يعرّف الشخص الإيجابي بأنه الذي يرى نصف الكأس المليء، ولا يركز على نصفه الفارغ، وقد لاح هذا التعريف في خاطري بمناسبة اطلاعي على عبارات طريفة تعرّف بعض المصطلحات والأشياء والمسلمات بطريقة مختلفة عن تعاريفها التقليدية.

ومن خلال هذه التعاريف تنبهت الى أن رفع الأثقـال «رياضة يمارسها الأقوياء في الملعب ويتمرس عليها الفقراء في الحياة»، وتيقنت أن الاقتصاد بالصرف هو «أن تحرم نفسك من الضروريات حتى يستمتع ورثتك بالكماليات»، وتوقفت عند تعريف الشوق على أنه «معدن نادر يتمدد بالحرارة وينكمش بالبرودة». وقد لفتني نظرة البعض للمقهى على أنه «مكان يجتمع فيه صديقان ليغتابا صديقاً ثالثاً»، ومن ثم هالني تشبيه الحرب الباردة بـ«ابتسامة امرأة لامرأة أخرى»، وأحزنني تعريف المحفظة بـ«بطاقة تعارف يدل حجمها على حجم صاحبها»، وأضحكني تعريف النفـاق بأنه «أداة من أدوات النصب، لا يعترف بها أهل اللغة».

Ad

ولعلّ من أكثر التعاريف دقة وقرباً للواقع تعريف المثل بأنه «خلاصة تجربة قيدت ضد مجهول» وتعريف اللجان وفرق العمل بأنها «وسيلة منظمة لتأجيل إصدار أي قرار»، وأن الشائعة «طائرة أسرع من الصوت»، وأن الزوج الغيور «شخص يضع السم لزوجه في الكأس ومن ثم يشربه»، كما أن الصمت هو «أذكى حوار بين الأصدقاء وأبلغ حديث مع الأغبياء»، وأن المنافق هو «كائن يمدحك في ضجة ويخونك في صمت»!

توقفت عند هذه التعاريف بطرافتها وتأملت عمقها، فتيقنت أن المبدعين كما المقبلين على الحياة يرون الوقائع من زوايا أخرى فيها الكثير من الإيجابية والتفاؤل والتفكير العميق، فلولا تأمل «اسحق نيوتن» سقوط التفاحة من الشجرة لبقي البشر يرون سقوط الأشياء إلى الأسفل ظاهرة طبيعية عادية ولما عرفنا الى يومنا هذا مصطلح «الجاذبية» وأبعادها العلمية!

الحياة بما فيها من نجاحات وإخفاقات والكون بما يكتنزه من أسرار وأخبار يستحقان التأمل والتدبّر الإيجابيين، مما يثير في دواخلنا محفزات التفكير خارج الصندوق متخطين النظرة التقليدية للأمور، فعندما نعرّف «الابتسامة» بأنها «أقدم وأسرع طريقة للتواصل عرفتها البشرية»، نؤكد أننا خرجنا عن مسار التعريف المتوقع والتقليدي لحركة شفاه طبيعية ما زالت موجودة في إيماءات وجوهنا منذ خلق آدم عليه السلام الى يومنا الحاضر، وبتعريف الحب على أنه «مدرسة تحفّز المرأة على تصفيف شعرها وتجبر الرجل على تصفيف مشاعره» فإن ذلك يمثل وجهاً آخر لشعور إنساني يختلف البشر في تعريفه وفي تلمس إحساسه والتعبير عن مكنوناته.

بمجرد تحويل نظرتنا الى كل ما يحيط بنا وترويض أفكارنا على الخروج عن الأساليب والأهداف النمطية، فإن المسارات التي اعتدنا عليها لتحقيق طموحاتنا قد تتبدل وقد تتغيّر وقد يستعاض عنها بمسارات وأهداف وطموحات أخرى، هي أقرب في حقيقتها الى تركيبتنا الداخلية مما عودنا أنفسنا عليه طوال حياتنا.

إن التفكير المختلف يؤدي حتماً إلى تفسير مختلف، فيرى عندها «تقدم العمر على أنه تراكم الخبرات»، وينظر للفشل على أنه «النجاح المؤجل بطريقة غير مريحة»، ويعرّف الإبداع على أنه «روح الشباب في جسد الشيخوخة، والألفة بين العقل والقلب لتوليد فكرة جديدة ورؤية العالم بطريقة مختلفة، وهو القدرة على إيجاد قيمة لكل ما يبدو عادياً».

بصفة عامة، يمكننا أن نرى الحياة من زوايا مختلفة، وكل زاوية تعكس تجربتنا الفريدة والشخصية للحياة، ومن المهم أن نتذكر أن الحياة ليست دائماً سهلة، ولكنها تستحق العيش والاستمتاع بها والتفكير الإبداعي في تفاصيلها، فالعاقل الفطين هو كل من يسعى دائما إلى التعلم وتنمية الذات والمجتمع، فلا يتوقف عند ما حققه ولا يستسلم لأي فشل، فلا يفوّت فرصة تتيح له الوقوف من جديد والاستزادة من العلم وتحقيق المزيد من النجاحات والإنجازات.

***

وبالمناسبة أطرح فكرة قد يتلقفها أي من المختصين أو الجهات المهتمة ومفادها الاجتهاد في إعداد موسوعة للأفكار والتعاريف والطروحات التي تخرج من قوقعة صندوق التفكير النمطي، وقد تشكل للغرض لجنة من المتخصصين في كل المجالات والعلوم اللغوية والتقنية والإنسانية لتقييم ما قد يصل اليهم من مبادرات مختلفة أو يتحصلون عليه بالبحث من عناصر تصلح لإضافتها الى الموسوعة، فيجري التدقيق في فرادتها واختلافها وبحقوق ملكيتها ويقومون بتصنيفها تصنيفاً مفيداً للمبدعين الذين قد يستفيدون من التأسيس عليها للانطلاق من خلالها الى أفكار خلاّقة وتجارب مبدعة ومشاريع تطويرية.

الموسوعة المقترحة ليست مجرد معجم لغوي يشتمل على بعض التعاريف المميزة والطريفة- وهذا ما قد يكون موجوداً ولو جزئياً في بعض المؤلفات- بل تتعدى ذلك لتشمل، بالإضافة الى ما ذكر من تعاريف، كل ما يتاح جمعه من مشاريع ومبادرات وأفكار إبداعية في المجالات الهندسية والصناعية والطبية والفيزيائية والكيميائية وحتى في المجالات الحرفية كالنجارة والحدادة والصناعات اليديوية، مروراً بالأفكار والاجتهادات الخاصة بالعلوم الإنسانية وغيرها من التصنيفات التي يمكن للجنة المقترحة ترتيبها وشرحها والتوسع في التفاصيل المتصلة بها وبصاحبها تحت عناوين عريضة محددة وخانات مختلفة.

وكم هو جميل أن تستحوذ هذه الموسوعة على كمّ كاف من الأفكار والمشاريع والابتكارات العربية بما يعفي القيمين على إعدادها من مشقة البحث في إبداعات الشعوب والمجتمعات والحضارات الأخرى.

* كاتب ومستشار قانوني.