لم يسبق أن عثرت على رواية فلسطينية واضحة تجاه الغزو العراقي وموقف ياسر عرفات من صدام حسين، بهذا الوضوح وهذه الجرأة، كما هي في النص الذي كتبه نبيل شعث كبير المفاوضين الفلسطينيين في كتاب «من بيروت إلى فلسطين» والصادر عن دار الشروق في مصر، سيرة ذاتية ورؤية تاريخية وهو في إطار ثلاثة كتب، أصدرها صاحب المذكرات تحت عنوان «ذاكرة فلسطين».
السؤال الذي طرحه على نفسه وحاول الإجابة عنه هو: ماذا يريد صدام حقيقة بعد توطيد مكانته قائداً عربياً في طليعة الصدام مع إسرائيل، وفي عام 1990 وتهديداته «بتدمير إسرائيل»؟!
في البداية ينقل عن أبريل غلاسبي سفيرة أميركا في العراق والتي التقاها بعد سنوات من الغزو، عندما تولت منصب رئيسة لوكالة الغوث، أكدت له أنها «لم تشجع صدام على غزو الكويت وأنها كانت ضحية لتفسيره»... يستخدم مصطلح «القوات الغازية» عندما يتحدث عن اليوم الأول من الغزو عام 1990.
كان يدرك نبيل شعث أن هذه الحرب الجديدة «ستصيب العرب بنكبة كبرى، وستضعف قدرتهم على دعم قضيتنا والوقوف إلى جانبنا».
أوضح في سرده ورؤيته للأحداث مخاوفه بالقول «ها نحن نقع بالفخ، أصبحنا طرفاً سواء شئنا أم أبينا».
يستعرض الموقف الفلسطيني وانحيازه إلى فريق عربي يضم «العراق والأردن» يرى أن هناك خللاً في توزيع الثروة العربية وإن دخول العراق إلى الكويت يتوخى تصحيح الخلل!
وقال إن «أبو عمار» والقيادات الفلسطينية ارتأت أن يكون موقفها وسطياً وساعياً إلى تأدية دور المصالحة بين الكويت والعراق، ويبدي نبيل شعث والذي أقاله مؤخراً أبو مازن من إدارته «لمؤسسة ياسر عرفات» قلقه على مصير جالية فلسطينية كبرى في الكويت قدرت في حينه بـ400 ألف فلسطيني.
هناك إصرار في رواية مستشار عرفات (1982-1992) على الفصل بين ما ينقله عن «أبوعمار» والقيادة والشعب الفلسطيني ككل، وبين موقفه الرافض تماماً لما أقدم عليه صدام حسين.
وأوضح وبشكل قاطع أن «الفلسطينيين رأوا في صدام قائداً يتحدى الإسرائيليين والأميركان» وأنه يحظى بدعم شعبي فلسطيني كبير، خاصة بعد إعلان «الربط» من قبل صدام حسين بين الانسحاب من الكويت وإنسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة!
كان يعتقد نبيل شعث أن «ربط» صدام للانسحاب ليس حقيقياً بل يخادع الرأي العام العربي والفلسطيني، وهو موقف يتماشى مع صديقه أنطوان زحلان، والقائل إن صدام كان يقود العراق والأمة العربية إلى «كارثة».
يصف اجتماعات القيادة الفلسطينية في تونس برئاسة «أبوعمار» بأنها مشحونة بالتوتر، وأصيب بالذهول مما سمعه «والشعور بنشوة انتصار صدام» من قبل الحاضرين، فمداخلته وآراؤه كان غريبة على الإجماع الفلسطيني تقريبا وتأييدهم، وظهر نبيل شعث وكأنه من كوكب آخر عندما طالب «بإنقاذ قضيتنا وثورتنا من الدمار بالانسحاب بحكمة».
كان هناك من يتفق معه ومنهم بعض الشخصيات الفلسطينية التي انتقدت الغزو العراقي، مثل، فيصل الحسيني وإدوارد سعيد وعبدالمحسن القطان.
يعترف «أبو عمار» لمستشاره أنه لا يستطيع إدانة غزو صدام للكويت ولا مطالبته علناً بالانسحاب، وإن شعبه واقف إلى جانب صدام لأنه يتصور أنه سيحرر فلسطين! وكان يمتدح صدام وشجاعته والتزامة بالقضية! ويشير إلى اغتيال أبو إياد وأبو الهول أثناء الغزو في تونس على يد أحد رجال أبونضال القادمين من ليبيا ومن الذين عملوا مع العراق كما عملوا لحساب إسرائيل. أكثر القياديين الفلسطينيين والمؤيدين إلى صدام حسين وحتى الموت هو أبو اللطف (فاروق القدومي).
خلاصة موقف نبيل شعث أن احتلال الكويت يعني تفريغه من الشعب الكويتي ومن أكثر من مليون فلسطيني ومصري، وأن ما حصل وقوع نكبة فلسطينية ثانية، والمستفيد الأكبر كان حافظ الأسد والذي انضم إلى قوات حفر الباطن وقبض الثمن بتصفية ميشال عون وفرض وصايته على لبنان لعقد من الزمن أما الخاسر الأكبر فهو «أبوعمار»– ياسر عرفات وعلى مستوى الشرق الأوسط، المعزول عربياً، بينما انحنى الملك حسين للعاصفة ورتب أموره مع الأميركيين.