«ثعلب ثعلب»... صراع بين حيوانات وكائنات مائية!
مستويان للتلقي في أحدث روايات المصري أحمد شبلول
يفاجئنا الأديب المصري أحمد شبلول بأجواء شائقة مغايرة للمألوف في روايته الجديدة «ثعلب ثعلب»، مازجاً الواقع بالخيال، ومستخدماً الحيوانات والكائنات المائية لرصد صراع من نوع مختلف تدور رحاه في مدينة الإسكندرية الساحلية، عبر مستويين مختلفين للتلقي، وهو ما جعل الرواية تحظى باهتمام كبير من جانب النقاد، وإشادة بالغة من جمهور القراء فور صدورها في القاهرة قبل أيام.
سقط الفيلم الثاني لهدى إسماعيل وعمر ياسين رغم النجاح الكبير الذي حققه الفيلم الأول، والإشادة العالمية التي حصل عليها في العديد من المهرجانات السينمائية. وأدى هذا السقوط إلى أن يبيع البطلان شقتهما الكبيرة الواسعة، لينتقلا إلى شقة صغيرة الحجم في عمارة قديمة تطل على البحر بالإسكندرية.
كانت هدى تفتح شباكها على مصراعيه بعد الفجر، فتستنشق اليود الخام قبل الزحام، وتصلي ركعتين لله، لولا هذا الإيمان لكانت انهارت، إثر سقوط الفيلم الثاني وقسوة النقاد والجمهور، ما أدى إلى اعتزالها وعودة زوجها عمر إلى وظيفته التي كان قد استقال منها بعد نجاح الفيلم الأول.
تحت الشرفة ثعلب!
وذات صباح شمَّت رائحة ذكية تهب عليها من الشارع، وعندما أطلت من الشرفة وجدت أن هذه الرائحة تأتي من ثعلب يقف أسفل العمارة، ويتطلع إلى شرفتها، فأهملته في بادئ الأمر، لكنه أصر على الوقوف كل صباح في مكانه، فأرادت أن تعرف حكاية هذا الثعلب، ولماذا يقف كل صباح تحت شرفتها.
اكتشفت هدى أن هذا الثعلب هو وزير المستوطنات في مملكة الملك النمر، وأنه يعد العدة للاستيلاء على الأراضي والشواطئ والبحار الواقعة بين منطقة بئر مسعود بحي سيدي بشر، وحديقة المنتزة التي تملكها أمُّ الماء.
تحكي هدى لزوجها عُمر قصة الثعلب، بعد أن كادت تُفتن به وبذكائه وتعلق صور الثعالب على حيطان المنزل، بل وصل الأمر إلى أنها أرادت أن تربي ثعلباً في بيتها على غرار تربية الكلاب والقطط، فاتهمها زوجها بأن تأثير سقوط الفيلم وعدم إنجابها للأطفال أخذها إلى مناطق بعيدة في التفكير، لكنها تؤكد عكس ذلك، فخطرت فكرة أن يعزم عمر هذا الثعلب على العشاء في منزلهما، ليتعرف إليه ويعرف أفكاره عن قُرب.
ويقبل الثعلب العزومة على الفور، ويُحضر هدية ثمينة لهدى عبارة عن فراء ثعلب يشبه الفراء الذي كانت ترتديه الممثلة الأميركية مارلين مونرو في إحدى صورها. ويخيَّل لعمر أنه شاهد هذا الثعلب من قبل، لكنه لا يتذكر أين.
وقُرب نهاية الرواية يكتشف عمر أن هذا الثعلب هو الذي شاهده في صورة إنسية في أحد المهرجانات السينمائية، وتحدثا معاً، وأعلن الثعلب وقتها رغبته في التعاون لإنتاج فيلم مشترك بينهما، وعندما رفض عمر التعاون معه، جحظت عيناه وأصابعه، ومضى غاضباً. ويبدو أنه جاء إلى الإسكندرية لينتقم من عمر ويدمره.
صراع في الإسكندرية
هذا مستوى من مستويات التلقي لرواية «ثعلب ثعلب» للشاعر والروائي أحمد شبلول، التي صدرت أخيراً عن دار غراب للنشر والتوزيع في القاهرة، وجاءت في 322 صفحة. بينما المستوى الآخر من التلقي، أن هذه الرواية تتناول الصراع بين كائنات حيوانية وأخرى مائية، على مساحة أرضية ومائية تقع في مدينة الإسكندرية الساحلية بين منطقة ميامي، حيث يوجد بئر مسعود وقصر «أم الماء» تحت البحر، ومنطقة المنتزة، حيث يوجد وكر الثعلب الوزير بجانب فندق فلسطين، ويتدخل الإنسان لمحاولة التوفيق بين تلك الكائنات، وإحلال السلام بينها، ويكتشف هذا الإنسان أن الثعلب هو المعتدي، ويريد احتلال الأرض والماء بقوة، ويؤكد لهما أنهما يعيشان على أرض مصرية، وينبغي احترام قوانين تلك الأرض وأصحابها الذين لن يسمحوا بإقامة دولة داخل الدولة مهما كان وضعها المائي أو الأرضي.
لقد قرأنا من قبل عن الصراع بين الإنسان والحيوان، كما قرأنا عن الصراع بين الإنسان وكائنات في البحار. لكن شبلول – في المستوى الثاني من التلقي - يتناول في روايته صراعاً جديداً بين المخلوقات، هو الصراع بين الكائنات الحيوانية بزعامة الثعلب الوزير، والكائنات المائية بزعامة «أم الماء».
بؤرة الصراع
وقد أهدى شبلول روايته إلى حفيده مالك وحفيدته كندة، وأضاف كلمة «فَلْتَعْلَمَا» إلى الإهداء الذي أعقبته آية قرآنية هي «ويخلق ما لا تعلمون»، لنستشف من ذلك أن الرواية تحمل مداخل كثيرة للتأويل، وأن هذا «الثعلب» الذي تدور حوله الرواية هو بؤرة الصراع في العمل، ويبدو أن هذا الثعلب يعرف الكثير والكثير، ويوظف هذه المعرفة في خدمة أغراضه الاستيطانية والتوسعية التي تُجابه بالرفض والإنكار من جانب أهل الماء في الإسكندرية، وهي المدينة التي تدور فيها أغلب أعمال شبلول الروائية والشعرية.
ويظهر وزير الداخلية ومحافظ الإسكندرية ومدير مديرية الأمن بها، لحل القضايا الشائكة والعالقة بين الثعلب وأم الماء، بمعاونة عمر ياسين وزوجته هدى إسماعيل، وهما بطلا الجزء الأول (الماء العاشق) في هذه الثنائية الروائية الجديدة.
يُشار إلى أن الكاتب أحمد شبلول، عضو مجلس إدارة اتحاد كتاب مصر ورئيس لجنة الجوائز، وعضو لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة، وحصل على جائزة الدولة التشجيعية في الآداب (2007)، وجائزة الدولة للتفوق في الآداب (2019). وقد اتجه لكتابة الرواية أخيراً، وله سبع روايات، هي: «رئيس التحرير»، و«الماء العاشق»، و«اللون العاشق»، و«الحجر العاشق»، و«الليلة الأخيرة في حياة محمود سعيد» التي تُرجمت إلى اللغة الفرنسية وصدرت عن دار نشر لارماتان في باريس (2022)، و«الليلة الأخيرة في حياة نجيب محفوظ» وتُرجمت إلى اللغة الإنكليزية وصدرت في كندا عن دار نشر الحاضرون (2023). وأخيراً «ثعلب ثعلب».