تنامت مؤخرًا المخاوف بشأن قدرة سوق العقارات التجارية في أوروبا على التماسك، إذ يتساءل بعض المستثمرين عما إذا كان القطاع سيكون بؤرة الاضطراب التالية وسينهار في أعقاب الاضطرابات المصرفية التي اندلعت في مارس.
ويأتي ذلك بعدما أدت أسعار الفائدة المرتفعة إلى زيادة تكلفة الاقتراض وخفض قيم العقارات، التي حظيت بالهيمنة والقوة في السنوات الأخيرة في ظل انخفاض عائدات السندات.
كما أدى انهيار بنك «سيليكون فالي» الأميركي، والإنقاذ الطارئ لاحقًا لبنك «كريدي سويس» إلى مخاوف من حدوث ما يسمى «حلقة الموت»، إذ يمكن أن تؤدي عمليات سحب الودائع من البنوك إلى انكماش قطاع العقارات.
علامات الضعف
- حذر البنك المركزي الأوروبي في أبريل، من «علامات ضعف واضحة» في قطاع العقارات، مثل انخفاض السيولة في السوق وتصحيحات الأسعار، والتي اعتبرها أسبابًا لعدم اليقين، ودعا إلى قيود على صناديق العقارات التجارية للحد من مخاطر أزمة السيولة.
- في فبراير، سجلت الصناديق الأوروبية المستثمرة مباشرة في العقارات تدفقات خارجة بقيمة 215 مليون دولار، وفقًا لبيانات «مورنينغ ستار»، في تناقض حاد مع التدفقات الداخلة التي بلغت 374 مليون دولار في يناير.
- يتوقع محللو «سيتي غروب» انخفاض الأسهم المرتبطة بالعقارات في أوروبا بنسبة %20 إلى %40 بين عامي 2023 و2024 بسبب ارتفاع الفائدة، وفي أسوأ السيناريوهات، قد ينخفض قطاع العقارات التجارية عالية المخاطر بنسبة %50 بحلول العام المقبل.
- قال «بيير جرامينيا»، المدير العام لآلية الاستقرار المالي الأوروبي: «هناك شيء لا أتغاضى عنه، هو حدوث أزمة عقارات، سواء بالنسبة للأفراد أو في العقارات التجارية، حيث نرى بالفعل ضغوطًا في الولايات المتحدة وأوروبا».
- العقارات المكتبية هي مكون رئيسي في سوق العقارات التجارية، وظهرت مؤخرًا كمحور لمخاوف الانكماش المحتمل، ويرجع ذلك إلى التحولات السريعة نحو أنماط العمل عن بعد أو الأنظمة الهجينة (خليط بين العمل عن بعد والحضور) عقب الجائحة.
التصحيح قادم
- وفقًا لبنك «جولدمان ساكس»، تمثل العقارات التجارية نحو %25 من حجم قروض البنوك الأمريكية، ويرتفع هذا الرقم إلى نحو %65 لدى البنوك الأصغر، التي كانت محور الضغوطات الأخيرة في القطاع المصرفي، ويقارن ذلك بنحو %9 للبنوك الأوروبية.
- وسط حالة عدم اليقين الراهنة، رفعت «كابيتال إيكونوميكس» في مارس توقعاتها لحدوث تصحيح في قطاع العقارات في منطقة اليورو من %12 إلى %20، مشيرة إلى أن أداء العقارات المكتبية سيكون الأسوأ.
- من جانبه، قال «كيران رايشورا» نائب كبير الاقتصاديين العقاريين في «كابيتال إيكونوميكس»: «نرى هذه الضائقة المالية، أو أيًا كان ما تريد وصفها به، كمحفز لتعديل أعمق في القيمة مما كنا نتوقعه سابقًا».
- مع ذلك، فإن المخاطر في أوروبا تظل أقل حدة مما هي عليه في الولايات المتحدة، وقال «بيري فينولاس سيرا» رئيس الرابطة الأوروبية للعقارات، إن الوضع في أوروبا يبدو قويًا بشكل متناقض.
- من بين العوامل المختلفة المؤثرة، كان اتجاه العودة إلى المكاتب أقوى في أوروبا منه في الولايات المتحدة، وكانت معدلات الاستلام أو الإشغال أعلى في القارة العجوز.
هل تحدث عدوى؟
- اعتبارًا من أواخر عام 2022، بلغت معدلات الشواغر في المكاتب الأوروبية نحو %7، أي أقل بكثير من %19 في الولايات المتحدة، وفقًا لشركات الاستشارات العقارية «جيه إل إل»، ويُعتقد أنها انخفضت أكثر الآن.
- قال «جيه بي مورغان» في أواخر مارس إن المخاوف من انتشار الانكماش من الولايات المتحدة إلى أوروبا مبالغ فيها، قائلًا إن توقع انتقال العدوى من سوق العقارات التجارية غير مبرر بالنظر إلى ديناميكيات القطاع المختلفة.
- من جهته قال «ماثيو بوينتون» كبير الاقتصاديين العقاريين في «كابيتال إيكونوميكس»: إن ما يثير القلق بشكل خاص هو تركيز التمويل من المقرضين غير المصرفيين (بنوك الظل) التي عالجت الركود في أعقاب تشديد القواعد التنظيمية على البنوك التقليدية.
- قبل الأزمة المالية العالمية، كانت البنوك الأوروبية التقليدية تقدم قروضًا بنسبة %80 من قيمة المبنى، واليوم، نادرًا ما تتجاوز قيمة القرض %60 من سعر المبنى.
- في غضون ذلك، ستتطلب معايير كفاءة الطاقة من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة استثمارات كبيرة، لا سيما في المباني القديمة، ويمكن أن يتسبب ذلك في تعرض مالكي العقارات لمزيد من الضغط خلال السنوات القادمة.