بقايا خيال: حمار طروادة... وطريق الفحيحيل
«إما أن يموت الملك، أو أنا، أو يفطس الحمار»، مقولة يرددها من يواجه معوقات تجعل تنفيذ مهمته صعبة، وتفاصيل حكايتها أن ملكاً كان يصدر أحكاماً بإعدام الحمير التي تدخل بستانه وتتلف النباتات والخضراوات، ولما كثر تذمر الفلاحين من أحكام الملك، تقدم أحد الوزراء إلى الملك باقتراح يتمثل بجلب مدرس لتدريب حمير القرية المتهمة «بإفساد» بستان الملك، وتعليمهم أصول الإيتيكيت وبروتوكول التعامل مع ممتلكات الآخر، فوافق الملك على المقترح الذي أخذ صفة الاستعجال، وقابل المعلم الذي اشترط على الملك أن يمنحه «14 سنة» لتخريج الدفعة الأولى من حمير الإتيكيت، وقصراً يعيش فيه مع الطلبة الحمير، و1.3 مليار دينار نفقات التدريب، يتسلم منها 300 مليون (مقدم) وبقية التكلفة في نهاية المشروع، «إذا حجت البقر على قرونها»، فوافق الملك على «المناقصة الفردية»، محذراً المدرس بأنه سيقطع رقبته إذا فشل في مهمته هذه.
علم أهل الديرة بمناقصة «مدرس الحمير» الذي سيقوم بتعليمها أصول القواعد الملكية، وبدأوا يتساءلون عن كيفية تدريب بهايم، وأسباب إطالة مدة التدريب لـ14 سنة، ولما علمت زوجة المدرس بالمقترح الانتحاري لزوجها سألته بنفسها، فقال لها: ولم لا؟ فأنا سأتسلم 300 مليون دينار (مقدم) تكفيني العمر كله، وبعد 14 سنة من اليوم «يحلها ألف حلَّال»، فمن يدري، إما أن يموت الملك أو تفطس الحمير أو أن أموت أنا وترثين أنت وأولادك الـ300 مليون، فذهبت المقولة مثلاً تردده الألسن، ولهذا، وحتى هذه اللحظة لم يستوعب كل من قرأ قصة تنفيذ مشروع طريق الفحيحيل السريع الأعجوبة، الذي يبلغ طوله 125 كم فقط، ويعد قصيراً مقارنة بطرق سريعة تمتد مئات الكيلومترات، أسباب طول مدة التنفيذ، ولم يفهموا تكلفته العالية (أكثر من 4 مليارات دولار)، لأن الكويت لا تعاني الزلازل ولا الأعاصير، ولا تتميز بجبال شاهقة ولا وديان سحيقة ولا أنهار وشلالات تعوق انسيابية تنفيذ أي مشروع بنية تحتية، لتتجاوز تكلفتها المليار دينار، فما بالك لو أخذنا بعين الاعتبار دور الأوامر التغييرية التي ستطيل مدة التنفيذ وتزيد تكاليفها الفلكية؟
طريق كاراكورام السريع الممتد بين الصين وباكستان، يعد ثامن عجائب الدنيا، لأنه أعلى طريق سريع في العالم، ويمر عبر سلسلة جبال كاراكورام المتاخمة لسلسلة جبال الهيمالايا الوعرة، يبلغ طوله 1300 كيلومتر (أي أكثر من 10 أضعاف طريق الفحيحيل السريع)، وتكلفته 70 مليار دولار أميركي (أي ما يعادل 540 ألف دولار لكل كيلومتر)، في حين تكلفة طريق الفحيحيل السريع الجديد للكيلومتر الواحد يفوق 34 مليون دولار أميركي، مع فارق التضاريس الوعرة في الشمال الشرقي لباكستان القريبة من الحدود الهندية الصينية، والتي زرتها بنفسي في صيف 2007.
لهذا أتساءل: هل الأرقام التي تداولتها وسائل الإعلام حول مشروع طريق الفحيحيل السريع فيها أخطاء مطبعية سواء ما تعلق بمدة التنفيذ أو بالتكلفة الإجمالية؟ أم أن من طبع مسودة اتفاقية المشروع أضاف أصفاراً بالخطأ؟ أم أن منفذ المشروع يرغب في تسجيل اسمه وأرقامه الفلكية في كتاب غينيس للأرقام القياسية؟ أم أننا نحن الأغبياء لا نفهم في المشاريع الإنشائية؟ أم أن «الجماعة مستانسين على قهر المواطن»؟ لا أدري.