السودان: «معارك القصر» تحتدم... وفوضى في دارفور
• «وزاري عربي» يبحث الحرب من جميع جوانبها... والأمم المتحدة تتوقع فرار 860 ألف شخص
دخلت سابع هدنة بين قادة الجيش عبدالفتاح البرهان ونائبه قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان حميدتي، حيّز التنفيذ أمس، في وقت يسابق الجانبان الزمن للسيطرة على مناطق بالعاصمة، قبل أي مفاوضات محتملة.
ورغم موافقتهما على تمديد الهدنة، حتى 11 الجاري، والتي لم تحترم كسابقاتها، سرّع الجنرالان التحركات الميدانية للسيطرة على الخرطوم بمناطقها العسكرية الاستراتيجية ومدن أخرى لكسب أوراق قبل الخضوع للضغوط الدولية والإقليمية، والدخول بمفاوضات مرتقبة بالسعودية.
واستمرت المواجهات والانفجارات وسط الأحياء السكنية والمناطق المحيطة بالقصر الرئاسي ومقر قيادة الجيش ومطار العاصمة الخرطوم، التي تفتقر إلى المياه والكهرباء مع تضاؤل مستمر للماء والغذاء، وبات أقلّ من خُمس مستشفياتها قيد الخدمة، في حين تزايدت وتيرة القصف في مدينتَي أم درمان وبحري المجاورتين.
ومع الانعدام شبه التام للخدمات الاستشفائية في إقليم دارفور (غرب)، الذي شهد حربا دامية بدأت عام 2003 بين نظام الرئيس السابق عمر البشير ومتمردين ينتمون لأقليات إتنية، ارتفع عدد القتلى إلى 191 على الأقل، واحترقت عشرات المنازل ونزح الآلاف، فضلاً توسُّع الفوضى وعمليات النهب، وفق الأمم المتحدة والمجلس النرويجي للاجئين.
وفي بورتسودان الساحلية، التي ظلّت نسبياً بمنأى عن العنف، يحاول منسّق الأمم المتحدة، مارتن غريفيث، إعادة تنظيم مخزون الإمدادات بعد تعرّضه لعمليات نهب كبيرة على وقع استمرار المعارك.
ووافق الجيش على وساطة رئيس جنوب السودان، سلفاكير ميارديث، لفرض هدنة من 4 إلى 11 الجاري، بشرط أن تلتزم بها قوات الدعم السريع، كما تعهّد بتعيين مبعوث للتفاوض برعاية رؤساء جنوب السودان وكينيا وجيبوتي في بلد لم يُحدد.
وفي وقت تتكثف الاتصالات الدبلوماسية بإفريقيا والشرق الأوسط، اختار البرهان هذا الاقتراح الذي تقدّمت به الهيئة الحكومية للتنمية بشرق إفريقيا (إيغاد)، بسبب الحاجة الى «حلول إفريقية لمشاكل القارة»، مرحّباً أيضا بالوساطات الأميركية والسعودية بعد جولة لمبعوثه وكيل وزارة الخارجية، دفع الله الحاج، لشرح وجهة نظر الجيش ونقل التطورات الجارية على الأرض لدول الجوار، خصوصاً الرياض والقاهرة وجامعة الدول العربية، التي ستعقد الأحد اجتماعين غير عاديين على مستوى وزراء الخارجية، أحدها مخصص لسورية والآخر للحرب بالسودان سيبحث الوضع بأبعاده كافة، السياسية والأمنية والإنسانية والاجتماعية والاقتصادية.
حسم عسكري
وفي حين يخالف قادةٌ عسكريون كبار، هم شمس الدين كباشي وإبراهيم جابر وياسر العطا، والثلاثة يشغلون مناصب عضوية مجلس السيادة، مبدأ التفاوض مع حميدتي، أوضح دفع الله الحاج، خلال زيارته للقاهرة، أن الجيش وافق على محادثات غير مباشرة مع «الدعم السريع» للتوصل إلى هدنة، وليس وساطة لإنهاء الحرب.
وأعلن مبعوث البرهان عدم موافقة الجيش على أي مبادرة أو آلية للتدخل في السودان، لكنه شدد على أن الحل النهائي للأزمة الحالية سيكون من خلال الحسم العسكري.
إلى ذلك، نقلت صحيفة سودان تربيون عن مسؤول دبلوماسي قوله إن «هنالك خطة أميركية لتشكيل لجنة للإشراف على التفاوض بين الجيش والدعم السريع المتوقع في السعودية»، مشيراً إلى أن اللجنة المزمع تشكيلها تضم شركاء إقليميين ودوليين، ولم تتكون بعد، لكن جميع الدول المجاورة للسودان وافقت على الانضمام إليها.
تفجّر العنف
ومع استمرار نزوح السودانيين وتواصل عمليات إجلاء مئات الأجانب، اعترف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أمس الأول، بأن الأمم المتحدة فشلت بوقف الحرب، لأنها فوجئت بتفجّر العنف في وقت كان مأمولاً أن تثمر المفاوضات بين البرهان وحميدتي عن حل دائم.
وبعد يوم من تحذير الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي من أن «المنطقة كلّها يمكن أن تتأثر بمعارك السودان، أعرب غوتيريش عن «قلقه الشديد» بشأن امتداد النزاع إلى دول الجوار التي تمرّ بمشاكل سياسية ومراحل انتقالية، ولاسيما تشاد وإثيوبيا وجنوب السودان.
وقالت الأمم المتحدة، أمس، إنها تحتاج إلى 445 مليون دولار لمساعدة 860 ألف شخص قد يفرّون من القتال الدامي بحلول أكتوبر. وأطلقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين هذا النداء لجمع الأموال من الدول المانحة، كما قالت الأمم المتحدة في بيان، مضيفة أن مصر وجنوب السودان ستسجّلان أكبر عدد من الوافدين.
وقال زعيم حركة التمرد السودانية المسلّحة عبدالواحد محمد نور الذي كان أحد قادة القتال الدامي في إقليم دارفور لمدة عقود، إن الحرب الحالية الدائرة في السودان «لن ترى منتصرا».
ورأى النور المقيم حاليا في جنوب السودان أن «الشعب السوداني لا يريد أيا منهما (عبدالفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو)... بل يريد حكومة مدنية».
ووصف نور البالغ 55 عاما وعاش لسنوات في باريس، ما يجري في السودان الآن بالـ«كارثة».
وأشار إلى أن «هذه الأجسام التي تتصارع كلها كانت في يد البشير الباطشة ليحمي بها السلطة»، مضيفا أن «الجيش أشرف، والبرهان شخصيا، على تشكيل الجنجويد».