«د. حسين دشتي»... يتذكر حياته الحافلة!
قلة من الأطباء فيما قرأت تشرك الناس بكل سخاء، حياتها وتجاربها، بحلوها ومرها، تقدمها مفتوحة للناس والقراء، والمرضى والأصحاء، كما فعل الطبيب المعروف د. حسين محمد دشتي، عندما كتب سيرة حياته ومعها لمحات من حياة الآخرين!!
في كتاب ضخم يقع في (520) صفحة من الورق الثقيل المصقول، الكتاب سـِفْر زاخرٌ بالأسماء والصور، ونسخ الشهادات والفواتير والقوائم، وصور ملونة تتخللها رسوم بالأسود والأبيض، وكل ما التقطته كاميرات الخمسينيات والستينيات من ذكريات ولقاءات وطلعات بر وبحر، ومناسبات عائلية وحفلات تخرج وتكريم، وقصائد... ومشاهد طبيعية!
الكتاب فيما يبدو، أراده كاتبه، أن يكون «كتاب العمر»، الذي يتضمن كل الشخصيات وكل التفاصيل الصغيرة والكبيرة، بل سمى هذا الكتاب «أرجوحة حياتي»، لتوالي الصعود والنزول والتقدم والتخلف.
صور المناسبات السعيدة تغمر فصول الكتاب الأولى والأخيرة، غير أن بعض الحزن ومشاعر الإخفاق والمرارة لها نصيب لا بأس به في بعض الفصول، وبخاصة بعد تجربته المؤسقة مع «قوى الأمن» عام 2002، عندما اقتحمت «كلية الطب»، وقد جاء في (القبس) عن الحادث وأسبابه ما يلي:
«اقتحمت قوة من المباحث الجنائية أمس كلية الطب في الجابرية، واقتادت أحد أساتذتها من المشرفين على المركز الطبي الاستشاري الى إدارة المباحث. واتضح أن هناك شكوى من وزارة الصحة ضد العاملين في المركز تتهمهم بممارسة الطب دون ترخيص، والجدير بالذكر أن النيابة العامة تحقق في الموضوع وما زالت القضية تحت نظرها. وقال مصدر الكلية إن أساتذتها سيعقدون ظهر اليوم (الثلاثاء) اجتماعا عاجلاً». (ص 285 عن «القبس» 7/ 10/ 2002)
وقد تلا الحادث استياء واسع في الصحافة، ودعا أساتذة كلية الطب الى الاعتصام احتجاجا على اعتقال د.دشتي، ولحسن الحظ لم تطل المشكلة فترة طويلة، وتحركت الإدارة الجامعية وأصدقاء «د. دشتي» للفصل في القضية، وبعد المداولة في المحكمة صدر قرار بالبراءة، إلا أن تلك الحقبة، يقول د. دشتي، «كانت من أسوأ فترات حياتي».
بدأت دراسة د. حسين الطب في مدينة «مومباي» بالهند لا في القاهرة ولا أوروبا، وذلك بعد حصوله على منحة دراسية من الحكومة الهندية عام 1968، وقد وصل إلى المدينة الهندية برفقة زميله «طالب جمعة» وخلال السنوات الخمس اللاحقة يقول «أصبحنا نتجول في شوارع مدينة مومباي».
لا يتحدث د. حسين عن حياته ودراسته في تلك المدينة الهندية الكبرى إلا أقل القليل، رغم إشارته إلى الأطباء الهنود الذين «أصبحوا أصدقائي» و«مشاهدة الأفلام الهندية»، ومصادقته للطلبة الهنود وتعلمه اللغة الهندية وكذلك معايشته للجالية العربية هناك، وهذه كلها مداخل للحديث في أي طبيعة قادمة!
عاد د. حسين إلى الكويت عام 1975 والتحق عام 1979 بقسم الجراحة في مستشفى الفروانية، حيث عمل ثلاث سنوات ثم أمضى أربع سنوات للتخصص بالجراحة في ممكلة السويد بمدينة «لوند» Lund، التي يمتدح جامعتها العريقة، المؤسسة عام 1666م، ويقول إنها «واحدة من أقدم وأوسع وأرقى الجامعات في شمال أوروبا»، ويضيف عن حياته مع أسرته في تلك المدينة السويدية: «لقد كنت محظوظا لأنني كنت محاطا بالعديد من الأصدقاء الجيدين والأكاديميين الممتازين، كما كان الكثير من الناس مصدر إلهام لي وكان من الممتع أن أكون موجوداً». (ص173)
درس د. حسين، إلى جانب تخصصه الجراحي في مجال الكبد ومشكلة التليف، اللغة السويدية، كما نشر في الفترة نفسها تسع أوراق بحثية في المجلات العلمية، كما حضر العديد من المؤتمرات والندوات، وفي صباح يوم الجمعة 19 ديسمبر1986 يقول، «دافعت عن أطروحة الدكتواره وناقشتها، كذلك كان بعض الأطباء الكويتيين يقومون بدراساتهم العليا في تخصصات مختلفة في (لوند)، وكنت أستمتع بقضاء الوقت معهم». و«من الأطباء الكويتيين هؤلاء د. خالد العثمان في قسم الجراحة، المرحوم د. أحمد الرويح من جراحة العظام، المرحوم د. محمد الغانم ود. منيف الهذال في قسم الأطفال، وقد اعتدنا أن نجتمع في مناسبات مختلفة للتواصل الاجتماعي وتناول العشاء». (ص180) درس د. حسين في ثانوية الشويخ، «مكثتُ في الثانوية أربع سنوات، كنت متفوقا دائما وقد حصلت على الثانوية العامة في عام 1967 بالقسم العلمي»، أما قبل ذلك فقد درس في المدرسة المباركية، وقد انتقل إليها بعد المرحلة الابتدائية التى درسها في «المدرسة الجعفرية» في منطقة «الميدان»، وكانت الجعفرية تضم بعض سنوات المتوسطة. ويقول معترفا: «لم أكن أستوعب الدروس كثيراً، بعد اجتيازي الصف الثاني المتوسط من المدرسة الجعفرية، كان لزاما علينا امتحان الدين واللغة العربية كي نحصل على القبول في الصف الثالث المتوسط في المدرسة المباركية». (ص114).
كان د. حسين من بيئة دينية شيعية شديدة المحافظة، ومن مفارقات حياته أنه نال شهادة الدكتوراه من دولة بالغة التحرير كالسويد! وقد نال «علقة ساخنة» عندما كان في الـ14 من عمره، إذ إنه ذهب مع ابن عمته صباح الجمعة إلى السينما، «سينما الفردوس»، لمشاهدة فيلم هندي!
يروي د. حسين تفاصيل التجربة المؤلمة والبكاء فيقول: «عند دخولنا المنزل كان في انتظارنا أخي الأكبر حجي حسن الذي قال بصوت جهوري: أين كنتم؟ فأجبته من الخوف: كنا في مسجد شعبان، فلم يصدقني، فسأل زميلي محمود: قل لي أين كنتم؟ فأجاب:محمود: ذهبنا إلى السينما. فكانت الصاعقة وبدأ يصرخ: هذا حرام، وكيف تخالفون الدين؟ ونادى زوج أختي قائلا: حسينو ذهب إلى السينما، عندها مسكني أخي الأكبر حجي حسن ورفع رجليّ، حيث كنت ملقى على الظهر، وبدأ زوج أختي يضربني ويضربني بشدة، كنت أتألم وأبكي بكاء مراً». (ص96).
ولم ينقذ د.حسين من العقاب، لا تغيير الحقيقة ولا البوح بها! لا مسجد شعبان ولا السينما، ولم تنته قصة هذا «الفيلم الهندي»، وكان اسمه «كنكاجامونا»، بما نال د. حسين من ضرب، يقول د.حسين مكملا: «في عام 1998 جاء بطل الفيلم في زيارة للكويت، وكان سفير الهند حاضراً، فتحدثت عن الواقعة التي حصلت لي قبل ثلاثين عاما، فضج المكان بالضحك، وقلت للممثل «ديليب كومار»: لقد كنت أنت السبب في ذهابي إلى الهند وبكائي عند الضرب». (ص96)
أصبح د. حسين دشتي رئيسا لقسم الجراحة في كلية الطب 1996-1998 و2017-2021 الى جانب رئاسة قسم التشريح 2002-2008، واشتهر بالبرنامج الغذائي «الكيتوني» وبدعوة غذائية غريبة تقول «كلوا الدهون تقضوا على السمنة».
ويشرح د.حسين آراءه قائلا: «لاحظنا زيادة في السمنة في البلد حيث كانت تنشب أظفارها في المجتمع فضلا عن آثارها السلبية من ارتفاع الضغط وداء السكري والارتفاع في كولسترول الدم وبالذات الكولسترول السيئ والتشحم في الكبد بالإضافة الى أمراض كثيرة.
فكرنا أنا وزملائي بكلية الطب في تطبيق برنامج التقليل من تناول النشويات وكانت الفكرة مأخوذة من الطبيب «اتكنز» عندما بدأنا بتطبيق البرنامج الغذائي في نهاية عام 1998 كانت هناك معارضة كبيرة من جانب اختصاصي التغذية بسبب سلبيات هذا البرنامج، ولكن مع إيماننا الشديد بإيجابيات البرنامج في علاج معظم الأمراض المتعلقة بالسمنة، ونشرنا أكثر من عشرة أبحاث علمية في مجلات طبية محكمة ومعتبرة بطريقة علمية دقيقية تؤكد أن هذا البرنامج جيد وناجح، بدأت المعارضة تقل بشكل كبير». (ص227).
كتاب د.حسين دشتي مرجع عامر بالأحداث المتتالية زاخر بالحوادث المتوالية، غير أنه لا يقول إلا القليل عن أشياء بالغة الأهمية حول ممارسته المهنية وخبرته وتجاربه العلاجية، ولا عن مشاهداته في الأماكن التي درس فيها كمدينة (بومباي) ومدينة (لوند) السويدية، وقد أقام فيهما عشر سنوات، والمقارنة بين أطباء الهند وأطباء السويد، وعن السنوات التي مارس فيها العلاج والإدارة والتعامل مع الجهات العليا والطلبة وكذلك عن تدريس الطب في الكويت ومشاكل النهوض به وما يراه في مجال تطوير الخدمات الصحية في مجال الجراحة مثلاً، يتحدث فيه كطبيب وجراح، وكذلك تجربته كـ«صاحب طريقة» في معالجة مشكلة السمنة التي عمت بها البلوى والمستشفيات العامة والخاصة ونصائحه للأطباء الجدد... إلخ.
كلنا ثقة أن د.حسين سيستفيد من سنوات التقاعد في إعداد هذا الكتاب المهم للمكتبة الكويتية والعربية!