لا تزال الأسواق المالية في حالة تقلب مستمر منذ شهور، بفعل التضخم المستمر والقلق بشأن الركود، في وقت تحاول باستمرار توقع الخطوة التالية للاحتياطي الفدرالي.

وكل ذلك يعني أن المستثمرين ربما يتجاهلون نتيجة أكثر خطورة بكثير للمعطيات الحالية وهي «الركود التضخمي»، فمن شأن هذا المزيج من التباطؤ الاقتصادي المصحوب بتضخم مستمر، تحطيم آمال الأسواق في إنهاء دورة التشديد النقدي.

وحتى ما يسميه بعض الاقتصاديين «الركود التضخمي الخفيف»، يمثل خلفية اقتصادية كلية مزعجة لمديري الصناديق الذين ما زالوا يداوون جراحهم من انتكاسات الأسهم والسندات في عام 2022. التعاطي مع الركود التضخمي
Ad


والأمثلة التاريخية على الاقتصاد الغارق في الركود التضخمي محدودة، لذلك لا يوجد الكثير من الأدلة الاستثمارية التي يمكن الاستناد إليها خلال هذا النوع من الاقتصاد.

وبالنسبة للعديد من مديري الصناديق، تشمل التداولات المفضلة خلال هذا الوقت، السندات عالية الجودة والذهب وأسهم الشركات القادرة على الحفاظ على قوتها ومواجهة التباطؤ الاقتصادي.

وقالت «كيلي وود» مديرة الأصول في شركة «شرودرز»: «هذا العام يجب أن يشهد شيئًا مثل الركود التضخمي، إلى أن يتغير شيء ما ويضطر الاحتياطي الفدرالي إلى خفض أسعار الفائدة».

وأضافت «وود»: «ما زلنا نعتقد أن السندات ستكون فئة الأصول البارزة لعام 2023، فالبيئة التي يُنتظر من خلالها تغير الأشياء فجأة، هي بيئة ضعيفة للأصول الخطرة وبيئة جيدة للكسب من الدخل الثابت».

ونما الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة بمعدل سنوي قدره 1.1% في الربع الأول، لكنه أقل من الربع الرابع من العام الماضي والبالغ 2.6%، فيما بلغ التضخم الأساسي 4.9% في الربع الأول.

وهذه الضغوط التضخمية المستمرة كانت سببًا مقنعًا لصانعي السياسة كي يرفعوا أسعار الفائدة مرة أخرى في الثالث من مايو الجاري، بالرغم من الأزمة المصرفية الأخيرة التي أدت إلى تشديد شروط الائتمان.

علامات الاضطراب القادم

وفي السيناريو الأساسي لتوقعات «بلومبرغ إيكونوميكس»، سيتوقف الاحتياطي الفدرالي فترة طويلة بعد الزيادة الأخيرة للفائدة، لكن يحذر الاقتصاديون من تزايد المخاطر التي تستدعي بذل البنك المركزي المزيد من الجهد.

وشهدت السندات موجة بيعية قبل قرار الفدرالي الأخير بيومين بعد أن ارتفع مقياس التضخم في قطاع التصنيع أكثر من المتوقع، وأدى ذلك إلى ارتفاع عائدات السندات لأجل 10 سنوات بمقدار 15 نقطة أساس، وهي أكبر وتيرة منذ مارس.

وتقول «آنا وونغ» كبيرة الاقتصاديين الأميركيين في «بلومبرغ إيكونوميكس»، إن الركود التضخمي المحتمل حدوثه نهاية هذا العام، قد يدفع النمو بين صفر و1%، مع تضخم أعلى من 3%.

وفي الوقت نفسه، يظل منحنى العائد مقلوبًا بشدة (وهو مؤشر تاريخي على حدوث الركود)، حيث بلغت عائدات سندات الخزانة لأجل 10 سنوات 3.5% بفارق 61 نقطة أساس أقل عن السندات لأجل سنتين.

ومع ذلك، فإن المنحنى يتحرك نحو وضعه الطبيعي من جديد، وقلص الفجوة منذ وصول الفارق إلى 111 نقطة أساس في الثامن من مارس (وهذا أعمق انعكاس له منذ أوائل الثمانينيات)، وسط تكهنات بأن الفدرالي سيخفض الفائدة بسبب اضطرابات البنوك والخوف من الركود.

وتراهن صناديق التحوط بشكل متزايد ضد الأسهم الأميركية، اعتقادًا منها أن سوق الأسهم أساء التصرف في عملية التسعير بعد بداية قوية لهذا العام، كما أنها تراهن بشكل كبير ضد سندات الخزانة العشرية. ماذا يقول التاريخ؟

يقول «ماثيو ماكلينان» محلل الأسواق العالمية في «فيرست إيجل» لإدارة الأصول، إن 15% من المحافظ العالمية للشركة تتشكل من مزيج من سبائك وأسهم شركات الذهب، كتحوط محتمل ضد التضخم وضعف الدولار واحتمال وقوع «ضائقة واسعة النطاق» في الأسواق.

ووفقًا لـ«ماكلينان» يوفر الذهب المرونة للمحافظ الاستثمارية، قائلًا إن الشركات التي تتحكم في الأصول الحقيقية النادرة، أو لديها حصص راسخة في السوق، هي التي ستكون قادرة على توليد المزيد من التدفق النقدي في دورة الهبوط.

وأثناء الركود التضخمي في الاقتصاد الأميركي خلال السبعينيات وأوائل الثمانينيات، تضاعفت قيمة المعدن ثلاث مرات عندما اتجه معدل ارتفاع أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة نحو الذروة عند 15% تقريبًا في أواخر السبعينيات.

وحققت سندات الخزانة الأميركية بالقيمة الاسمية عائدات بلغت 50% خلال تلك الفترة، وفقًا لمؤشر «بلومبرغ» الذي يعود تاريخه إلى عام 1973، حيث عززت معدلات الفائدة المرتفعة تدفقات الدخل الثابت.

وكان أداء المواد الخام الأولية جيدًا، وقفز مؤشر السلع الأساسية لـ»بلومبرغ» بأكثر من سبعة أضعاف بين نهاية عام 1970 وديسمبر 1980، فيما بلغ إجمالي العائد على مؤشر «فوتسي ناريت» للعقارات نحو 188% بين عامي 1971 و1980.

ومع ذلك، ونظرًا لأن الظروف تختلف كثيرًا الآن عن السبعينيات (بما في ذلك نظام أسعار الصرف الثابتة قديمًا) فمن الخطورة توقع أن تعمل الأسواق بنفس الطريقة تمامًا، رغم أنه قد يكون هناك أصداء لما حدث في تلك الحقبة.

ويقول «مايكل كيلي» مدير المحافظ متعددة الأصول لدى «بينج بريدج»، إنه يستعد للركود حتى مع استمرار التضخم المرتفع، حيث يقلل من حصة الأسهم الأميركية في محافظه ويشتري ديونًا أميركية عالية الجودة، ويفضل الأسواق الناشئة.

«بلومبرغ»