احتفلت الصحافة منذ أيام باليوم العالمي الذي حددته الأمم المتحدة لحرية الصحافة منذ ثلاثين عاما، حيث يتم تصنيف دول العالم من ناحية حرية الصحافة، وجاءت إسرائيل في مثل هذا اليوم من العام الماضي في المرتبة (86)، والأراضي الفلسطينية في المرتبة (170)، ويأتي اليوم وقد قدمت هذه الأراضي دم شرين أبو عاقله الصحافية الفلسطينية، التي اغتالتها الآلة العسكرية الإسرائيلية في العام الماضي، والتي لم يحقق في مقتلها حتى الآن، كل جريمتها أنها كانت تنقل بالصوت والصورة فظائع هذه الآلة إلى العالم الذي صم أذنيه عن جرائم إسرائيل، وقد كانوا ملعونين لقرون طويلة في أوروبا كلها بقرار من الكنيسة المسيحية، لأنهم قتلوا المسيح، وهي واقعة تاريخية لها قداستها في عقيدة المسيحيين، ولا تنمحي من عقيدتهم وأذهانهم، وكان هتلر يبرر اضطهاده لهم بقوله «إني لا أفعل سوى ما تأمر به الكنيسة منذ خمسة عشرة قرنا»، إلى أن قدم البابا يوحنا الثالث، باسم الكنيسة الكاثوليكية، اعتذارا خاصا ليهود العالم مبرئا يهود العالم من دم المسيح ومعتبرا هذا الاعتذار تكفيرا من الكنيسة عن ماضيها.
وعندما كنت في فرنسا معاراً الى مجلس الدولة الفرنسي 1967- 1968 كنت أشاهد لدى محلات اليهود صناديق، كتب عليها ادفع دولاراً تقتل عربيا، وفي التلمود أوامر بقتل غير الإسرائيليين، حيث يقول التلمود «اقتل الصالح من غير الإسرائيليين، ومحرم على الإسرائيلي أن ينقذ أحداً من باقى الأمم من هلاك أو يخرجه من حفرة يقع فيها لأنه بذلك يحفظ حياة وثني»، ويقول التلمود «من العدل أن يقتل الصهيوني بيده كل كافر لأن من يسفك دم الكافر يقرب قربانا لله».
العالم تحت وصاية إسرائيل
لقد نجح الإسرائيليون في أن يجملوا أنفسهم أمام العالم، بأنهم يدافعون عن أمنهم وأرواحهم وحياتهم، وسط غابة من الأشرار تحيط بهم من كل جانب، وراح بعض العرب يلهثون للتطبيع مع إسرائيل، لينالوا رضا العم سام.
لقد نجحوا في أن يحطموا قداسة واقعة تدينهم لدى المسيحيين في أوروبا، بأنهم قتلوا المسيح، وأن يستبدلوا بها قداسة واقعة تاريخية أخرى هى المحرقة النازية لليهود في ألمانيا، وفرضوا على الجمعية الوطنية في فرنسا أن تقر في 13 يونيو سنة 1990 قانون غيسو فابيوس، الذي يحظر على كل مفكر أو مؤرخ أو أي إنسان ولأي غرض بحثي أو دراسي أو علمي مناقشة إدانة جرائم النازية ضد اليهود أو المحرقة النازية، أو التشكيك فيها أو في صحة الأرقام التي يروجون لها عن عدد ضحايا اليهود، أو يتحقق منها، ويعاقب هذا القانون، مخالفة أحكامه بالسجن والغرامة.
وقد دان القضاء الفرنسي، المفكر الفرنسي روجيه جارودي، عن كتابه «الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية» لأنه ناقش المحرقة النازية، والمبالغة والتهويل في أرقام ضحاياها، وكان الشك قد انتاب قضاة محكمة نورمبرغ التي حاكمت قادة النازي عن جرائمهم، وقد جاء في حيثيات أحكامها، أنها افتقرت إلى وسائل الإثبات في أي قضية جنائية، لتكون لنفسها صورة أمينة للوقائع، كما حدثت واقعيا وقت ارتكاب الجريمة.
المحكمة الجنائية الدولية وإسرائيل
فقد كان إنشاؤها وفقا لاتفاقية روما سنة 1998 بارقة أمل للشعوب التي عانت ويلات الحروب والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الإبادة الجماعية، والتي جاء في ديباجتها «أنها تضع في اعتبارها أن ملايين الأطفال والنساء والرجال قد وقعوا خلال القرن الحالي ضحايا لفظائع لا يمكن تصورها».
لقد وقعت إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية على هذه الاتفاقية، لتحفز دول العالم الأخرى، على الانضمام إليها، حيث إن هذه الاتفاقية لن تبسط قضاء هذه المحكمة إلا على من صدق عليها، ثم سحبت الدولتان توقيعهما على هذه الاتفاقية قبل أن تدخل حيز التنفيذ بتصديق 60 دولة عليها، كانت من بينها من الدول العربية الأردن وجيبوتي وجزر القمر.
صندوق عربي إسلامي
نعم لقد سيطر اليهود على صحافة الغرب، وحالوا دون نشر أي حقائق عن وحشية الآلة الإسرائيلية في الأرض المحتلة، وقد كلف مقال نشر في صحيفة لوموند في 17/6/ 1982 ندد بالعدوان الإسرائيلي على الشعبين الفلسطيني واللبناني، كلف صاحبه بأن يدفع للجريدة 80 ألف فرنك، دفعها روجيه جارودي، كإعلان في الجريدة، بعد أن رفضت كل الصحف الفرنسية نشره.
لقد طالبت في مقال نشر لي على صفحات جريدة (النبأ) في 6 أكتوبر 2002 بإنشاء صندوق عربي وإسلامي، يتلقى التبرعات في المطارات ومحطات السكك الحديدية وسيارات النقل العام والفنادق والمحلات التجارية لعرض قضايانا ومناهضة الفكر الصهيوني والفكر المعادي للعرب والمسلمين في الغرب.
وعلى من يشترون لاعبي كرة القدم بالملايين، مع كل التقدير لهذه اللعبة الشعبية على مستوى العالم، أن يسهموا في هذا الصندوق، وأن يضاف الى قيمة كل تذكرة لمشاهدة هذه المباريات، مبلغ زهيد يخصص لهذا الصندوق، وعلى الدول أن تخصص من ميزانيتها كل عام مبلغاً لهذا الصندوق سنويا.
إن ميشال هولبيك، الكاتب الفرنسي، قد برأه القضاء الفرنسي، على سند من حرية التعبير عن الرأي في هجومه على الإسلام وتوجيه السباب والشتائم الى ديننا الحنيف، وأن سلمان رشدي بريء كذلك فيما دونه في كتابه «آيات شيطانية» من تهجم على الإسلام، ووفر الغرب الحماية لتسليمة شيرين في روايتها (العار) التي وزع منها ستون ألف نسخة في أوروبا وشمال أميركا فقط وهي الرواية التي كانت تحمل كل العداء والمهانة للإسلام.
إن مثل هذا الصندوق يمكن أن يقدم إعلاما صحيحا عن الإسلام، وعن القضايا العربية، والمذابح الإسرائيلية، ويقوم الصندوق بنشر كل ما يكتبه المفكرون الغربيون المتعاطفون مع قضايانا، والذين لا يجدون دارا للنشر، ولقد حال اليهود دون نشر مؤلفات هؤلاء الناشرين، وأحرقوا داراً للنشر في باريس نشرت كتابا لروجيه جارودي.
هذا بعض من مأساة حرية الفكر والرأي، التي لم تلتفت إليها منظمة «مراسلون بلا حدود» في ترتيبها لإسرائيل في المرتبة (86) وفي ترتيبها للأراضي الفلسطينية بأنها في المرتبة (170).