في خطوة تصعيدية مباغتة أنهت تفاهماً تم التوصل إليه بوساطة إقليمية لوقف إطلاق النار بعد مواجهة محدودة الأسبوع الماضي، وفي جريمة مروعة تضرب بكل الخطوط الحمراء والقوانين الدولية عرض الحائط، اغتالت إسرائيل، أمس، 3 من قادة «سرايا القدس» الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي، بسلسلة غارات جوية أسفرت عن استشهاد 13 بينهم 4 أطفال و4 نساء، فضلاً عن إصابة العشرات من الفلسطينيين.
وأعلن الجيش الإسرائيلي أن هذه الحملة، التي أطلق عليها اسم «درع وسهم» قتلت قائد الجبهة الجنوبية للحركة جهاد الغنام، وقائد الجبهة الشمالية خليل البهتيني، ومسؤول التنسيق مع خلايا المنظمة المتحالفة مع إيران في الضفة، طارق عزالدين.
ووفقاً لتصريحات مصادر من حركة الجهاد لوكالات أنباء دولية فإن القادة الثلاثة كانوا يستعدون للسفر إلى القاهرة لإجراء محاثات مع الاستخبارات المصرية حول جهود التهدئة.
وفي وقت لاحق شنت قوات الاحتلال غارة على مجموعة من الفلسطينيين داخل سيارة في خان يونس وسط غزة، قال الجيش الإسرائيلي إن أحدهم هو خالد الفرا قائد الوحدة الصاروخية لحركة الجهاد.
وبينما أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عقب اجتماع للحكومة الأمنية، أن بلاده تستعد لحرب على جبهات عدة، أعلن وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير إنهاء مقاطعته لجلسات الحكومة، مشيداً بالتصعيد في غزة، في حين أفادت تقارير عبرية بأن نتنياهو أمر قادة الأجهزة الأمنية بالعودة إلى «سياسة الاغتيالات»، وهو الأمر الذي لطالما دعا إليه بن غفير.
وفي المقابل، حملت الرئاسة الفلسطينية الحكومة الإسرائيلية المسؤولية الكاملة عن هذا «التصعيد الخطير» الذي يجر المنطقة الى مربع العنف والتوتر وعدم الاستقرار، محذرة، في بيان، الإدارة الأميركية من السماح لسلطات الاحتلال الإسرائيلي بالتمادي في جرائمها المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني، خصوصاً بحق الأطفال والنساء والمقدسات.
بدوره قال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية إن المجزرة المروعة التي ارتكبتها سلطات الاحتلال هي إرهاب دولة منظم وترجمة عملية لعقيدة القتل والحرق والإبادة الجماعية.
من جهتها، أعربت وزارة الخارجية الكويتية عن إدانة الكويت واستنكارها لهذا العدوان الغاشم على قطاع غزة واقتحام مدينة نابلس، مؤكدة رفضها المطلق لهذا التصعيد الخطير والاعتداءات المتكررة التي تشكل استمراراً لسلسلة الجرائم التى تقوم بها قوات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني الشقيق، وانتهاكاً سافراً للقانون الدولي الإنساني.
وجددت «الخارجية»، في بيان، دعوتها للمجتمع الدولي ومجلس الأمن إلى ضرورة تحمل مسؤولياتهما والتحرك الفوري لوقف تلك الاعتداءات والعمل على توفير الحماية المدنية والقانونية الكاملة للشعب الفلسطيني الشقيق، وفق ميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي.
ووسط إدانات دولية واسعة، لمقتل الأطفال والنساء والمدنيين في الهجوم، علمت «الجريدة» من مصادر مصرية مطلعة، أن القاهرة غاضبة وتدرس وقف اتصالاتها المباشرة مع تل أبيب.
وأوضحت المصادر أن حالة الغضب المصري جاءت بعد تحذيرات أطلقتها لمسؤولي تل أبيب من استهداف قيادات الفصائل، خصوصاً بعد نجاح وساطة القاهرة في إقرار الهدنة عقب المواجهة التي اندلعت إثر وفاة الأسير خضر عدنان داخل السجون الإسرائيلية، 2 الجاري، كما دانت وزارة الخارجية المصرية الهجوم، وانتقدت تضارب مواقف الوزراء داخل حكومة نتنياهو التي «تنسف جهود التهدئة وتهدد بجر الفصائل إلى حرب شاملة».
من جهتها، دانت جامعة الدول العربية بـ «أشد العبارات» عدوان الاحتلال الإسرائيلي على أبناء الشعب الفلسطيني، واصفة هجومها بأنه «جريمة نكراء».
ودعت الجامعة، في بيان أمس، المجتمع الدولي، لاسيما مجلس الأمن، إلى التدخل الفوري لوقف الاعتداءات الإسرائيلية وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني وملاحقة مرتكبي الجرائم الإسرائيلية.
كما دان الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية جاسم البديوي هذا التصعيد، معرباً عن استنكاره الشديد لأعمال العنف التي تعد انتهاكا صارخا من سلطات الاحتلال.
ودعا البديوي المجتمع الدولي إلى الاضطلاع بمسؤولياته لإنهاء الاحتلال الاسرائيلي ووقف ممارساته العدوانية، التي من شأنها عرقلة مسارات الحلول السياسية القائمة على مبادرة السلام العربية وتقويض جهود السلام الدولية.
في تفاصيل الخبر:
بعد نحو أسبوع من رشقة صاروخية أطلقتها الحركة الفلسطينية انتقاماً لوفاة المتحدث باسمها خضر عدنان، في سجن إسرائيلي، وردّت عليها الدولة العبرية بضربات محدودة توقّفت عقب التوصل إلى تفاهم لوقف إطلاق النار بوساطة إقليمية، سقط 3 من أبرز قادة «الجهاد الإسلامي» في قطاع غزة، بسلسلة غارات جوية إسرائيلية شاركت بها 40 مقاتلة، وبتنسيق استخباراتي مع جهاز الشاباك.
وأسفرت الغارات التي أطلق عليها الجيش الإسرائيلي اسم «درع وسهم» عن مقتل قادة «المجلس العسكري» للحركة، جهاد شاكر الغنام وخليل صلاح البهتيني وطارق عزالدين، فيما أبلغت وزارة الصحة في غزة عن 13 حالة وفاة، بينهم 4 نساء و4 أطفال، إضافة إلى إصابة 20 شخصا بينهم حالات حرجة.
وتزامنت الهجمات الجوية بغزة مع عملية عسكرية واسعة شنّتها قوات إسرائيلية بمدينة نابلس في الضفة الغربية المحتلة من عدة محاور، ودارت مواجهات في مناطق رأس العين والمخفية وشارع تل، وداخل البلدة القديمة.
وقال الجيش الإسرائيلي إن قواته اعتقلت 8 مطلوبين، فيما أفادت مصادر بإصابة 12 فلسطينيا بالرصاص الحيّ خلال المواجهات.
وعقب ذلك، عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، جلسة مشاورات مع وزير الدفاع ورئيس الأركان و«الشاباك» ومسؤولين أمنيين آخرين لتقييم الوضع الأمني.
وذكرت «القناة 13» العبرية أن نتنياهو وجّه أجهزة الأمن بالعودة إلى «سياسة الاغتيالات»، لكنّ هيئة البث الإسرائيلية نقلت عن مصدر سياسي رفيع القول إنه يجب الاستعداد لـ «عدة أيام من المعارك، وفقاً للتقييمات الأمنية» التي رهنت حدوث تصعيد كبير باحتمال مشاركة حركة حماس المسيطرة على غزة في الرد من عدمه.
وفي تطوّر لافت، رحب وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير بالعملية ووصفها بـ «البداية الجيدة، وأعلن استئناف حضوره للجلسات الحكومية، بعد أن قرر مقاطعتها على ضوء استيائه من الرد العسكري الهزيل على إطلاق الصواريخ من جانب غزة الأسبوع الماضي. ودعا بن غفير إلى «تغيير سياسة إسرائيل في قطاع غزة».
وأخذت إسرائيل إجراءات احترازية تحسّباً لردّ غزة، شمل تعطيل الدراسة في بلدات الجنوب، وكذلك وقف حركة القطارات وإغلاق الطرقات القريبة من القطاع، فضلاً عن إغلاق معبَري إيرز وكيرم شالوم.
وصادق وزير الدفاع، يوآف غالانت، على استدعاء مجموعات من قوات الاحتياطي للانضمام إلى الخدمة في الجيش. وقالت وزارة الدفاع الإسرائيلية، في بيان، إن الخطوة «تتزامن مع بداية الحملة العسكرية على غزة».
وفي إشارة أخرى إلى أن إسرائيل تستعد لحدوث تصعيد، قال وزير خارجيتها إيلي كوهين إنه سيختصر زيارته للهند.
في المقابل، توعدت «الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة» إسرائيل. وقالت فصائل المقاومة: «على الاحتلال وقادته الذين بادروا بالعدوان أن يستعدوا لدفع الثمن».
وأكدت «سرايا القدس»، في بيان، أن «الرد الفلسطيني على المجزرة لن يتأخر». وأشارت إلى أن الغنام، الذي يوصف بأنه قائد الجناح الجنوبي للحركة المدعومة من إيران، كان مطلوبا منذ أكثر من 20 عاما، ونجا من 5 محاولات اغتيال سابقة.
من جهته، قال رئيس المكتب السياسي لـ «حماس»، إسماعيل هنية، إن «إسرائيل أخطأت في تقديراتها، وستدفع ثمن جريمة اغتيال قادة الجهاد».
كما دان رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتيه «المجزرة المروعة».
وطالب اشتيه الأمم المتحدة التي تستعد لإحياء الذكرى الـ 75 للنكبة، لأول مرة في تاريخها، بإدانة «العدوان على القطاع والمجازر المتواصلة وتوحيد المعايير في التعامل مع الجرائم التي يرتكبها قادة إسرائيل، وعدم السماح لهم بالإفلات من العقاب».
في غضون ذلك، أكد مصدر من حركة الجهاد لهيئة الإذاعة البريطانية أن «القادة الذين تم اغتيالهم، إضافة إلى عدد من الأعضاء السياسيين، كان يفترض بهم التوجه صباح اليوم إلى القاهرة في زيارة للتباحث مع المسؤولين في المخابرات المصرية»، فيما ذكرت تقارير أن السلطات الإسرائيلية أبلغت مصر بقتل القادة بعد شنّها الغارات. ووفق التقارير العبرية، فإن القادة الثلاثة الذين تم اغتيالهم خرجوا من مخابئ عسكرية لتوديع عائلاتهم من خلال الاعتماد على وعد مصري بأنه لن يحدث لهم مكروه.
وتجلّى الاستياء المصري في بيان إدانة أصدرته وزارة الخارجية، حيث أكدت استنكارها للتصعيد الإسرائيلي بغزة ونابلس، فضلا عن اقتحام مستوطنين للمسجد الأقصى تحت حماية القوات الإسرائيلية.
وقالت «الخارجية» المصرية إن القاهرة ترفض بشكل كامل «تلك الاعتداءات التي تتنافى مع قواعد القانون الدولي، وأحكام الشرعية الدولية، وتؤجج الوضع بشكل قد يخرج عن السيطرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتقوّض من جهود تحقيق التهدئة وخفض التوتر في إطار ما تم التوصل إليه من تفاهمات في اجتماعَي شرم الشيخ والعقبة، بهدف تهيئة المناخ الملائم لإعادة تحريك مسار عملية السلام».
وأوضحت مصادر مطلعة لـ «الجريدة» أن حالة الغضب المصري جاءت بعد تحذيرات أطلقتها لمسؤولي تل أبيب من استهداف قيادات الفصائل، خاصة بعد نجاح وساطة القاهرة في إقرار الهدنة عقب المواجهة التي اندلعت إثر وفاة الأسير خضر عدنان داخل السجون الإسرائيلية، 2 الجاري، بعد تدهور حالته الصحية نتيجة إضرابه الطويل عن الطعام. ورأت المصادر أن التصعيد الإسرائيلي نسف الجهود المصرية، وأشعل الموقف بعد أن أحرجت الجانب المصري أمام الفصائل.
وأشارت المصادر إلى أن القاهرة تدرس كل الخطوات التي يمكن القيام بها لمنع انفجار الموقف، لكنّ المشكلة الرئيسية تكمن في الأداء المتناقض للحكومة الإسرائيلية، وهو ما سيؤدي إلى انفجار الموقف بإجبار الفصائل على رد قد يجرّنا إلى «حرب شاملة»، لافتا إلى أن صانع القرار في القاهرة يدرس تعليقا مؤقتا لوساطته، لحين التزام الجانب الإسرائيلي بتجنّب الاستفزازات.
بدورها، دانت عدة عواصم عربية وإسلامية، في مقدمتها الكويت والجزائر وعمان، العدوان الإسرائيلي وقتل المدنيين. ودعت وزارة الخارجية الأردنية المجتمع الدولي إلى التدخل من أجل وقف التصعيد الإسرائيلي وحماية الشعب الفلسطيني. ولاحقاً، دانت الأمم المتحدة مقتل مدنيين بينهم أطفال ونساء، في الغارات الجوية الإسرائيلية.