أقرب مثال على «اللّعب» باستطلاعات الرأي العام، ما حصل في تركيا فأحد الاستطلاعات الكبرى أظهرت تفوق المعارضة وهو ما لم يحصل والذي تم بدعم وتمويل من المعارضة نفسها، توقعت فيه فوز أوغلو بنسبة 49% مقابل 42.4% لإردوغان!

غالباً وفي الدول الديموقراطية توظف تلك الاستطلاعات للتأثير على الناخبين، ومهما يكن من أمر فأصحاب الشركات الذين لهم خبرة في هذا المجال يدعون أنها تتم استناداً لمعايير علمية.

Ad

المصداقية قد لا تكون بالمواصفات أو المعايير إنما بالنتائج التي يتحكم فيها في الغالب من يدفع ثمن فاتورة الاستطلاع، وفي الكويت كانت الاستطلاعات مشكوكاً في توقعاتها في الغالب، وعندما تخرج نتيجة أحد الاستطلاعات مرجحة فوز أحد المرشحين يبادرونك بالسؤال: من يقف بالتمويل وراءه؟

الخبراء يرون أن أقرب الاستطلاعات للواقع تلك التي تجري قبل نحو أسبوع من الحدث، فهي تقيس مزاج الرأي العام بصورة أدق، لكون الناخب معرضاً لتغيير توجهاته، سواء نتيجة البيئة أو الضغوط أو الرشا أو غير ذلك.

صحيح أن علم الإحصاء وضع معايير وشروطاً لا بد من الالتزام بها للحصول على نتائج أقرب للواقع بتمثيلها لنوعية وشمولية العينة وأسلوب إجرائها، لكن العلم شيء والواقع شيء آخر.

تجربة الاستطلاعات في انتخابات مجلس 2022 أظهرت هشاشة تلك الاستطلاعات، وحتى من يقدمون نفسهم بأنهم من «الخبراء والمحللين»، فقد حاولوا توجيه الرأي العام بعيداً عن حقيقته، والجهات الرقابية في الدولة أدركت خطورة بعضها على وسائل التواصل الاجتماعي، واتسمت بعدم الموضوعية في محاولة منها للتأثير على إرادة الناخبين.

وبالرغم من وضع وزارة الإعلام ثلاثة شروط من أجل إجراء الاستطلاع، فإنها بقيت في إطار العموميات، فالحصول على الرخصة مسألة بسيطة، وأن تتصف «بالموضوعية» أمر عائم، وألا تتعرض «للمحظورات» المنصوص عليها في قانون الإعلام الإلكتروني تحصيل حاصل.

وبحسب رأي الأستاذة الجامعية والخبيرة الدكتورة فاطمة السالم فإن المعضلة تكمن في مدى «صدق إجابة المشاركين والتحيز في اختيار العينة أو الشريحة المستهدفة»، فباتت الاستطلاعات اليوم سوقاً رائجة لا سيما في مواسم الانتخابات، وهي «مصدر مالي مهم» للشركات في بلد تتم فيه انتخابات مجلس الأمة كل سنة بمعدل وسطي يزيد أو ينقص.

نتائج الاستطلاعات السابقة تم النظر إليها بأشكال مختلفة، منهم من قرأ نتائجها بأنها كانت جيدة، ومنهم من خالفه الرأي، ويبقى السؤال الملح كما طرحه الناشط السياسي أحمد عبيد، هل يمكن توفير الحياد والدقة في الاستطلاعات؟

يجيب عن السؤال بالشكل التالي: «غالبية شركات الاستطلاعات والصحف والقنوات التلفزيونية تقوم باستطلاعات للرأي حول الانتخابات بعينات صغيرة جداً لا تناسب حجم وعدد الناخبين في الدائرة الانتخابية، فتبني توقعات الفائزين على عينات لا تمثل جميع المواطنين، وهناك تساؤلات تبحث عن إجابات واضحة ودقيقة قبل إجراء هذه الاستطلاعات حول المرشحين في الدوائر الخمس في انتخابات مجلس الأمة 2023، ومن الأسئلة التي يجب تقديم إجابات حولها والتي ستضمن دقة وحيادية الاستطلاعات على سبيل المثال الآتي:

- من الذي أجرى الاستطلاع؟

- من الذي مول الاستطلاع؟

- ما المنهجية التي اتبعتها الجهة المنفذة؟

- كيف اختيرت sample العينة؟

- هل العينة مجموعة جزئية من المجمع وتحوي كل العناصر؟

- هل العينات عشوائية Random samples أم غير عشوائية Non- random samples؟- هل للمشارك في الاستطلاع حق الانتخاب؟

- هل حجم العينة يتناسب وحجم الدائرة الانتخابية؟

- ما وسائل إجراء الاستطلاع وتقنياته؟

- الأسئلة (ترتيبها، الوزن المتكافئ لخيارات الإجابة، حياديتها، عدم تحيزها)؟

- ما هامش الأخطاء الإحصائي والاحتمالات المتوقعة للتأثير على قرار الاختيار؟».

يضيف أحمد عبيد أن استطلاعات الرأي العام محركها المصلحة، والمصلحة انحياز، وفي عالم تحكمه المصلحة والقوة يجب التعامل مع الاستطلاعات كأداة من أدوات الاستغلال والتوظيف السياسي، وذلك من خلال إعادة تشكيل الرأي العام وتوجيهه وضبطه على إيقاع الأغلبية المراد لها الإبقاء على مصالحها الخاصة وتعزيز سيطرتها، سواء عن طريق التأثير المباشر أو غير المباشر أو الاحتواء وإعادة توجيه الرأي العام، وهذا ما يجب منعه حماية لسمعة الكويت ونزاهة انتخاباتها.