غوغاء الحسابات الإلكترونية وذبابها
لئن كان يفترض بالبنى الفوقية لأي مجتمع، أن تزخر بفكر ورؤى واستراتيجيات وهوية بلد اختمرت كثيراً تجربتها لسنوات وسنوات، فإن الحال في الكويت أخذت تنحو منحى أكثر تماهٍ مع التشويش وإيلام الوجدان وتلويث الذاكرة الجمعية، بل حتى خلخلة الصيرورة الطبيعية للتجربة الديموقراطية الكويتية في ركبها إلى الأمام.
فالانتخابات البرلمانية الكويتية المرتقبة في 6/6 تحفل بطابع خاص ذي فرادة في المحيط الخليجي والعربي، باعتبار الديموقراطية الكويتية وحياتها البرلمانية الأقدم والأعرق والأعمق والأكثر تأثيراً في المنطقة، ومع انطلاق سباق مجلس أمة 2023 الذي تنتظر نوابه استحقاقات عديدة وتحديات كبيرة، وكأي مجتمع يمارس الديموقراطية فإن جزءاً من بناه الفوقية يرتكز على الصحافة والإعلام الحر الذي ينقل مختلف وجهات النظر، ويحاسب ويشارك في صنع السياسات، مطبقاً فعلاً مضامين دورها كعين للرأي العام وصوته.
لكن حال السلطة الرابعة في الحالة الكويتية للأسف أخذت تعتريها الكثير من المثالب التي تنخر جوهر الصحافة الحرة والمسؤولة وتشوه روحها لتتفرد في صنع حالة من الغوغاء الافتراضي والذباب الإلكتروني وأشباه الصحافيين، إن صح التعبير، لتمارس كل سبل التشويه والغوغائية في وسائل التواصل الاجتماعي، وحصل ذلك بالفعل وتحديداً أمام إدارة شؤون الانتخابات مع العديد من مرشحي مجلس الأمة.
فبعض تلك الوسائل حسبما تلمسنا على الأرض، لا يمكن لأي صاحب خبرة وإن قلّت في عالم الصحافة والإعلام إلا أن يلحظ «انعدام حرفيتها»، إذ لم تراعِ مكانة الكويت ولا تجربتها الديموقراطية ولا أبسط مواثيق الشرف الإعلامي والمهني في نقل تصريحات المرشحين.
فمع الأسف هذه الحالة التي نعيشها اليوم ربما هي نتيجة عزوف وإحجام المتخصصين والكوادر المؤهلة لممارسة مهنة الصحافة وترك المجال على الغارب لكل من «هبّ ودبّ» لأشباه الصحافيين ليحتلوا هذه الساحة ويخطفوا عين الرأي العام ويصادروا صوته.
ولعل الكثيرين من الزملاء لاحظوا ذلك خلال وجودهم في إدارة شؤون الانتخابات في الأيام الماضية خلال تغطية استقبال طلبات الترشح لأمة 2023، ممارسات أبعد ما تكون عن رسالة الإعلام، بل هي ربما أقرب للارتجال والعشوائية، وللأسف أيضاً أصبح بعض هؤلاء من يسمون أنفسهم (إعلاميين أو ممثلي وسائل إعلام) يرهبون المرشحين بأساليب ملؤها التهكم والسخرية والاستفزاز والأسئلة الجوفاء، والهدف من ذلك معروف هو تسجيل نسب مشاهدة عالية وتفاعل أجوف على حساب المهنية والموضوعية، وهذا الأمر إذا ترك على الغارب فستكون عواقبه وخيمة على الإعلام الكويتي وسمعة الكويت في الخارج.
كلمة أخيرة:
استعادة مكانة مهنة الصحافة والإعلام مسؤولية الجميع، من حكومة وصحف محترمة تصدر لنا شخصيات مهنية ومجتمعاً لا يقبل ولا يتفاعل مع الغوغاء.