محزن جداً أن تنشغل الكويت بحالة شوارعها التعيسة، بدلاً من أن تنصبّ أمانيها وجهودها على المستقبل وتحدياته، محزن جداً أن يكون هذا حال وسيلة المواصلات «الوحيدة» في الكويت بعد انقضاء 78 عاماً على إنشاء أول شارع بالكويت عام 1945، محزن أكثر من هذا كله أن تستمر وزارة الأشغال بمكافأة 11 ألف موظف (من أصل 15 ألفاً!) سنوياً لحصولهم على درجة الامتياز! ينبري أحدهم ليجيب: كفاكم سوداوية، فالحكومة الجديدة عاقدة العزم والحزم على طفرة لن تُبقي في الكويت حفرة، وستطمئنكم وزيرة الأشغال بنفسها بمقابلة مصورة على «يوتيوب».
تشاهد المقابلة ذات النصف ساعة، فينتابك الذهول، تشاهدها ثانية، فينتابك الذبول، إن كان هذا تعامل السلطة التنفيذية لملف أضحى «مع الأسف» أحد أهم ملفاتنا، فأيّ مستقبل قاسٍ ينتظرنا؟ لن أشرع في نقد ذلك الحديث الذي لا تخلو كل عبارة منه من حفر ومطبّات فكرية وإدارية شبيهة بواقع زفتنا (أو بواقعنا الزفت)، تتابع ردود الأفعال لتفاجأ بتقدُّم أحد أعضاء اللجنة الاستشارية العليا لإصلاح الطرق باعتذاره المسبب في خمس صفحات، كاشفاً عن مثالب الممارسات الحالية، ومنذراً بعواقبها عملياً ومالياً في شجاعة تُحسب لضميره الوطني بطرح منطقي، ليجبيه أحد المسؤولين بالتهديد والوعيد وباتخاذ الإجراءات القانونية بحقه! وهو سلوك يرتبط عادة بالمسؤولين غير القادرين على المواجهة وتفنيد الحجة بالحجة في «ديجافو» شاهدته شخصياً من قبل.
وفي مشهد أشبه بأفلام المقاولات التي ترمز للرداءة، يتنصل المسؤولون من مسؤولياتهم، قاذفين باللائمة على شركات المقاولات، ومتناسين أنهم هم المسؤولون غير المساءلين كما هو شأن بقية المؤسسات الحكومية التي لا يُجرى عليها مبدأ الإدارة 101 بثواب المنجزين وعقاب العاجزين، ويبشروننا بمجيء الشركات العالمية التي ستُصلح فساد السنين في بضعة شهور، غير مدركين بأن طبيعة الكويت المناخية لا تشبه أياً من تلك الدول، ومتجاهلين أن شوارع الكويت كانت إلى زمن قريب أكثر كفاءة وأقل كلفة على المال العام، سنصدقكم شريطة فك شفرتين، كيف يحصل بشكل سنوي ثلاثة أرباع موظفي وزارة الأشغال على مكافآت الأعمال الممتازة، وهذه حال شوارعنا؟ أما السؤال الثاني الذي طرحناه ونطرحه وسنطرحه وسيطرحنا أرضاً، فهو: كيف لنا أن نصدق أن الأدوات القديمة ستصنع لنا كويتاً جديدة؟!