بينما تسير المفاوضات في الولايات المتحدة الأميركية بين البيت الأبيض و«الكونغرس»، وتحديدا مجلس النواب الذي يسيطر على أغلبيته الحزب الجمهوري بشأن رفع سقف دَين الحكومة الأميركية البالغ 31.4 تريليون دولار، وتفادي تخلّف عن السداد، وصفته وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، بـ «الكارثي»، قبل بداية شهر يونيو المقبل، تتصاعد مخاوف أسواق السلع والأصول العالمية مما ستفضي إليه هذه المفاوضات، حتى مع توقّع إتمام اتفاق على رفع سقف الدّين في نهاية الأمر.
فهذه ليست المرة الأولى التي تتعقد فيها مفاوضات رفع سقف الدين، فقد تكرر هذا الأمر لنحو 18 مرة في تاريخ الولايات المتحدة، منذ أن اعتمد «الكونغرس» عام 1974 قانونا فى عهد الرئيس نيكسون يقرّ أنه حين تعجز الأجهزة التشريعية عن إقرار الموازنة العامة للبلاد توقف مجموعة من الخدمات الممولة من الدولة، الى جانب منح موظفيها إجازة غير مدفوعة الأجر لحين إقرار الموازنة التي تتضمن سقفا معيّنا للدَّين العام الأميركي.
إغلاقات ومخاوف
ومع أن أطول مدد الإغلاق الذي تعرّضت له الحكومة الأميركية كان في ظل رئاسة رئيس من الحزب الديموقراطي، كالرئيس بيل كلينتون، واستمر لـ 21 يوما، ثم الرئيس باراك أوباما، واستمر 17 يوما، وهما ينتميان لنفس حزب الرئيس الحالي جو بايدن، المتوقّع أن تدخل الولايات المتحدة هذه المرة مدة إغلاق غير محددة، فإنّ مسألة المخاوف المترتبة على مخاطر الإغلاق لا تقاس بوقف الخدمات غير الأساسية، كإغلاق الحدائق العامة أو المتاحف أو حتى النقل والمواصلات بمشكلات بسبب تخفيض عدد من الموظفين كإداريي البيت الأبيض أو العسكريين، فضلا عن توقّف سداد الحكومة الفدرالية لالتزاماتها تجاه سندات الخزينة، إنما تكمن المخاوف تجاه ما يمكن أن يترتب عليه الاتفاق النهائي لسقف الدّين حال التوصل إليه. مطالب الجمهوريين
فالجمهوريون يطالبون، منذ شهور، بربط أي زيادة في سقف الدين الذي تحدده الحكومة الأميركية لنفسها بخفض جذري في الإنفاق الفدرالي، الى جانب مطالب في نقاط اختلاف جوهري بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي، كفرض قيود عمل جديدة لمتلقي الرعاية الاجتماعية، والتوسع في التعدين وإنتاج الوقود الأحفوري - هذا ملف حساس للرئيس بايدن، الذي بنى حملته الانتخابية الماضية على التعهّد بدعم سياسات التحول للطاقة النظيفة - فضلا عن وقف برامج تسمح بالإقامة الشرعية للأطفال المهاجرين من الأميركيتين الوسطى واللاتينية.
ولا شك في أن تعثّر الولايات المتحدة عن السداد هو أمر، كما وصفته يلين، كارثي، لكونه سيتسبب في انخفاض الناتج المحلي الإجمالي الأميركي - أكبر اقتصاد في العالم - بنسبة 4 بالمئة، حسب وكالة موديز، وفقدان ملايين الوظائف من خارج وظائف الحكومة الفدرالية، وبالتالي، فإن الأثر السلبي على الاقتصاد العالمي سيكون لافتاً، ولا شك في أن الأثر سيمس أيضا دول الخليج لارتباطها في أكثر من قطاع مع الاقتصاد الأميركي بشكل مباشر أو غير مباشر، وقد يصل الأثر الى تصنيفات البنوك في المنطقة وأسواق الأسهم أيضا.
الخليج والركود
تعثّر الولايات المتحدة عن السداد أو إغلاق أنشطتها وخدماتها، أو حتى تجاوز هذه المخاطر باتفاق على خفض جوهري بالإنفاق، كما يريده الجمهوريون، سيعني زيادة في احتمالات دخول الاقتصاد العالمي نتيجة تعثّر أكبر اقتصاداته، وهو الاقتصاد الأميركي، في مرحلة ركود لا يزال تحت التوجّس من تزايد احتمالات حدوثه في ظل تشدّد السياسات النقدية للبنوك المركزية العالمية، واستمرار رفع الفائدة، وبالتالي الأثر الذي سيمتد الى توقعات الطلب على النفط وأسعاره وإيرادات دول الخليج المصدّرة للنفط، فضلا عن أن أي تراجعات لقيمة الدولار ستوثر من زاوية أخرى على قيمة إيرادات النفط عند تحويلها الى العملات المحلية، أي أن الأثر هنا مزدوج، بسبب تباطؤ الطلب على النفط، الى جانب العملة التي ترتبط بها كل دول الخليج في سياسة سعر الصرف، عدا الكويت التي يصل وزن الدولار في سلة عملاتها الى نحو 70 بالمئة.
يضاف الى ذلك كله الآثار السلبية المتوقعة على التجارة الدولية، لا سيما على تجارة الصين والقارة الأوروبية مع الولايات المتحدة، وما يرتبط بها من تداعيات تتعلق أيضا بتقليص الطلب على النفط، وبالتالي تراجُع أسعاره المدعومة أصلا بعوامل خارج حسابات السوق كالحرب الروسية - الأوكرانية، الى جانب قرار مجموعة منتجي «أوبك بلس» بخفض الإنتاج النفطي. استثمارات سيادية
كما أن دول دول الخليج تعتبر مستثمرا أساسيا في حيازات سندات الخزينة الأميركية بما يقدّر بـ 240 مليار دولار، تبلغ حيازات السعودية منها 116 مليارا، والإمارات 60 مليارا، والكويت 40 مليارا، الى جانب بقية الدول الخليجية الأخرى، وهي تأتي من ضمن استثمارات لصناديق الثروة السيادية الخليجية - غير معلنة - تقدّر قيمتها بأكثر من تريليون دولار، وفي كل الأحوال، فإن إغلاق الاقتصاد الأميركي أو تباطؤه نتيجة خفض جذري في الإنفاق سيؤثر على قيمة سندات الخزينة وجاذبيتها، في حال تعثّر الولايات المتحدة عن سداد التزاماتها.
آثار ممتدة
وليست أزمة سقف الدين الأميركي متعلّقة فقط بشأن داخلي للولايات المتحدة واقتصادها، بل إن آثارها ستمتد الى دول العالم أجمع؛ الكبيرة كالصين واليابان، وهما أكبر مستثمري سوق سندات الخزينة الأميركية، الى جانب الاتحاد الأوروبي، مرورا بالاقتصادات الناشئة، كالهند والبرازيل، الى أصغر دول العالم وأقلها أهمية، وبالتالي فإن دول الخليج التي تعتمد على النفط أولا ثم استثماراتها السيادية، مع محاولات متفاوتة النجاح لجذب استثمارات أجنبية، أو تعزيز التجارة البينية مع دول العالم، لا شك في أنها ستكون تحت ضغط تداعيات أي تطور سلبي لأزمة سقف الدين الأميركي، وغالبا ستكون الكويت الأكثر انكشافا على هذه الأزمة، خصوصا عندما يرتبط الأمر بالتداعيات المتوقعة على الطلب العالمي على النفط وأسعاره. مفاوضات ودروس
ولا يزال ملف سقف الدين الأميركي في إطار التفاوض بين البيت الأبيض و«الكونغرس»، وتحديدا مجلس النواب بأغلبيته الجمهورية، وأيضا لا يزال من المتوقع التوصل الى اتفاق في نهاية الأمر، حتى وإن دخل أكبر اقتصاد في العالم، مؤقتا، في إغلاق أو تخلّف عن سداد الديون، وربما يكون الأثر الأهم في هذه المفاوضات هو كيفية ما يتم التوصل إليه من اتفاق يتعلق بربط رفع سقف الدّين بتقييد الإنفاق، وأثر ذلك على النمو في الولايات المتحدة، وفي العالم.
ولعل في هذا الملف ما يذكّرنا دائما بالدروس التي تقدّمها لنا العديد من أزمات الاقتصاد العالمي، وهي ضرورة العمل في منطقة الخليج على خفض درجة الانكشاف المالي والاقتصادي على العالم من خلال إصلاحات جذرية تضمن رفع درجة الاستدامة للمنطقة واقتصاداتها وشعوبها.
فهذه ليست المرة الأولى التي تتعقد فيها مفاوضات رفع سقف الدين، فقد تكرر هذا الأمر لنحو 18 مرة في تاريخ الولايات المتحدة، منذ أن اعتمد «الكونغرس» عام 1974 قانونا فى عهد الرئيس نيكسون يقرّ أنه حين تعجز الأجهزة التشريعية عن إقرار الموازنة العامة للبلاد توقف مجموعة من الخدمات الممولة من الدولة، الى جانب منح موظفيها إجازة غير مدفوعة الأجر لحين إقرار الموازنة التي تتضمن سقفا معيّنا للدَّين العام الأميركي.
إغلاقات ومخاوف
ومع أن أطول مدد الإغلاق الذي تعرّضت له الحكومة الأميركية كان في ظل رئاسة رئيس من الحزب الديموقراطي، كالرئيس بيل كلينتون، واستمر لـ 21 يوما، ثم الرئيس باراك أوباما، واستمر 17 يوما، وهما ينتميان لنفس حزب الرئيس الحالي جو بايدن، المتوقّع أن تدخل الولايات المتحدة هذه المرة مدة إغلاق غير محددة، فإنّ مسألة المخاوف المترتبة على مخاطر الإغلاق لا تقاس بوقف الخدمات غير الأساسية، كإغلاق الحدائق العامة أو المتاحف أو حتى النقل والمواصلات بمشكلات بسبب تخفيض عدد من الموظفين كإداريي البيت الأبيض أو العسكريين، فضلا عن توقّف سداد الحكومة الفدرالية لالتزاماتها تجاه سندات الخزينة، إنما تكمن المخاوف تجاه ما يمكن أن يترتب عليه الاتفاق النهائي لسقف الدّين حال التوصل إليه. مطالب الجمهوريين
فالجمهوريون يطالبون، منذ شهور، بربط أي زيادة في سقف الدين الذي تحدده الحكومة الأميركية لنفسها بخفض جذري في الإنفاق الفدرالي، الى جانب مطالب في نقاط اختلاف جوهري بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي، كفرض قيود عمل جديدة لمتلقي الرعاية الاجتماعية، والتوسع في التعدين وإنتاج الوقود الأحفوري - هذا ملف حساس للرئيس بايدن، الذي بنى حملته الانتخابية الماضية على التعهّد بدعم سياسات التحول للطاقة النظيفة - فضلا عن وقف برامج تسمح بالإقامة الشرعية للأطفال المهاجرين من الأميركيتين الوسطى واللاتينية.
ولا شك في أن تعثّر الولايات المتحدة عن السداد هو أمر، كما وصفته يلين، كارثي، لكونه سيتسبب في انخفاض الناتج المحلي الإجمالي الأميركي - أكبر اقتصاد في العالم - بنسبة 4 بالمئة، حسب وكالة موديز، وفقدان ملايين الوظائف من خارج وظائف الحكومة الفدرالية، وبالتالي، فإن الأثر السلبي على الاقتصاد العالمي سيكون لافتاً، ولا شك في أن الأثر سيمس أيضا دول الخليج لارتباطها في أكثر من قطاع مع الاقتصاد الأميركي بشكل مباشر أو غير مباشر، وقد يصل الأثر الى تصنيفات البنوك في المنطقة وأسواق الأسهم أيضا.
الخليج والركود
تعثّر الولايات المتحدة عن السداد أو إغلاق أنشطتها وخدماتها، أو حتى تجاوز هذه المخاطر باتفاق على خفض جوهري بالإنفاق، كما يريده الجمهوريون، سيعني زيادة في احتمالات دخول الاقتصاد العالمي نتيجة تعثّر أكبر اقتصاداته، وهو الاقتصاد الأميركي، في مرحلة ركود لا يزال تحت التوجّس من تزايد احتمالات حدوثه في ظل تشدّد السياسات النقدية للبنوك المركزية العالمية، واستمرار رفع الفائدة، وبالتالي الأثر الذي سيمتد الى توقعات الطلب على النفط وأسعاره وإيرادات دول الخليج المصدّرة للنفط، فضلا عن أن أي تراجعات لقيمة الدولار ستوثر من زاوية أخرى على قيمة إيرادات النفط عند تحويلها الى العملات المحلية، أي أن الأثر هنا مزدوج، بسبب تباطؤ الطلب على النفط، الى جانب العملة التي ترتبط بها كل دول الخليج في سياسة سعر الصرف، عدا الكويت التي يصل وزن الدولار في سلة عملاتها الى نحو 70 بالمئة.
يضاف الى ذلك كله الآثار السلبية المتوقعة على التجارة الدولية، لا سيما على تجارة الصين والقارة الأوروبية مع الولايات المتحدة، وما يرتبط بها من تداعيات تتعلق أيضا بتقليص الطلب على النفط، وبالتالي تراجُع أسعاره المدعومة أصلا بعوامل خارج حسابات السوق كالحرب الروسية - الأوكرانية، الى جانب قرار مجموعة منتجي «أوبك بلس» بخفض الإنتاج النفطي. استثمارات سيادية
كما أن دول دول الخليج تعتبر مستثمرا أساسيا في حيازات سندات الخزينة الأميركية بما يقدّر بـ 240 مليار دولار، تبلغ حيازات السعودية منها 116 مليارا، والإمارات 60 مليارا، والكويت 40 مليارا، الى جانب بقية الدول الخليجية الأخرى، وهي تأتي من ضمن استثمارات لصناديق الثروة السيادية الخليجية - غير معلنة - تقدّر قيمتها بأكثر من تريليون دولار، وفي كل الأحوال، فإن إغلاق الاقتصاد الأميركي أو تباطؤه نتيجة خفض جذري في الإنفاق سيؤثر على قيمة سندات الخزينة وجاذبيتها، في حال تعثّر الولايات المتحدة عن سداد التزاماتها.
آثار ممتدة
وليست أزمة سقف الدين الأميركي متعلّقة فقط بشأن داخلي للولايات المتحدة واقتصادها، بل إن آثارها ستمتد الى دول العالم أجمع؛ الكبيرة كالصين واليابان، وهما أكبر مستثمري سوق سندات الخزينة الأميركية، الى جانب الاتحاد الأوروبي، مرورا بالاقتصادات الناشئة، كالهند والبرازيل، الى أصغر دول العالم وأقلها أهمية، وبالتالي فإن دول الخليج التي تعتمد على النفط أولا ثم استثماراتها السيادية، مع محاولات متفاوتة النجاح لجذب استثمارات أجنبية، أو تعزيز التجارة البينية مع دول العالم، لا شك في أنها ستكون تحت ضغط تداعيات أي تطور سلبي لأزمة سقف الدين الأميركي، وغالبا ستكون الكويت الأكثر انكشافا على هذه الأزمة، خصوصا عندما يرتبط الأمر بالتداعيات المتوقعة على الطلب العالمي على النفط وأسعاره. مفاوضات ودروس
ولا يزال ملف سقف الدين الأميركي في إطار التفاوض بين البيت الأبيض و«الكونغرس»، وتحديدا مجلس النواب بأغلبيته الجمهورية، وأيضا لا يزال من المتوقع التوصل الى اتفاق في نهاية الأمر، حتى وإن دخل أكبر اقتصاد في العالم، مؤقتا، في إغلاق أو تخلّف عن سداد الديون، وربما يكون الأثر الأهم في هذه المفاوضات هو كيفية ما يتم التوصل إليه من اتفاق يتعلق بربط رفع سقف الدّين بتقييد الإنفاق، وأثر ذلك على النمو في الولايات المتحدة، وفي العالم.
ولعل في هذا الملف ما يذكّرنا دائما بالدروس التي تقدّمها لنا العديد من أزمات الاقتصاد العالمي، وهي ضرورة العمل في منطقة الخليج على خفض درجة الانكشاف المالي والاقتصادي على العالم من خلال إصلاحات جذرية تضمن رفع درجة الاستدامة للمنطقة واقتصاداتها وشعوبها.