إردوغان يلعب جميع أوراقه... وكليشدار أوغلو يراهن على الصبر
تزايد التوقعات بالذهاب إلى دورة ثانية للاقتراع الرئاسي
يخوض الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في 14 الجاري انتخابات تبدو نتائجها غير محسومة لمصلحته للمرة الأولى منذ وصوله إلى السلطة قبل 20 عاماً، ويواجه فيها معارضة موحّدة للمرة الأولى، أيضاً، في بلد يمرّ بأزمة.
ويبدو إردوغان (69 عاماً) مصمماً على البقاء 5 سنوات إضافية على رأس البلاد البالغ عدد سكانها 85 مليون نسمة، والتي أدخل تغييرات عميقة عليها، لكنها تشهد اليوم أزمة اقتصادية.
وينافسه في هذه الانتخابات 3 مرشحين، بينهم خصمه الرئيسي كمال كليشدار أوغلو (74 عاماً) مرشح تحالف من 6 أحزاب معارضة من اليمين القومي إلى اليسار الديموقراطي، ويهيمن عليه حزب الشعب الجمهوري الذي أنشأه مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك.
وحصل «كمال»، كما يقدّم نفسه على الملصقات الدعائية دعماً غير مسبوق من حزب الشعوب الديموقراطي اليساري المؤيد للأكراد. وإذا فاز في هذه الانتخابات فسيصبح الرئيس الثالث عشر للجمهورية التركية التي تحتفل هذه السنة بمرور 100 عام على إعلانها، خلفاً لإردوغان الذي سجّل الرقم القياسي في مدة بقائه بالسلطة منذ انتهاء الإمبراطورية العثمانية.
وبين حزب العدالة والتنمية الإسلامي المحافظ برئاسة إردوغان وحزب الشعب الجمهوري العلماني الذي يمثله كليشدار أوغلو، يبدو الأتراك أمام خيارين، أولهما سلطة تميل بشكل متزايد إلى الاستبداد، مع اتهام 16753 شخصاً رسمياً في 2022 بـ «إهانة الرئيس التركي»، ويطغى عليها طابع إسلامي.
أما الخيار الثاني فهو وعد بتحوّل ديموقراطي، والعودة إلى علاقات «هادئة» في البلاد ومع بقية العالم.
وملأ إردوغان الفترة السابقة باحتفالات عن إنجازات صناعية، منها إطلاق أول سيارة كهربائية، وتدشين أول سفينة هجومية برمائية، تم بناؤها في إسطنبول لحمل طائرات مسيّرة تركية الصنع.
كما أسرع إردوغان بتسليم أول شحنة من الغاز الطبيعي لمحطة بحرية من احتياطي مكتشف في البحر الأسود، ووعد بتوفير الغاز الطبيعي مجاناً للمنازل، وافتتح أول محطة للطاقة النووية، في حفل شارك فيه عبر الإنترنت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ومنحت وسائل الإعلام الرئيسية تغطية واسعة لإردوغان، بينما لم يولِ الإعلام الحكومي اهتماماً يُذكر بمنافسه الرئيسي، مما أثار اتهامات من المعارضة بعدم إتاحة الفرص المتكافئة.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الانتخابات يمكن أن تحتاج إلى جولة إعادة، ويظهر بعضها أن إردوغان ليس متقدماً. ويشير هذا إلى عمق أزمة تكلفة المعيشة التي أثارتها سياساته الاقتصادية غير التقليدية.
وتتوقع استطلاعات الرأي التي باتت محظورة حتى الاقتراع، منافسة حادة في الانتخابات الرئاسية التي يؤكد كل من المعسكرين أنه قادر على الفوز بها من الدورة الأولى، وإلا فسيتم تنظيم دورة ثانية في 28 الجاري.
وفي بلد يعاني أزمة اقتصادية وأزمة ثقة خطيرة، يحاول خريجو الجامعات الشباب والمهندسون والأطباء مغادرته، يكافح إردوغان بكل قوته لإنقاذ إرثه، ويمكنه الاعتماد على نحو 30 بالمئة من الناخبين بالتأكيد.
ويطلق معسكر الرئيس وعوداً انتخابية بالأرقام من المعاشات إلى السكن وفواتير الطاقة، ويعبّر عن أسفه ويتهم منافسيه بالتواطؤ مع «إرهابيي» حزب العمال الكردستاني ويدين صلاته بالغرب و«مؤامراته» ويصفه بـ «المؤيد لمجتمع الميم» الذي يريد «تدمير الأسرة».
ما هو صدى هذه الإعلانات لدى 5.2 ملايين شاب سيصوتون للمرة الأولى؟ فهؤلاء لم يعرفوا سوى إردوغان وميله الاستبدادي منذ الاحتجاجات الكبيرة في 2013 والانقلاب الفاشل في 2016 الذي أدى إلى اعتقال عشرات الآلاف. وقال كليشدار أوغلو «سيأتي هذا الربيع من خلالكم».
وكشف استطلاع للرأي أجراه معهد ميتروبول أن أغلبية الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً يؤيدونه، لكن 30 بالمئة سيختارون إردوغان.
والنقطة المجهولة الأخرى هي تأثير الزلزال القوي الذي ضرب جنوب البلاد في السادس من فبراير، وأودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص، إلى جانب عدد غير معروف من المفقودين.
والناجون الذين دانوا بطء عمليات الإغاثة موزعون في البلاد أو لاجئون يقيمون في خيام وحاويات. وأثار زلزال 17 أغسطس 1999 الذي أودى بآلاف الأتراك خلال الليل، غضباً شعبيا صعّد مشاعر استياء حيال وضع اقتصادي صعب، مما ساهم في إيصال إردوغان إلى السلطة.
وبعد أكثر من عقدين، يجد الرئيس التركي نفسه أمام ظروف أكثر شدة، لكن أمام تحدٍّ مشابه: دفع ثمن زلزال 6 فبراير الذي أوقع أكثر من 50 ألف قتيل في الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقررة في 14 الجاري.
ورأى أستاذ علم الاجتماع في جامعة أنقرة، مليح يشيلباغ، أن إردوغان وحزبه الإسلامي المحافظ «وصلا (إلى السلطة) بزلزال، وقد يطيح بهما زلزال آخر».
وذكّر بأنّه حين تسلّم حزب العدالة والتنمية السلطة في 2002 «كان تحديث البنى التحتية من وعوده الرئيسية. وبعد 20 عاماً، بإمكانكم رؤية ما يجري».
وأودى زلزال 1999 بأكثر من 17 ألف قتيل في شمال غرب البلاد وفضح هشاشة المباني.
الى ذلك، حذّر مجلس أوروبا الذي سيرسل 350 مراقباً إلى الانتخابات، إضافة إلى مراقبي الأحزاب في 50 ألف مكتب، من أن هذا الوضع يعزز المخاوف المرتبطة بسلامة العمليات الانتخابية و«وضع الديموقراطية» في تركيا.
واتخذت المعارضة زمام المبادرة عبر حشد 300 ألف مدقق، ومضاعفة عدد المحامين المدربين لمراقبة الاقتراع. وأكد نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري المسؤول عن أمن الانتخابات، أوغوز كان ساليتشي: «نحن لا نعيش في جمهورية موز».
ويذكر دبلوماسي أن تركيا حريصة على مبدأ الانتخابات. وقال «حتى عندما يقود الجيش انقلاباً كل 10 سنوات فإنهم يطرحون مسألة سلطتهم في صناديق الاقتراع». لكن كمال كليشدار أوغلو نصح أنصاره من باب الحَذَر بـ «البقاء في منازلهم» في حال فوزه، خوفاً من العنف. ويطرح كليشدار أوغلو خطة بسيطة بطموحات متواضعة: انتقال سلس للسلطة في تركيا ينهي عقدين من سطوة إردوغان، وترك المنصب لاحقاً بعد تقليص صلاحيات الرئيس. قبل أشهر، لم يكن كثيرون يرون الموظف السابق في القطاع العام المنتمي الى الأقلية العلوية، منافساً لإردوغان، الشخصية المحورية التي أعادت رسم معالم تركيا، إذ إن سجلّه لم يبعث على الأمل، فقد خسر انتخابات رئاسة بلدية إسطنبول في 2009 أمام حليف للرئيس التركي، وخسر أيضاً أمام إردوغان نفسه في كل انتخابات عامة أجريت منذ ذلك الحين. وتقول المحللة غونول تول عن كليشدار أوغلو قوله لها في العام 2020 إنه «رجل صبور جداً»... وهو صبر ونال، إذ بات وفق استطلاعات الرأي المنافس الجدي لإردوغان والمرشّح الأوفر حظاً لينافس الرئيس في دورة ثانية فاصلة. في مقابل النبرة الهادئة التي يعرف بها منافسه، يتمتع إردوغان بقدرة خطابية مشهود لها وتمكّنٍ في إدارة الحملات الانتخابية أتاح له أن يصبح السياسي الذي أمضى الفترة الأطول في حكم الجمهورية التركية.
بلباسه الأنيق ونظارتيه المربعتين، يعكس كليشدار أوغلو صورة رجل مهني بناها خلال مسيرته كمحاسب تدرّج وصولاً إلى رئاسة وكالة الضمان الاجتماعي.
وخلال الحملة الانتخابية، اختار كيلشدار أوغلو تجاهل الانتقادات الشخصية التي وجهها إليه إردوغان، وآثر التركيز على الصعوبات السياسية والاقتصادية التي يعانيها الأتراك.
وفي تصريحات لمجلة «تايم» الأميركية قبل الانتخابات، قال كليشدار أوغلو «أنا لست شخصاً لديه طموحات». وشدد على أن ما يريده هو «إعادة الديموقراطية» إلى تركيا، وبعد ذلك «التنحي جانباً واللعب مع أحفادي».
كما يعوّل هذا المرشح على حملة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي تتفادى القبضة السلطوية على وسائل الإعلام التقليدية، ويقوم خلالها بتسجيل أشرطة مصوّرة قصيرة يتوجه عبرها إلى الناخبين من داخل مطبخ ذي طابع قديم.