على الرغم من الحراك الفرنسي المستمر والمتفاعل على الساحة اللبنانية للوصول إلى اتفاق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية، فإن كلمة السرّ في النهاية لا بد أن تكون أميركية، خصوصاً في استحقاق من هذا النوع.
وفي وقت ينتظر اللبنانيون كلمة أو إشارة سعودية، كما يعبّر غالبية المسؤولين، إلا أن الانتظار الصامت يبقى مرتبطاً بما سيأتي من واشنطن ومتى يحين وقته.
ويحاول مسؤولون لبنانيون استمزاج الرأي الأميركي إزاء الاستحقاق، دون الحصول على جواب واضح، بمعنى أن الموقف الأميركي يشير إلى ضرورة التوافق بين اللبنانيين، وانتخاب رئيس يكون قادراً على إنجاز الإصلاحات، من هنا يجتهد كل طرف في تفسير مضامين هذا الموقف وفق رؤيته ومصلحته، علماً بأن هناك إشارات دبلوماسية تأتي من الولايات المتحدة، تشير إلى التعارض مع الوجهة الفرنسية في طرح مسألة المقايضة، إضافة إلى تأكيد مسؤولين أميركيين بوقوفهم إلى جانب السعودية والتطابق في وجهات النظر بين كل من واشنطن، والرياض والدوحة. ويوحي هذا الموقف عدم الانسجام بين الفرنسيين والأميركيين سياسياً، وهذا لا يحصل للمرة الأولى، إذ إن الاختلاف كان قائماً منذ إطلاق المبادرة الفرنسية من قبل الرئيس إيمانويل ماكرون منذ تفجير مرفأ بيروت في أغسطس 2020.
في تلك الفترة اتهم الفرنسيون الأميركيين بتقويض مبادرتهم وعدم المساهمة في إنجاحها، بسبب فرض أميركا عقوبات على الوزيرين علي حسن خليل، المقرّب من الرئيس نبيه بري، ويوسف فنيانوس، المقرب من رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وبعدها فرضت واشنطن عقوبات على رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل.
في هذه المرحلة، تعود لغة التلويح بالعقوبات إلى الأدبيات الأميركية، علناً وسراً.
والفارق أن ذلك يأتي في هذه المرحلة على أبواب أكثر من محطة، أولها استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية، وثانيها انتهاء ولاية حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، وثالثها استمرار التحقيقات المالية بقضايا تتعلق به وبأصحاب مصارف آخرين.
وهنا تقول مصادر متابعة إن هذا الملف يكاد يكون الأكثر أهمية بالنسبة إلى المجتمع الدولي، وتفيد المصادر بأن فرنسا هي التي تقود هذه التحقيقات؛ سواء في باريس أو في بيروت، من خلال وفود قضائية تزور لبنان تباعاً للاستمرار في التحقيقات، والتي ينظر إليها داخلياً وخارجياً بأنها قد تؤدي إلى حدوث زلازل مالية وسياسية نظراً إلى الارتباط الوثيق في هذه التجاوزات المالية بين حاكم المصرف المركزي، وأصحاب المصارف وشخصيات سياسية وازنة.
ولا بد لهذه العقوبات أن تؤدي إلى كشف المزيد من الفضائح، وقد ينجم عنها اتخاذ إجراءات عقابية بحق الذين سيثبت تورطهم بالقضايا المالية، وقد ضجّت دوائر قصر العدل الأسبوع الفائت بأن هذه التحقيقات قد تقود إلى فرض عقوبات على عدد من أصحاب المصارف ومن الشخصيات السياسية.
وليست المرة الأولى التي تلوح فيها فرنسا بفرض عقوبات على سياسيين لبنانيين، علماً بأنها لم تتخذ أي إجراء منذ تعطيل مبادرتها قبل سنتين، فيما تبقى العقوبات الأمضى وذات الفعالية هي العقوبات الأميركية، والتي يعود التلويح بها مجدداً، خصوصاً بعدما لجأت واشنطن إلى فرض عقوبات على نوح زعيتر وحسن دقو بتهمة تهريب المخدرات، وعلى الأخوين ريمون وتيدي رحمة، وهي عقوبات كانت ذات دلالات سياسية، نظراً لارتباطات الرجلين على الساحة اللبنانية.
وفي هذا السياق، جاءت رسالة نواب من «الكونغرس» الأميركي إلى الرئيس جو بايدن بدلالات واضحة أيضاً، ويقول نص الرسالة:» ما زلنا محبطين من الجمود السياسي المستمر، الذي صممه حزب الله وحلفاؤه، مثل نبيه بري، لإضعاف المعارضة في مواجهة مرشحه المفضل على حساب المرشحين الذين يتمتعون بدعم أوسع وأكثر استعدادًا لمواجهة تحديات لبنان العديدة.
لا يزال حزب الله يركز على إثراء مشروعه الإجرامي والإرهابي أكثر من التركيز على مواجهة تحديات لبنان الرهيبة».
ليس من المصادفة أن يتم إيراد اسم رئيس مجلس النواب نبيه بري في متن النص، واعتباره أنه يسهم، إلى جانب حزب الله، بتعطيل العملية السياسية وإضعاف المعارضة، لا سيما أن بري هو أبرز المتمسكين بخيار ترشيح فرنجية في وجه المعارضة.
وهنا تقول مصادر متابعة إنه لا بدّ لهذا الكلام أن يحمل المزيد من التبعات السياسية في المرحلة المقبلة.