دُعي 60 مليوناً و697 ألفاً و843 ناخباً تركيا، منهم 4 ملايين و904 آلاف و672 يصوتون لأول مرة، للإدلاء بأصواتهم اليوم، لاختيار رئيس وبرلمان جديدين لمدة 5 سنوات، في انتخابات وُصفت بأنها الأهم منذ قيام الجمهورية قبل 100 عام، والتي تشكّل أقوى اختبار للرئيس المحافظ رجب طيب إردوغان وحزبه الإسلامي الحاكم منذ 20 عاماً.

وعشيّة دخول البلاد في الصمت الانتخابي، تعهّد إردوغان باحترام النتيجة ونقل السلطة بسلاسة، في حال خسر منصبه لمصلحة منافسه العلماني كمال كليشدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري (قومي يساري) المرشح الموحد لـ 6 أحزاب معارضة والمدعوم من حزب الشعوب الديموقراطية الموالي للأكراد.

Ad

وعشية الاقتراع، الذي وضع مسيرته الممتدة لعقدين على المحكّ، بدد الرئيس التركي المخاوف من أنه ربما لن يغادر السلطة، بتعهُّده بقبول نتيجة الانتخابات والاستقالة إذا خسرها.

ورد إردوغان، في لقاء متلفز مساء أمس الأول، على سؤال حول ما إذا كان سيتشبّث بالحكم، قائلاً: «سؤال سخيف جداً، إننا نصل إلى السلطة من خلال وسائل ديموقراطية بتركيا، وإذا قررت أمتنا خلاف ذلك، سوف أفعل ما تتطلبه الديموقراطية، لا يوجد شيء آخر لأفعله».

وأضاف إردوغان أن حزبه «سيحترم أي نتائج تأتي من صندوق الاقتراع، وإذا كانت المعارضة تهتم بسلامة الانتخابات، يتعيّن عليها مراقبة جميع مراكز الاقتراع وضمان السلامة، تماماً كما يفعل أعضاء حزبه».

وتابع: «لا يمكن المساومة على إرادة الأمة»، مشدداً على أنه يعتقد أنه ستتم إعادة انتخابه لولاية أخرى، إضافة إلى تأمين أغلبية برلمانية.

وفي تأكيد على موقفه الصعب، حذّر إردوغان، أمس الأول، مؤيديه من أنهم قد يدفعون «ثمناً باهظاً» في حال صعود منافسه العلماني إلى السلطة.

وناشد أنصاره في تجمُّع بإسطنبول بـ «سحق صناديق الاقتراع»، متهماً الغرب بتمويل منافسيه في محاولة لتقويض سيادة تركيا وفرض رؤيتها على شعبها».

وأقر إردوغان بأنه يواجه صعوبة في استمالة القاعدة الناخبة من الشباب الذين لا يتذكرون الفساد والفوضى الاقتصادية التي كانت سائدة في ظل الحكومات العلمانية بتركيا في التسعينيات. وقال: «هناك جيل في بلادنا لم يعايش أيّاً من المشكلات التي عايشناها».

وكشف إردوغان عن خطوته الأولى بعد الانتخابات، قائلاً: «بعد فوزي مباشرة، سأزور الدول الصديقة، مثل أذربيجان وقبرص التركية وبعض دول الخليج».

وأضاف: «سأعمل على تسريع إعادة بناء المناطق المتضررة من الزلزال»، وأكد أن تكلفة الزلزال على اقتصاد تركيا تزيد على 100 مليار دولار.

تدخّل بوتين

ودافع الرئيس التركي عن نظيره وصديقه الروسي فلاديمير بوتين، رافضاً اتهامات منافسه كليشدار أوغلو له بالتدخل في الانتخابات.

وقال إردوغان: «السيد كمال يهاجم بوتين. ولكن عذراً منك، لا يمكنني قبول ذلك، فعلاقاتنا مع روسيا لا تقل أهمية عن العلاقات مع الولايات المتحدة، بل إن حجم التجارة التركية مع روسيا أعلى من حجم التجارة مع الولايات المتحدة».

وأكد أن كليشدار أوغلو كرّر ما قاله الرئيس الأميركي جو بايدن قبل أن يصل إلى البيت الأبيض، بأنه «يجب هزيمة إردوغان». وأضاف: «ولكنك (كليشدار أوغلو) عاجز ومثير للشفقة، لأنه عندما قال بايدن ذلك، هل سألته أنا لماذا قال تلك المقالة؟ لا، لم أفعل، بينما كنت أنا على معرفة ببايدن قبلك بوقت طويل، وكان بيننا لقاءات عائلية».

ولليوم الثاني، جدد كليشدار أوغلو اتهامه لروسيا بالتدخل في الشؤون الداخلية التركية بشكل غير مقبول، مؤكداً أن حزبه يملك أدلة ملموسة على تورّطها في نشر محتوى مضلل على الإنترنت باستخدام تكنولوجيا يُطلق عليها «التزييف العميق».

وبعد ساعات من إعلان مرشح حزب «البلد» المعارض، محرم إنجه انسحابه من السباق، وإشارته إلى عملية «اغتيال معنوي» عبر الإنترنت، اتهم كليشدار أوغلو، الخميس، روسيا بنشر محتوى بتقنية «التزييف العميق» ومعلومات مضللة أخرى تهدف إلى التأثير على نتيجة الانتخابات. ونفى «الكرملين» - بشدة - هذا الاتهام، ووقف إردوغان في صف بوتين.

وكتب كليشدار أوغلو على «تويتر»: «الروس الأعزاء، أنتم وراء المونتاج والمؤامرات والمحتوى المزيف والأشرطة التي تم الكشف عنها أمس، وإذا كنتم تريدون أن تستمر صداقتنا بعد 15 مايو، ارفعوا يدكم عن الدولة التركية، نحن ما زلنا نؤيد التعاون والصداقة».

تراجع إردوغان

وفي حين يحاول إردوغان حشد أنصاره القوميين والدينيين المتشددين لإنقاذ مسيرته، التي باتت على المحك، تُظهر استطلاعات الرأي أن منافسه كليشدار أوغلو يتقدّم عليه، وأنه على وشك تجاوز عتبة 50 بالمئة من الأصوات اللازمة لتجنّب دورة ثانية في 28 الجاري.

ومما ساهم في تعزيز مواقع المعارضة انسحاب إنجه، لكونه كان يمكن أن يضعف فرص كليشدار أوغلو لإلحاق أول هزيمة انتخابية بالرئيس التركي.

وخسر إردوغان تدريجياً دعم شرائح رئيسية التفت حوله خلال العقد أكثر ازدهاراً الذي أعقب وصوله إلى السلطة في 2003.

وتظهر بعض الاستطلاعات أن شريحة الشباب الذين لم يعرفوا رئيساً غير إردوغان في حياتهم، تؤيد كليشدار، إضافة إلى تخلّي الأكراد الذين كانوا يثقون في السابق بجهوده لإنهاء اضطهادهم الثقافي، عنه.

كما أن الأزمة الاقتصادية، الأسوأ في تركيا منذ ربع قرن، والتي تنسب في معظمها إلى آرائه الاقتصادية غير التقليدية، دفعت بمجموعات أخرى إلى فقدان الثقة بإردوغان.

كليشدار مستعد

وألقى كليشدار، الذي أكد حزبه أنه ارتدى سترة واقية من الرصاص في تجمّعين، الجمعة، بسبب وجود تهديد حقيقي على حياته، خطاباً مقتضباً بشكل غير معهود خلال توقفه مساء في أنقرة، حيث انتظره الآلاف تحت المطر الغزير.

وتساءل: «هل أنتم مستعدون لإحلال الديموقراطية في هذا البلد؟ لتحقيق السلام فيه؟ أعدكم، أنا مستعد أيضاً»، مشدداً على أنه «سيحل محل حكم استبدادي».

وأوضح كليشدار أوغلو أن هدفه المباشر بعد الانتخابات سيكون إطلاق عملية تهدف إلى تجريد منصب الرئيس من العديد من السلطات التي ركزّها إردوغان بين يديه بعد الانقلاب الفاشل عام 2016، وإعادة السلطة إلى البرلمان، بعد أن استحوذ عليها عبر استفتاء دستوري مثير للجدل.

وفي مكتبه بأنقرة، شدد كليشدار أوغلو بثقة على أنه «سيحل محلّ حكم استبدادي». وأضاف أنه سيسعى نحو مبادرة سلام أخرى بين روسيا وأوكرانيا، ويجب أن نوضح أننا لا نرى أن من الصواب احتلال دولة لدولة أخرى».

وحين سئل عن احتمال دعمه لتوسّع حلف شمال الأطلسي إذا فاز في الانتخابات، قال كليشدار أوغلو: «بالطبع، وسنحافظ على علاقاتنا معه ضمن الإطار نفسه الذي اتبعناه في الماضي».

واعتبر كليشدار أوغلو أن المشكلة الأساسية للسياسة الخارجية لإردوغان تمثّلت في إقصاء وزارة الخارجية من عملية صنع السياسة، واستئثاره بصنع السياسة بنفسه، مؤكداً أن تركيا ستتبع نهجاً في السياسة الخارجية يستهدف السلام ويعطي الأولوية لمصالحها الوطنية، بما يتماشى مع العالم الحديث.