خاص

القضاء والسلاطين الجدد

نشر في 08-05-2023
آخر تحديث 07-05-2023 | 20:09
No Image Caption

ونحن على بُعد أقل من شهر لخوض غمار استحقاق انتخابي دقيق من عمر الحياة السياسية في البلاد، يشرف عليه أعضاء الهيئة القضائية والنيابة العامة، علينا أن نضع الأمور في نصابها، مع تفهُّم أن القضاة بشر قد يخطئ بعضهم، لكن الخير باقٍ في أغلب المرفق النزيه الذي تقوم على تماسكه الأمم، وتطمئن بضميره المجتمعات، وتقوى بأحكامه علاقات أفرادها، ليقينهم أن أحداً لن يجور على أي منهم مادام لديهم قانون يعم الجميع وقاضٍ لا يحكم إلا بما يراه عدلاً.

ومع مناداتنا بإصلاح ما قد يعاب على القضاء، الذي نعلم تمام العلم أنه ينفي الخبث عن نفسه، فإننا نرى ضرورة دعمه وتجديد الثقة بنزاهته من الجميع، إذ ليس من مصلحة أحد، سوى مريدي الشر بهذا البلد، أن يُنزع عن المرفق القضائي بشت الهيبة وتاج الوقار، لأن عاقبة الذين أساؤوا لن تكون إلا السوأى لهم وللجميع، عبر ما تتجلى فيه من الفوضى والتصدع والانهيار، على ألا يكون في هذا التوجه ترك لمحاسبة مخطئ أو متجاوز، مهما كان اسمه أو منصبه، وفق القنوات الشرعية الدستورية.

وقد سبق لقضائنا، بما عُرِف عنه من نزاهة وحياد، في سابقة تاريخية، أن أصدر أحكاماً بحبس سبعة مستشارين من أبناء المرفق، كما أحال آخرين إلى مجلس التأديب، دون أن يتستر على أي تجاوز منهم، وهو ما يحملنا على الجزم بأنه في حال ثبوت أي تجاوزات لن يقف قضاؤنا مكتوف الأيدي وسيعمل على تطهير نفسه بنفسه وفق القنوات الجزائية والتأديبية، ليعامل أي منتسب إليه معاملة غيره، ليكون الجميع سواء أمام القانون.

فإذا كان هذا هو قضاءنا وإذا كانت تلك سيرته، فكيف يكون مقبولاً أن يغدو جميع قضاته موضع اتهام من كل موتور؟! وأن ينعق عليهم كل ناعق، وأن يلوك سيرهم وأعراضهم كل لائك؟!

والغريب أنه وسط هذه الهجمة المسعورة التي تتعرض لها السلطة القضائية وأعضاؤها من بعض الحسابات الوهمية بأسمائها المستعارة على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي ظل التغريدات وإعادة التغريدات والتفاعلات والتعليقات والردود التي تصب زيت الحقد على نار الكراهية لتنشر الشائعات كالنار في الهشيم، تأتي بعض الجهات الرسمية في الدولة لتقع في مستنقع التأثر الأعمى، فتعمد دون تبيُّن أو تثبُّت من حقيقة تلك النار الزائفة المشتعلة، لتتخذ قرارات مجحفة بإقالة كفاءات قضائية طالما كانت رمزاً للنزاهة والعمل المخلص الجاد.

واللافت أن بعض تلك القرارات المجحفة جاء دون الرجوع إلى الجهات القانونية التي عَهِد إليها الدستور القيام بتلك المهمة، من أجل التثبُّت لإصلاح الجهاز القضائي مما قد يعلق بثوبه من بعض الشوائب، لا من أجل التستر وكَيْل التهم دون حجة أو برهان، فإذا كنا قد نتفهم الدوافع الشريرة لمن يحاولون الضغط على القضاء لإجباره على الحكم بما يريدون، فكيف لنا أن نتفهم تصرف جهات الدولة التي تنساق للخضوع لهيمنة تلك المواقع الشيطانية التي تقود عدالة الدولة إلى فخ من الصعب أن تخرج منه.

هذا الهجوم السافر تجاه القضاء وكوادره ما هو إلا محاولة قميئة للنكوص عن دولة المؤسسات، والتشكيك في العدالة التي تمثل أهم أركان العقد الاجتماعي الذي تقوم عليه المجتمعات البشرية، بهدف بث حالة من الارتباك وزرع بذور الخوف في تربة الجسم القضائي عبر ما تنشره المواقع الوهمية من أسماء وصور وخصوصيات، مما يعقد ألسنة رجال القضاء ويغل أيديهم قبل أن يصدروا حكماً يعلمون أنه ستكون له ردة فعل على تلك المواقع في ظل عجز الدولة صراحةً عن مواجهة ذلك الطوفان الجارف من الحسابات الزائفة التي يدار بعضها من خارج البلاد، مع عدم قدرة القاضي على الرد أو الدفاع عن نفسه بحكم وظيفته.

وإذا كان الدستور في مادته رقم 163 يؤكد أنه لا سلطان على القاضي، فقد جاءنا العصر الحديث، في الكويت خاصة، بمئات الآلاف من السلاطين الذين يقفون للقضاة بالمرصاد، ويقتحمون حياتهم الشخصية، التي لا دخل لها في أي خصومة، ليهددوهم بنشر أسرارهم وخصوصيات ذويهم، مع اختلاق الأكاذيب ونشر قصص مريضة لا تعرف للحق سبيلاً، إن فكَّر هؤلاء القضاة في الحكم بغير ما يريد هؤلاء السلاطين الجدد.

من جهة أخرى، بأي منطق أم بأية عدالة يمكننا أن نقول إنَّ تجاوزاً ارتكبه 10 مستشارين، يقضي سبعة منهم الآن عقوبة الحبس وفق أحكام نهائية، يمكن أن ينهض مسوغاً للحكم بفساد 1200 قاضٍ وعضو نيابة؟! وإذا كانت قاعدة العدالة تؤكد أنه «ولا تزر وازرة وزر أخرى»، فما بالنا نريد أن يَزِر

الـ 1200 وزر العشرة؟!

back to top