدود السنة، دون أي أعطال أو توقف في وقت كانت فيه الكويت تفتقر إلى المعدات والأجهزة والكوادر اللازمة لمثل أعمال كهذه.

رحلته في عالم المطابع ابتدأت سنة 1955 بجريدة «النهار» في بيروت، وفي سنة 1962 جاء إلى الكويت ليعمل مع حمود المقهوي وإبراهيم المقهوي وهم بدورهم تعاقدوا مع صاحب «الرأي العام» عبدالعزيز المساعيد لإصدار جريدته من الكويت بدلاً من بيروت وبعدما كانت أسبوعية صارت يومية.

ما إن وصل خبر وفاته إلى مسامع محبيه وأصدقائه يوم الأربعاء 26 أبريل 2023، حتى راحوا يقطرونه بعبارات إنسانية أجمعوا فيها على محبته وأصالته وجاءت على الشكل التالي:

• عبدالله برهم: «كان بشوشاً، ودوداً لا تفارقه الابتسامة، خلوقا ومتواضعا».

• نظير الحمصي: «فارس الأخلاق والطباعة والنشر في الكويت ولبنان».

• صالح نزال: «ذو خلق رفيع، يحترم رفاقه وأصدقاءه ويحبهم».

• أبوعامر الكوبري: «علمني مهنة الطباعة، خدم الكلمة بصف الإنترتيب واللينوتيب، حلو الروح والمعشر خلقاً ومعاملة وكرماً».

• خضر دبوق: «كان صديقاً كريماً وعزيزاً».

• هانز صلاحي: طيب المعشر، زمالته امتدت في تناغم بالسراء والضراء، طوّر الطباعة من مهنة إلى فن.

• زينة المقدم: «فقدنا صديقاً عزيزاً».

• خضر حلوة: «كان رجلاً بكل معنى الكلمة، كنت أحبه وأحترمه».

• أمين محفوظ: «رحمك الله يا أبو داود يا أعز الأصدقاء».

• أنطوان عبيد: «غيابه شيء يوجع القلب، نفسه في السماء».

• أحمد صفاوي: «كان خلوقاً ومحترماً».

عزاؤنا لأصدقائه ومعارفه وإلى السيدة الفاضلة جاكلين شليطا (أم داود) وأولاده وبناته وأشقائه.

حقاً، لقد أبكيتنا يا جورج برحيلك عنا.

***

الزميلة كريمة زبانة في ذمة الله

انضمت إلى أسرة «القبس» عام 2001 أمضت 14 سنة من حياتها الإعلامية في الكويت، غادرتها إلى إسبانيا عام 2015، بنت صداقات مع الجميع، فوجئنا بخبر وفاتها الذي حصل يوم 11 يناير 2023، وهي في غربتها الإسبانية، أي بعد نحو أربعة أشهر من رحيلها، تغمدها الله بواسع رحمته.