من صيد الخاطر: حمارٌ صاعد وآخر طموح
يروى أن رجلا اشترى لأول مرة في حياته حماراً، ولفرط فرحته وسعادته صعد به إلى سطح بيته ليدلّعه ويريه مساكن الحي، حتى يتعرف على دروبه وطرقه، وحتى لا يضيع عند عودته لحظيرته، وعند مغيب الشمس أراد الرجل أن يُنزل الحمار لإدخاله الى الحظيرة، لكن حصل ما لم يكن في الحسبان، فالحمار «تنحّر» ورفض أن ينزل عن السطح الذي صُعد به إليه والنزول الى المكان الذي أتى منه رغم محاولات صاحبه المتكررة، فقد استساغ الحمار الصعود الى السطح، فقرر عدم التنازل عنه.
عندها، وعندما رأى صاحبنا «حمرنة» حماره قرر إجباره على النزول إلى حيث ينتمي، إلا أن الحمار أخذ «يزقط»، ويرفس فوق السطح بقوة حتى بدأت أركان بيت صاحبه ترتج، وعجز الرجل عن إنزال حماره، فخاف على أهله أن يهّد البيت عليهم، فنزل مسرعا لإخلائهم، وما هي إلا لحظات حتى انهار البيت، وسقط حماره ميتا، فوقف الرجل عند رأس الحمار وقال: أنا لا ألومك على ما فعلت، لأن مكانك في الحظيرة، فأنا المخطئ لأنني صعدت بك إلى مكان لست أهلاً له.
فمن الصعب إنزال الحمير بعد الصعود بهم الى مكان لا يستحقونه، لأنه من الصعب عليهم التخلي عنه بعد أن ذاقوا حلاوته، ولا يلام إلا من صعد بهم الى الأعلى، فالرجل هو من تسبب بانهيار منزله وخسارة حماره، فانطبق عليه المثل القائل: «خبز خبزتيه يا الرفلة إكليه».
***
وهناك حكاية أخرى عن حمار طموح كان يعيش في قرية، وكان أهل هذه القرية يحبون العلم والتعليم ولا يوجد فيها بيت إلا وأدخل أطفاله إلى المدرسة، وكان صاحب ذلك الحمار فلاحاً مجداً في عمله، فكان الحمار يساعده في نقل بضائعه إلى القرى الأخرى من أجل بيعها.
وحصل يوما أن جهّز الفلاح بضائعه ليحملها على حماره كما كان يفعل كل يوم، إلا أن الحمار في ذلك اليوم «حرن» عندما رأى أولاد ذلك الفلاح ذاهبين صباحا كعادتهم الى المدرسة، ورفض السير مع الفلاح الى حيث أراد، وفشلت جميع المحاولات في إقناعه.
أعاد الفلاح حماره مرغما الى الحظيرة وهو غاضب، أما الحمار فقد كان يحلم بشيء آخر غير متوقع، فقد كان حماراً طموحاً فأراد أن يتعلم ويذهب إلى المدرسة حاله كحال أطفال القرية.
استيقظ الحمار في صباح اليوم التالي نشيطاً عازما على أمر، وتوجه الى المدرسة، ووقف في منتصف ساحتها وبدأ بالنهيق تعبيراً عن حقه في التعلم، وحاول المعلمون إخراجه، وأثناء محاولة إبعاده خطف الحمار كتاباً بفمه وهرب به الى حظيرته.
أخذ الحمار الطموح الكتاب وبدأ يقلّب فيه مرارا وتكرارا حتى تعب فنام، فهو لم يفهم كلمة واحدةً مما فيه، استيقظ الحمار الطموح في الصباح وأعاد تقليب الكتاب من جديد، ولكن بلا فائدة، كان الحمار جائعا فلم يجد أمامه إلا صفحات الكتاب ليلتهمها، لكنه شعر وكأنه قد أصبح عالماً ومثقفاً فقد أكل العلم والتهمه، عندها قرر أن يغّير مسار حياته، فقد بدأ بالسير في القرية وهو مرفوع الرأس، فلم يعد ذاك الحمار حامل الأخشاب والأمتعة إنّما أصبح متعلماً.
وفي أحد الأيام أقام أهل القرية مسابقة لقفز الحواجز بين الخيول، فأراد الحمار الطموح أن يشاركهم في هذه المسابقة، فهم ليسوا بأفضل منه، فركض بسرعة ثم قفز على أول حاجز إلا أنه وقع وكُسرت ساقاه ولم يعد يستطيع الحراك.
أعاد أهل القرية الحمار الطموح إلى صاحبه ووضعوه في الحظيرة بجانب أكوام الحطب، فقال له الفلاح: «رحم الله امرأ عرف قدر نفسه».
ملحوظة: منقولة من حكايات متداولة بتصرف.