استضاف الرئيس الصيني شي جينبينغ، أمس، قمة لبلدان آسيا الوسطى، ساعياً لبسط نفوذ إقليمي، بينما يعقد قادة دول مجموعة السبع اجتماعاً موازياً في اليابان.
وذكرت بكين، أن الاجتماع، الذي انعقد في مدينة شيان الصينية، الواقعة أقصى شرق طريق الحرير وتشكل الرابط بين الصين وأوروبا عبر آسيا الوسطى، يحمل «أهمية كبرى»، وهو الأول من نوعه منذ أسست العلاقات الرسمية قبل 31 عاماً.
وفيما تتحرّك بكين لملء الفراغ الذي خلّفته الحرب الروسية على أوكرانيا في بلدان الاتحاد السوفياتي السابقة، يطرح شي نفسه كرجل دولة على الساحة الدولية ساعياً لتوسيع نفوذ الصين خارج حدودها.
وقال أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية في جامعة باكنيل تشيكون تشو، إن «شي سيصوّر نفسه على أنه زعيم قادر على تشجيع التنمية والسلام في العالم».
وتنعقد القمة بالتزامن مع اجتماع لدول مجموعة السبع في هيروشيما، يتوقع تشو أن يركّز على الجهود الرامية إلى «التصدي للنفوذ الصيني المتزايد حول العالم».
وأضاف أن قمة الصين وآسيا الوسطى تتسم بـ «أهمية دبلوماسية واستراتيجية لا يمكن الاستهانة بها».
وتؤكد بكين أن حجم تجارتها مع كازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان وصل إلى 70 مليار دولار في 2022 وسجّل نمواً بنسبة 22 بالمئة خلال الفصل الأول من 2023 مقارنة مع الفصل نفسه من العام الماضي.
كما باتت آسيا الوسطى أساسية بالنسبة لمبادرة «الحزام والطريق» الصينية البالغة قيمتها تريليون دولار، التي تعد أبرز مشروع جيوسياسي في عهد جينبينغ.
واستثمرت الصين، ثاني أكبر مستهلك للطاقة في العالم، مليارات الدولارات لاستغلال احتياطيات الغاز الطبيعي في آسيا الوسطى، حيث تمر خطوط سكك حديد تربط الصين بأوروبا.
ورجح محللون تحدثوا لـ «فرانس برس»، أن تشهد القمة جهوداً ترمي لإقامة شبكات نقل وأنابيب طاقة واسعة النطاق، تشمل مشروع إقامة سكك حديد تربط بين الصين وقرغيزستان وأوزبكستان تأخّر طويلاً وتبلغ كلفته 6 مليارات دولار، إضافة إلى مشروع توسعة خط لأنابيب الغاز يربط آسيا الوسطى بالصين.
وخلال لقاء أجراه الأربعاء مع شي، أشاد رئيس كازاخستان قاسم توكاييف بـ «النطاق الفريد» لهذا المشروع.
وقال شي لرئيس قرغيزستان صدير جاباروف في محادثات ثنائية أمس، إن الصين «ترغب بالعمل مع قرغيزستان لبناء مجتمع قائم على حسن الجوار والصداقة والازدهار المشترك والمستقبل المشترك».
وأعلنت شركة كازاك غاز الكازاخية الحكومية أنها وقعت عقداً مع شركة البترول الوطنية الصينية لمواصلة «التعاون في مجال إمدادات الغاز الطبيعي والاستكشاف الجيولوجي».
وقالت الشركة الكازاخية، إن الاتفاق «يرسي أيضاً الأساس لإنشاء السلسلة الثانية من خط أنابيب بينيو- بوزوي - شيمكينت للغاز».
يشار إلى أن الحكومة خططت العام الماضي لإجراء دراسة جدوى لإنشاء خط أنابيب ثان بطول 10 مليارات متر مكعب على طول مسار بينيو-بوزوي-شيمكنت.
وبشكل منفصل، قالت شركة النفط والغاز الكازاخية كاز موناي غاز عبر موقعها الإلكتروني إنها وشركة البترول الوطنية الصينية وقّعتا اتفاقاً لتوسيع «الشراكة الاستراتيجية»، حيث تخططان لتوسيع التعاون في التنقيب عن النفط الخام والمعالجة ودراسة إمكانية زيادة مبيعات النفط عبر خط أنابيب كازاخستان والصين.
إلى ذلك، بدأ قادة دول مجموعة السبع بالتوافد أمس، إلى هيروشيما، المدينة التي قصفت بقنبلة ذرية في 1945 وباتت رمزاً للسلام، لعقد قمة تتمحور حول تعزيز العقوبات على روسيا والتصدي لـ «القسر الاقتصادي» الذي قد تمارسه الصين.
ويستقبل رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا قادة القوى الاقتصادية الكبرى الـ 6 الآخرين في مجموعة السبع لعقد القمة التي تستمر حتى الأحد في المدينة التي دمرتها قنبلة ذرية وتنتشر فيها اليوم نصب من أجل السلام.
وسيسعى قادة الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة وإيطاليا وكندا لإظهار جبهة موحدة بمواجهة روسيا والصين، كذلك حول مسائل استراتيجية أخرى لا تعتمد دولهم حيالها على الدوام مواقف متشابهة.
الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي وصل إلى اليابان بعد ظهر أمس، واجه قبل مغادرته أزمة سياسية حادة حول الدين الأميركي أرغمته على إلغاء زيارتين إلى بابوا غينيا الجديدة وأستراليا، المحطتين اللاحقتين من جولة كان يعتزم القيام بها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
وستهيمن الحرب في أوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي قبل حوالي 15 شهراً على جدول أعمال القمة، مع تنظيم «مناقشات حول الوضع في ساحة المعركة»، على ما أوضح مستشار الأمن القومي الأميركي جيك ساليفان.
وكثفت الولايات المتحدة وحلفاؤها إمدادات الأسلحة لكييف، وسيشارك الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في القمة عبر الفيديو.
وأوضح ساليفان، أن المناقشات ستتركز حول تشديد العقوبات على روسيا، التي أدت حتى الآن إلى انكماش الاقتصاد الروسي في الفصل الأول من العام 2023.
وأشار إلى أن القادة السبع سيبحثون سبل منع الالتفاف على العقوبات الذي يسمح للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالاستمرار في تمويل مجهوده الحربي في أوكرانيا.
ونددت الدول السبع بشدة بتهديدات بوتين المتكررة باستخدام السلاح النووي في الحرب في أوكرانيا، والتي اعتبرها بعض المراقبين بمنزلة محاولة لإضعاف تصميم الأوروبيين والأميركيين.
وستسلط الأضواء على هذه المخاطر عند قيام القادة السبع بزيارة حديقة هيروشيما التذكارية للسلام التي أقيمت في موقع ألقاء القنبلة الذرية الأميركية في 6 أغسطس 1945، تكريماً لذكرى الضحايا الـ140 ألفاً الذين سقطوا.
ويأمل كيشيدا الذي تتحدر عائلته من هيروشيما، وهو نفسه منتخب عن المدينة، في اغتنام القمة لحضّ قادة الدول الست الأخرى، لاسيما الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا التي تملك معاً آلاف الرؤوس النووية، على التعهد بلزوم الشفافية بشأن مخزونها وبالحد من ترساناتها.
لكن في ظل التوتر المتزايد مع قوى نووية أخرى مثل روسيا وكوريا الشمالية والصين، تبقى الآمال ضعيفة في تحقيق تقدّم على هذا الصعيد.
وستخصص الدول السبع قسماً كبيراً من مناقشاتها لموضوع الصين، ولاسيما سبل التصدي لابتزاز اقتصادي قد تمارسه بكين، من خلال تنويع الإنتاج وشبكات الإمداد، في وقت أبدت الحكومة الصينية استعدادها لفرض قيود على التجارة.
ومن المتوقع، بحسب ساليفان، أن يندد قادة الدول السبع بهذا «القسر الاقتصادي» وأن يسعوا إلى تخطي الخلافات بين ضفتي الأطلسي بشأن الموقف الواجب اعتماده حيال الصين.
لكن الدول الأوروبية، وخصوصاً فرنسا وألمانيا، مصرة على التثبت من أن التصدي لمخاطر القسر الاقتصادي لا يعني قطع العلاقات مع الصين، أحد أكبر الأسواق في العالم. وشدد قصر الإليزيه قبل القمة على أنها ليست «معادية للصين»، داعياً إلى توجيه «رسالة إيجابية» بالتعاون «بشرط أن نتفاوض معاً».
كذلك دعت اليابان إلى هيروشيما 8 دول بينها قوى اقتصادية ناشئة مثل الهند والبرازيل في محاولة لضمّ بعض القادة المتحفظين على التصدي للحرب الروسية على أوكرانيا ولطموحات بكين العسكرية المتصاعدة في المنطقة.