ومن الكلمات التي تستوقفنا في كتاب «البدلية» كلمة «زبان»، ويشرحها «الرشيد» قائلاً: «زبان المجداف، هو الجزء الأعلى الذي يمسكه البحار». (ص102)، ولكن ألا يمكن أن يكون المراد الجزء الأسفل العريض من المجداف؟ فكلمة «زبان» تعني بالفارسية «لسان» وتعني كذلك كما في العربية «لغة»، كقولهم «زبان عربي»، أي «اللغة العربية» و«لسان العرب» لغتهم، ذلك أن الشكل الأسفل من المجداف يشبه كثيراً اللسان في تسطحه واستدارته البيضاوية، وهذا الجزاء من المجداف أكثر شبهاً باللسان أو «الزبان»!
ومن الكلمات الأخرى «الكَشْتَة»، بمعنى النزهة، فهي بالفارسية «كَشت» Gasht، وقد تستخدم كلمة كُـلكًشت Golgasht بمعنى تنزُّه أو جولة في البر أو «بين الزهور»، وتسمى دوريات «ضبط المخالفين للشرع» في إيران بالجولة «كشت» Gasht، وهم المتجولون في شوارع المدن الإيرانية من جماعات «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»!
ونقف عند كلمة «هفتاني»، التي يشرحها الباحث «الرشيد» بأنها «أكلة كويتية شعبية تُقدم للنفساء (بعد الولادة) تتكون من لحم أو دجاج»، ونلاحظ أن كلمة «هفتة» بالفارسية تعني «أسبوع»، ولا أدري إن كانت هذه الأكلة تقدم للمرأة النفساء في اليوم السابع مثلاً، أي تمام الأسبوع أم أنها تُقدّم في يوم آخر؟
وكذا كلمة «كافتوه»، قد تكون فارسية الجذر، فالباحث يقول في شرحها «تُنطق الكاف جيماً فارسية أي جـ ch»، و«كافتوه» عبارة عن لوح طويل سميك يثبت بواسطة مسامير، كلوح داعم ومقوٍّ لقاعدة السفينة، «لتمنع تسرب الماء إلى جوف السفينة». (144)
وربما كانت «كافتوه» محرفة عن كلمة «كوبيدن» التي تعني «الطَّرْق» بالمطرقة، أو كلمة «كوبيدة» بمعنى «المطروق»، وربما بمعنى، «المغروس» في جسم ما بالطرق وباستخدام أي أداة، وفي الكتاب ضمن الطبعة الحالية كلمات عديدة قد تُقرأ على عدة أوجه، لأنها غير مُشكَّلة، ومنها «بيرشت»، «وزبدرة»، و«زقبة» غيرها، وهي بحاجة إلى تشكيل.
كما كان من الأسهل في إملاء بعض الكلمات إما استخدام الأحرف الإنكليزية مقابل وP وG وCh، أو الأحرف الفارسية المعروفة (ب وكـ وجـ) مع شرح طريقة نطقها إن لزم، وربما كان من الحلول العملية في الصحافة والإعلام إدخال هذه الحروف واستعمالها بدلاً من الاختلاف السائد حالياً في كتابة أسماء بعض المدن والأشخاص والدول، وعدم القدرة على قراءة هذه الأسماء غير العربية بطريقة صحيحة، حيث لا اتفاق على البديل في كتاب «البدلية» كلمات أخرى تستحق التأمل والتدقيق، إضافة للجهد القيم الذي بذله الأستاذ الباحث مع المادة التراثية، فمثلا كلمة «بافتة» (ص84) يقول الباحث إنها من أنواع الأقمشة القديمة للملابس الداخلية، ونضيف هنا أن كلمة «بافتن» تعني بالفارسية النسج والحياكة To weave، (بما في ذلك حياكة الأكاذيب to fabricate lies)، كما يقول القاموس.
وكلمة «بياله» كلمة فارسية كذلك، تبدأ بحرف P لا B، ومن الكمات الأخرى التي تعني القدح أو الكوب بالفارسية: جام، ليوان، استكان، فنجان، بمعنى cup Goblet.
وكلمة «بيمه» ومنها «بيمه سلامتي»، «بيمه عُمر»، «بيمه زندكي»، وهذه تعني التأمين على الصحة أو الحياة.
ويشرح الباحث كلمة «جمبازي» بأنها صفة للشخص المراوغ والحيّال والكذّاب، ويبدو أن جذرها كلمة «جانباز»، بمعنى المغامر أو الفدائي أو ربما من يمارس الألعاب الخطرة، كما في رياضة «الجمباز» والألعاب الخطرة أو كل من يعرض حياته للخطر، وفي اللهجة الكويتية، لمن يتلاعب على القوانين! والكلمة «جان» بمعنى «روح» و«باز» بمعنى «اللعب»، ويبدو أن ألعاب الجمباز قد استقت اسمها من المصدر نفسه لما في بعضها من مخاطر.
لا يخفي الباحث خالد عبد القادر عبد العزيز الرشيد إعجابه وافتتانه باللهجة الكويتية! بل يقول: «نلاحظ أن لدينا تعدداً لفظياً يصعب على اللسان العربي الإحاطة به، أو حتى الكويتي من أم جِبْلي (من حي القبلة) وأم شرقاوية (من حي الشرق)، نجد لديه اضطراباً في اختيار الكلمة الصحيحة قياساً على لهجة جبلة». (البدلية، 45). وللباحث الحق في أن يضع اللهجة في أية مكانة لائقة بها ولكن الكثير من دقائق اللهجة الكويتية موجودة على الأرجح في لهجات أخرى كالمصرية والعراقية والبحرينية، فنحن إذاً بحاجة إلى دراسة في مقارنة اللهجات قبل أن نصدر الحكم!
ولا أدري هل يشرح الباحث في كتابه كيفية دخول «البدليات» في اللهجة الكويتية أم أنه يستهجن دخولها ويدعو إلى التخلص منها، تخلص الإيرانيين والأتراك أو محاولتهم التخلص من الكلمات العربية والفارسية في اللغتين؟
وكنت كالكثيرين أعتقد أن «البدلية» هي الكلمة غير الصحيحة في اللهجة الكويتية، ولكن بعد مطالعة كتاب «البدلية» للأستاذ خالد عبدالقادر عبدالعزيز الرشيد تزايد الغموض والضباب حول المقصود بالبدلية وماهيتها تحديداً! هل البدلية استخدام كلمات «أجنبية»، أو كلمات «عربية غير دقيقة»، أم هي الوقوع ضحية للاختلافات «اللهجوية» بين مناطق وأحياء الكويت وطوائفها وقبائلها... وأجيال لغة الكمبيوتر الحالية؟
يقول الرشيد: إن البدلية «توظيف كلمات ليست بمكانها أو إبدال كامل للأحرف». ولكن هذا التوظيف المرتجل أو المتعجل ربما بمنزلة الخطوة الأولى نحو تقبل الكلمة وهضمها وإدخالها اللهجة مثل الكثير من الكلمات التي تملأ «معجم الرشيد للهجة الكويتية» مثل «بيمة»، «بوية»، «بيعاري»، «بلسوت»... إلخ، بل مئات الكلمات التي استعيرت عبر مراحل مختلفة من تطورنا الاجتماعي، ثم تخلى المجتمع عنها لانتفاء الحاجة، أو لاختيار كلمة أخرى، أو تعبير لغوي فصيح أو لأي سبب!
إن الكويتيين وغيرهم يستخدمون في كلامهم اليومي تعابير قد تختفي أو تبقى بعد فترة تقصر أو تطول، وكلمات اللغة واللهجة تمر بمراحل من الصراع كالكائنات الحية حيث البقاء للأصلح والأرشد والأدق والأجمل وغير ذلك!
وقد أشار الباحث الرشيد إلى أهمية أرشيف التلفزيون والمسلسلات والتمثيليات الكويتية في دراسة تطور اللهجة وتطورها، ولا شك أن الباحثين سيعملون بهذه الإشارة.
وكان جيلنا يستخدم تعبير «بلسوت» مثلاً، ولحسن حظ الكلمة لا تزال قيد الاستعمال، ويقول الباحث إن أصلها كلمة Boilersuit واعتقد أن أصلها Bluesuit (الموسوعة، ج2، طبعة 2014، ص128)
وكان الكثيرون يستخدمون كلمة «الموتر» للسيارة وكلمة «حفيز» للمعرض أو المكتب، و«دريول» للسائق و«فص قلاص» لا عتبار شيء ما «درجة أولى» أي first class.
ختاماً نقول إن الجهد الذي بذله الباحث «خالد عبدالقادر عبدالعزيز الرشيد» منذ إصدار كتبه القيمة، من «موسوعة اللهجة الكويتية» مع عام 2001، وإضافة عدة طبعات من كتاب «البدلية» الحالي، ليس بالجهد القليل، بل هي إضافة قيمة إلى المكتبة التراثية المحلية والتراث اللغوي العربي عموما، يُشكر عليها جزيل الشكر.
وربما كان من الأفضل لمعجمه أن يطبع في مجلد واحد سهل التداول والنقل من ورق المعاجم، وألا يعيد طباعة هذا المعجم إلا مرة كل خمس سنوات مع الإضافات، ومع دمج محتويات كتاب «البديل» في الموسوعة أو المعجم، وربما كان من المستحسن دراسة اللهجة الكويتية واللهجات عموما من خلال علوم اللغة الحديثة ونظرياتها (وهي التي تسمى الـLinguistics)، وتدرس تطور العلوم والنظريات اللغوية منذ أقدم العصور وفي مختلف الثقافات حتى اليوم.
وهناك فصل ثري بالمعلومات عن هذا العلم في الموسوعة البريطانية، ط 1980، المجلد العاشر، ص992-1013، كما أن في المكتبة العربية قدراً كبيراً من كتب وبحوث «علم اللغويات».
ومن ميزات دراسة اللهجة الكويتية وغيرها من خلال المفاهيم والآفاق التي يؤسس لها هذا العلم أن تنفتح أمام الباحث الكريم «خالد الرشيد» مجالات لتعميق البحث وتوسيع إطاره كي يحتل معجمه مكانة متميزة في المجال اللغوي.
وأقترح كذلك أن يعمد الباحث إلى نشر بعض الدراسات والمقارنات اللغوية واللهجوية بين فترة وأخرى، ترسخ مكانة التحليلات الجديدة في مجال اللهجة الكويتية وتزيد اهتمام الباحثين بأعماله.