تأخذ الانتخابات الرئاسية التركية المقررة في 14 مايو الجاري طابع استفتاء حول تأييد أو معارضة الرئيس رجب طيب إردوغان، الذي يواجه للمرة الأولى معارضة موحدة بعد 20 عاماً على توليه السلطة.
في سن 69 عاماً، عاد إردوغان، الذي غاب ثلاثة أيام هذا الأسبوع بسبب إصابته بفيروس معوي، إلى جدول أنشطته الانتخابية، مبدياً تصميماً على البقاء خمس سنوات إضافية على رأس هذا البلد الذي يقطنه 85 مليون نسمة.
وينافسه في الانتخابات خصمه الرئيسي كمال كليشدار أوغلو (74 عاماً) مرشح تحالف من ستة أحزاب معارضة تشمل اليمين القومي وصولاً إلى اليسار الديموقراطي ويهيمن عليه حزب «الشعب الجمهوري» (يسار علماني) الذي أنشأه مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك.
تلقى «كمال» كما يقدم نفسه على الملصقات الدعائية الجمعة دعماً غير مسبوق من حزب الشعوب الديموقراطي اليساري والمؤيد للأكراد الذي دعا للتصويت لمصلحته.
بين حزب العدالة والتنمية الإسلامي المحافظ برئاسة إردوغان وحزب الشعب الجمهوري العلماني الذي يمثله كليشدار أوغلو، سيختار 64 مليون ناخب تركي بين ممارسة سلطوية متزايدة للسلطة تترافق مع تديّن، ووعد بتحول ديموقراطي. سيجددون أيضاً أعضاء البرلمان.
تتوقع الاستطلاعات انتخابات رئاسية حامية يؤكد الطرفان أنهما قادران على الفوز بها من الدورة الأولى- وإلا فسيتم تنظيم دورة ثانية في 28 مايو.
نزعة سلطوية
حاول كليشدار تجنب عقبتين هما معارضة النساء المحافظات اللواتي سمح لهن في ظل عهد إردوغان بوضع الحجاب في الجامعات وفي الإدارات العامة، عبر اقتراح إدراج ذلك في القانون، وانتماؤه إلى الطائفة العلوية، الذي كشف عنه في شريط فيديو متجنباً الهجمات في تركيا ذات الأغلبية السنية.
في مواجهته، في بلد هيمن عليه طوال عقدين إردوغان وحزبه ويواجه أزمة اقتصادية خطيرة وأزمة ثقة مع تجاوز التضخم نسبة 85% الخريف الماضي، الرئيس الحاضر دوماً، الذي يقوم بكل شيء لاستمالة القاعدة الناخبة رغم أن بإمكانه الاعتماد بشكل لا لبس فيه على 30% من أصوات مناصريه.
وبدأ 3.4 ملايين ناخب تركي في الخارج التصويت الخميس الماضي، فيما سيدلي 5.2 ملايين من شريحة الشباب بأصواتهم للمرة الأولى في هذه الانتخابات. هؤلاء لم يعرفوا سوى إردوغان ونزعته السلطوية منذ التظاهرات الكبرى التي جرت في 2013 والتي عرفت باسم «جيزي» خصوصاً محاولة الانقلاب الفاشلة في 2016. توجه إليهم كليشدار أوغلو الذي جعل رسم القلب بالأصابع شعار تجمعاته الانتخابية، «من خلالكم سيأتي هذا الربيع».
العامل الآخر غير المعروف في هذا الاقتراع، هو أثر الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا في 6 فبراير وأوقع أكثر من 50 ألف قتيل في جنوب البلاد المحافظ المؤيد تقليدياً لإردوغان. فقد واجهت الحكومة اتهامات بالتأخر في بدء عمليات الإغاثة ومعالجة التداعيات.
هذا الوضع يضاف إلى القلق حيال نظامية العمليات الانتخابية و»وضع الديموقراطية». فقد اتخذت المعارضة زمام المبادرة عبر حشد 300 ألف مراقب بحسب ما قال نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري المسؤول عن أمن الانتخابات أوغوز خان ساليجي.
على الرغم من مخاوف التزوير يعبر هذا المسؤول عن ثقته قائلاً: «نحن لا نعيش في جمهورية موز. السلطة ستتغير كما تغيرت عام 2002» حين تولى حزب العدالة والتنمية السلطة.
يذّكر هذا الخبير في الحياة السياسية المحلية بأن تركيا متمسكة بالديموقراطية قائلاً: «حتى حين كان العسكريون ينفذون انقلاباً كل عشر سنوات، كانوا يضعون سلطتهم أمام اختبار صناديق الاقتراع». يضيف أيضاً أنه «للمرة الأولى يتحدث نواب حزب العدالة والتنمية عن هزيمة محتملة».
قطيعة شاملة
ووعد تحالف المعارضة في حال فوزه في الانتخابات، بقطيعة مع عقدين من إرث إردوغان. وهو يريد البدء بإعادة البلاد إلى اللعبة الديموقراطية عبر إنهاء «نظام الرجل الواحد»، وهي صيغة يكررها كليشدار أوغلو للتنديد بتركز السلطات بين أيدي إردوغان.
وفي برنامجه الواقع في 240 صفحة، وعد التحالف الذي يضم ستة أحزاب بالتخلي عن النظام الرئاسي الذي اعتمد عام 2018 والعودة إلى فصل صارم بين السلطات مع «سلطة تنفيذية تحاسب» على قراراتها.
أما النقطة الثانية فهي الحريات، إذ تَعد المعارضة بـ «قضاء مستقل ونزيه» والإفراج عن العديد من السجناء بينهم صلاح الدين دميرتاش الشخصية الرئيسية في حزب الشعوب الديموقراطي المؤيد للأكراد المسجون منذ عام 2016 بتهمة «الدعاية الإرهابية».
تريد المعارضة إحياء حرية التعبير وحرية الصحافة وإلغاء جريمة «إهانة الرئيس» التي جعلت من الممكن خنق الأصوات المعارضة، كما تعهدت بالدفاع عن «كل النساء» والهويات متعهداً أيضاً باحترام «معتقدات ونمط حياة وهويات كل فرد».
ثالثاً تتعهد المعارضة بقطيعة مع سياسة إردوغان الاقتصادية الذي، خلافاً لكل النظريات الاقتصادية الكلاسيكية، يعتزم مواصلة خفض نسب الفوائد رغم التضخم الذي يفوق نسبة 50%.
يؤكد التحالف الوطني أنه سيعيد التضخم إلى دون نسبة العشرة بحلول عامين وسيعيد لليرة التركية مصداقيتها بعدما خسرت حوالى 80% من قيمتها في 5 سنوات مقابل الدولار.
في السياسة الخارجية، تريد المعارضة الوصول إلى «عضوية كاملة في الاتحاد الأوروبي» وإعادة تأكيد مكانة تركيا داخل حلف شمال الأطلسي (ناتو) مع الحفاظ على «حوار متوازن» مع روسيا وهي على قناعة بأنها قادرة على المساعدة في إنهاء الحرب في أوكرانيا.