الجنسية بين السيادة... والأمن الوطني!
يلحظ المراقب للوضع البنيوي لتركيبة المجتمع الكويتي تزايداً غير منطقي ولا طبيعي في أعداد الكويتيين، فبدلاً من أن يكون عددهم بين 600 و700 ألف قفز إلى ضعف هذا العدد، وأفرزته عوامل خطيرة، تزوير وعبث كبير بملفات الجنسية، التجنيس السياسي وضغوطاته واستثناءاته، التجنيس العبثي وتغيير البيانات، وأمام اختلاط كثير من الأوراق، صرت أكثر حرصاً وترجيحاً لضرورة صون الهوية الوطنية والحفاظ عليها، من خلال القوانين المتصلة بها، مثل قانون الجنسية وقانون الهجرة وقانون الانتخابات لتطويقها بسياج سيادة الدولة وأمنها الوطني، وعدم التساهل أو التفريط في طرح عام مرسل وساذج، لا يدرك مخاطر هذه تغيير تركيبة المجتمع وتهديد وجوده وهويته.
فعلى الصعيد الوطني، فإنه لا يقبل بمنطق العقل، ولا بمنطق القانون أو الملاءمات، أن يتم تغيير هوية المجتمع عن أساسه بمكوناته وموروثاته وسلطاته السياسية والسيادية، بمرور الزمن، وإلا فمعنى ذلك، السماح بتغيير هوية المجتمع ومكوناته كل عشرين سنة، بدلاً من الدمج السياسي والاجتماعي للقادمين الجدد.
ولم يكن هذا الأمر خافياً على أهل الكويت الأوائل، إذ تم تبنيه خلال مرحلة المجلس التشريعي لعام 1938 بالتصدي للهجرات التي تهدف إلى تغيير المجتمع الكويتي، يوم أن كانت موارد الكويت متواضعة وبيئة العيش فيها طاردة.
وسرعان ما وجد ذلك الفهم الوطني بأبعاده، صداه في مرحلة تأسيس البنية التشريعية الحديثة للكويت، 1950- 1962، حيث وضعت أهم التشريعات للنقلة الحديثة للكويت، ومن بينها قوانين الجنسية والإقامة والهجرة والانتخاب، والدستور نفسه، فتم تحديد الكويتي المؤسس بمن كان مستوطناً للكويت قبل 1920، واعتبرت إقامة الأصول مكملة لإقامة الفروع الذين يشملهم هذا التعريف، ليكون تعريفاً جامعاً مانعاً، وأكملته المادة الثانية من قانون الجنسية والمرتبطة ارتباط تلازم وتكامل بحكمها بالمادة الأولى، ليكون ذلك سوراً متيناً يمنع التغلغل أو الادعاء بأي شكل لما يخرج عن نطاقهما وحدودهما، بادعاءات أو ممارسات، وتبريرات.
فابن الكويتي الذي يستحق الجنسية بصفة أصلية، هو ابن المؤسس أو فروعه وفقاً للمادة الأولى فقط، ولا ينعت بمثل هذه الصفة أحد آخر لم يكن أصله أو فرعه مؤسساً.
وحين وضع الدستور اعتنق ذلك بمقاصده وغاياته الوطنية، وهو ما نطقت به المادة 82 بقصر الترشيح لمجلس الأمة على الكويتي بصفة أصلية، وهو توصيف مقصود، ولو كانت الغاية غير ذلك، لوسع واضعي الدستور الاكتفاء «بالكويتي» مجرداً من أي وصف، وهو ما أكد عليه الشيخ سعد ومجموعة من الأعضاء في لجنة الدستور وبالمجلس التأسيسي وعبرت عن إرادتهم الصريحة والنهائية المذكرة التفسيرية للدستور في تعليقها على المادة 82 من الدستور، وتم السير عليه، وأن ابن المتجنس يلحق بأبيه ويعتبر متجنساً أيضاً، كما أكد الشيخ سعد ذلك، ولا يمكن أن تثبت للفرع صفة مغايرة أو أفضل من الأصل، خصوصاً أن التجنيس بدأ عام 1962، بعد أن استقر ذلك التعريف.
ومع بدء التجنيس، والذي كان محكوماً وخاضعاً للقاعدة التي وضعها المؤسسون، بدأ التدافع للمطالبة بالتجنيس والادعاء بالجنسية الكويتية، لما فيها من مزايا ومميزات، وتكاثرت الادعاءات وحالات التدليس والتزوير والعبث والتجنيس العشوائي، لكن الأساس السيادي وبُعد الأمن الوطني كان دائماً السور الحامي من تغيير هوية المجتمع الكويتي، حتى جاء القانون 44 لسنة 1994 ليشكل اعتداءً مباشراً على الثوابت الدستورية، وما ارتبط بها من تشريعات قصد بها حماية سيادة الكويت وأمنها الوطني، والتي أهدرها ذلك القانون، ولا بد من إلغائه إعلاءً لتلك الاعتبارات وركائزها الدستورية.
أما على الصعيد الدولي فقد نجد أن كل الدول بمختلف أنظمتها واتجاهاتها تحمي وتحافظ على هويتها، وهو سبب قيام دولة مثل بريطانيا بوقف كسب الجنسية بالميلاد منذ سنة 1984، بل وقيامها بعملية حظر الهجرة، وإخراج جميع مدعي المواطنة أو طالبيها، والمقيمين غير الشرعيين وحتى اللاجئين السياسيين قسراً من أراضيها، ومن لا يختار بلداً لخروجه يتم تسفيره لرواندا.