صدرت خلال الأسابيع القليلة الماضية مجموعة من التقارير الاقتصادية الدولية التي أعطت تصوراتها حول النمو المتوقع لاقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي عام 2023.

وتقاطعت توقعات هذه التقارير الصادرة عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية، إلى جانب استطلاع «رويترز» الذي شمل آراء مجموعة من الاقتصاديين في توقّع نتائج شبه متطابقة، أهمها توقّع تباطؤ نمو اقتصادات الخليج بالعام الحالي، وسط تراجع عائدات النفط.

Ad

وبالتوازي مع انخفاض إنتاج النفط ضمن اتفاقية «أوبك بلس»، اتفقت التوقعات على ارتفاع التضخم بالمنطقة، لا سيما في ظل استمرار الحرب الروسية - الأوكرانية، الى جانب ما يمكن أن يشكّله تأثير رفع أسعار الفائدة عالميا على النشاط الاقتصادي في المنطقة، فضلا عن أن معظم اقتصادات دول مجلس التعاون ستسجل هذا العام فوائض مالية، مع توقّع بأن يكون اقتصاد الكويت الأقل نمواً في المنطقة.

كشف المستور

وفي الحقيقة، فإن في هذه التوقعات المتقاطعة من عدد من المؤسسات الدولية المعنيّة في جزء من أعمالها الأبحاث والدراسات - حتى مع التحفّظ عن كثير من توصياتها - ما يمكن استنتاجه في كشف ما هو مستور - ولو جزئياً - في الاقتصاد الخليجي، خصوصا من جهة الاعتماد الجماعي على النفط وإيراداته في تحديد مؤشر النمو الاقتصادي حتى بدول المنطقة التي لديها مشاريع تطوير سيادية أو رؤى تنمية مستقبلية كبرى.

تراجع لافت

فوفقا لتقرير البنك الدولي، فإن التراجع الذي شهدته أسعار النفط شكّل مزيدا من الضغوط على توقعات النمو لدول الخليج التي اعتمدت معدلات نموها القياسية خلال 2022 عليه بشكل رئيسي.

وعليه، يتوقع البنك أن يترتب على تراجع أسعار النفط تراجع لافت لمعدلات النمو الاقتصادي في أكبر 3 دول خليجية لديها مشاريع ضخمة يفترض أنها تستهدف تقليل الاعتماد على النفط، إذ يتوقع البنك أن ينمو الاقتصاد السعودي عام 2023 بـ 2.9 بالمئة بدلا من 3.4 بالمئة، وذلك من 8.7 بالمئة في 2022، وكذلك نمو اقتصاد الإمارات بنسبة 3.6 بالمئة خلال العام الحالي، منخفضا عن توقعات سابقة بنمو 4.1 بالمئة، متراجعا عن نمو 6.6 بالمئة في 2022.

وفي قطر، توقّع البنك أن يتباطأ نمو الاقتصاد من 4.6 بالمئة في 2022 إلى 3.3 بالمئة في 2023، بدلا من توقّعات سابقة عند 3.4 بالمئة.

أما صندوق النقد الدولي، فتوقّع انخفاض نمو اقتصادات دول مجلس التعاون الى 3.7 بالمئة من 6.9 بالمئة في 2022، حيث يتراجع النمو الاقتصادي في الإمارات من 5.9 بالمئة عام 2022 الى 3.5 بالمئة في 2023، ثم السعودية المتوقّع تراجع النمو الاقتصادي فيها من 8.3 بالمئة عام 2022 الى 3.1 بالمئة، وقطر التي سينخفض نموها الاقتصادي من 5.3 الى 2.4 بالمئة، والكويت التي سيكون نموها الاقتصادي متراجعا بالوتيرة الأكبر في المنطقة، لكونها الأكثر ارتهانا للنفط من 8.3 بالمئة عام 2022 الى 0.9 بالمئة 2023.

تقويض النمو

وما يلفت النظر في هذه الأرقام أن النفط لا يزال في دول مجلس التعاون محركا أساسيا للنمو الاقتصادي، بل إنه في العديد من دول المنطقة يكون مصدر النمو الاقتصادي غير النفطي معتمدا بشكل أساسي على إيرادات النفط وما يراكمه من فوائض مالية، في الوقت الذي تشير معظم تكهنات الأسواق العالمية الى أن سعر برميل النفط الخام من المحتمل أن يتعرّض لضغوط تتعلق باستمرار سياسات التشديد النقدي للبنوك المركزية العالمية، الى جانب الضعف المفاجئ في بيانات القطاع الصناعي الصيني، حتى في ظل اتفاق مجموعة «أوبك بلس» على خفض إنتاج النفط لتحقيق توازن بالأسعار، وهذا ما سيجعل دول الخليج تواصل تحقيق الفوائض في ميزانياتها، لكنه في المقابل سيقوّض من نموها الاقتصادي، مما يدعو إلى مراجعة فعالية العديد من خطط التطوير والتنمية والرؤى الداعية إلى تخفيف الاعتماد على النفط، وبعضها منذ عشرات السنين، لتقييمها وتوجيهها نحو أهدافها السليمة.

قيمة الرؤى

ومن دون شك، فإن تخفيف الاعتماد أو الارتهان لإيرادات النفط بالنسبة لدول الخليج يعد مسألة غاية في الأهمية، خصوصا في ظل تنامي الاتجاهات البيئة المقيدة لأشكال الطاقة التقليدية، وأخذ مصادر الطاقة المتجددة حصة من استهلاك العالم للطاقة، لا سيما مع تضاعف مبيعات السيارات الكهربائية عالميا، فضلا عن الضغوط المرتبطة بمخاوف ذات تأثيرات مباشرة على المديين القصير أو المتوسط، كالمخاوف المتعلقة بالركود الاقتصادي، الى جانب احتمالات تباطؤ الطلب من المصانع الصينية.

لذلك تقف أمام دول الخليج تحديات التحول الاقتصادي الجوهري لا الشكلي الذي يتطلب معالجة الاختلالات الحقيقية لا تعميقها أو الالتفاف عليها، لا سيما تجاه خطورة الاعتماد على النفط أو الغاز في العديد من دول الخليج بنسب تصل الى 90 بالمئة، مما يجعل الجهد المبذول والإنفاق العالي تجاه المشاريع الضخمة والمناسبات الكبرى، وكذلك «الرؤى والخطط والسياسات التطويرية» بلا قيمة ما دامت لا تصب في تحفيز النمو الاقتصادي لدول المنطقة، أو على الأقل بما يخفف من وتيرة انخفاض أو تباطؤ النمو في أوقات انخفاض أسعار النفط.

الكويت الأدنى

أما بالنسبة إلى الكويت، التي تحتل حسب توقعات المؤسسات الدولية أعلاه ذيل مؤشرات النمو الاقتصادي، نتيجة لإفراطها الكبير في الاعتماد على النفط، فإنّ علّتها أعمق من مجرد ضعف التنوع الاقتصادي الى غياب الإدارة الفاعلة التي تدرك مخاطر المستقبل، فرغم انطلاق مشروع الكويت للتحول الى مركز تجاري ومالي منذ عام 2004 ومرور 15 عاما على بدء خطة التنمية لا نزال نعاني من فرط الاعتماد على النفط بالتوازي مع انفلات في المصروفات ودون أدنى قدرة على المبادرة لمعالجة اي اختلال او معضلة او بتقديم حلول دفاعية أقلها إعادة هيكلة الميزانية وهذه كلها ضريبة وجود حكومات متعاقبة لم تفهم التحولات والضغوط التي تواجه مصدر دخلها الوحيد، وهو النفط.