بغرض رسم الحد الفاصل بين مسؤولية رئيس الوزراء ودوره ومسؤولية كل وزير في وزارته ودوره يلقي المستشار شفيق إمام الضوء الساطع على هذا الجانب الذي سيفيدنا أيضاً في استجلاء الدور الضخم الذي تمتعت به الحكومة نسبةً لمجلس الأمة في المقال المنشور بتاريخ 20/ 06/ 2010 في «الجريدة»، منطلقا من نص المادة (123) من الدستور، وهو «يهيمن مجلس الوزراء على مصالح الدولة، ويرسم السياسة العامة للحكومة، ويتابع تنفيذها، ويشرف على سير العمل في الإدارات الحكومية». ونص المادة المادة (130): «يتولى كل وزير الإشراف على شؤون وزارته ويقوم بتنفيذ السياسة العامة للحكومة فيها، كما يرسم اتجاهات الوزارة ويشرف على تنفيذها».
ويقول المستشار«يكون تفسير هذه الهيمنة متسقاً مع هذا السياق، ومتسانداً معه، بما يقيم بينهما التوافق، فتكون هذه الهيمنة على السياسات العامة التي يرسمها مجلس الوزراء، مثل سياسة التعليم أو السياسة الصحية أو سياسة التوظيف أو السياسة الخارجية، أو السياسة النفطية أو غيرها نظراً للطبيعة الفنية والمهنية والسياسية لهذه المجالات، والتي لا يجوز أن ينفرد وزير برسمها حيث ينعكس رسمها سلباً على السياسة العامة التي يرسمها وزراء آخرون في مجال تخصصهم، فينفرط عقد السياسات العامة».
وهذا يعني أن مجلس الوزراء هو من يقدم برنامج عمل الحكومة وهو من يهيمن على مصالح الدولة وهو من يرسم السياسة العامة للحكومة وهو من يتابع تنفيذها، وهو من يملأ ساحة الفعل من التنسيق والتخطيط والتنفيذ ناهيكم عن دور كل وزارة وهيئة حكومية منفردة بوضع سياستها وتنفيذ هذه السياسة على ألا تتعارض أو تخالف السياسة العامة، مما يجعل الحكومة هي القاطرة التي تقطر مجلس الأمة بحيث يشرِّع ما تتطلبه العملية التنفيذية وتسهل تجسيد السياسة العامة وتوجهات كل وزارة.
وعلى هذا لابد من توجيه الوعي العام نحو إدراك حدود دور الحكومة وحدود دور المجلس والأخذ في الحسبان بأن الدستور قد منح الحكومة دوراً مركزياً مؤثراً وفعّالاً في تحديد وإدارة مصالح المجتمع، فحتى برنامج عمل الحكومة ليس لمجلس الأمة دور فيه سوى وضع الملاحظات بينما في النُّظم البرلمانية الاخرى تنال الحكومة الثقة من المجلس في أول جلسة برلمانية بناء على برنامج العمل الحكومي بينما الدستور الكويتي يسند لمجلس الأمة وضع ملاحظاته فقط.
غياب هذه الحقائق أفرز خللا وضبابية في وعي الناس لعدم فهم حدود دور مجلس الأمة بحيث يطلبون منه ما لا يملك، ويحملونه كل مظاهر التراجع وعدم تحقيق مصالح الناس ووجود الفساد وكل أشكال التعطيل والاختلال.
ويكفي أن نعلم أن المجلس خصوصا الأخير قد أبرأ ذمته وشرّع كل القوانين التي يتطلبها تحقيق مصالح الناس مما أصبح معه امتلاك الحكومة كامل مقومات وصلاحيات التنفيذ، إلا أنها لم تلامس عملية التنفيذ وظلت الأمور في دائرة الجمود وربما أسوأ، فلا تحسنت الخدمات الصحية ولا التعليمية ولا الإسكانية ولا عُدلت الطرق ولا تم القضاء على كارثة حوادث المرور، ولا تم تنويع مصادر الدخل، ولا توفير وظائف ولا مشاريع كبرى أقيمت مثل مشروع مدينة الحرير بكل ما انطوى عليه من مكونات تطويرية واستثمارية ضخمة... والقائمة تطول.
إذاً فالمسؤولية كل المسؤولية تتحملها الحكومة في هذه المرحلة مما يجب معه أن تكون هذه الحقيقة في مركز وعي الناس حتى يتوجه الضغط الشعبي والمحاسبة الشعبية وبالتالي البرلمانية إلى الحكومة ولا تتشتت المحاسبة إلى المجلس أو أي مكون سياسي آخر.
أخيراً نذكِّر بما سبق أن أشرنا له بأن الحكومة إذا شرعت في وضع برنامج عمل وخطط تأخذ بآخر المستجدات، وتستضيء بالتجارب الناجحة في دول الإقليم الخليجي وسائر الدول المتقدمة، وتوجد البيئة الحاضنة للشركات العالمية الرائدة، وتتخلى عن إدارة القطاع الإنتاجي، وتغرس التكويت في القطاع الخاص، وتتحول الكويت الى ورشة تضجّ بالعمل، ففي ضجيج الإنجاز سيخفت صوت السياسة وستختفي ألاعيبها وسينسى الناس حتى أسماء أعضاء مجلس الأمة.