يعيش العرب منذ عقود تحت وطأة العديد من الأزمات الطاحنة بعضها بسبب الاحتلال والأطماع والتدخلات الخارجية وبعضها نتيجة الخلافات والصراعات الداخلية على السلطة والمال والنفوذ، فثلث عدد دول الجامعة العربية تقريبا يعاني حروباً وأزمات ملتهبة ومستمرة منذ سنوات، وفشلت كل المحاولات في إنهاء النزاعات والانقسامات بين أبناء الوطن الواحد في أكثر من قطر عربي، ولم تلتزم الأطراف المتناحرة باتفاقيات وتسويات تم التوصل إليها بوساطات إقليمية ودولية لتظل الشعوب في هذه الدول هي التي تدفع الثمن غالياً.
لقد أنهكت الحروب والصراعات الكثير من دولنا العربية، وجعلتها تعاني أزمات سياسية واقتصادية وإنسانية، حيث تفرغ بعض العرب للحروب بالأسلحة في حين تفرغ آخرون للحرب الكلامية بنشر الفتن والاستقطاب عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، واستُنزفت طاقات الشباب في معارك فاشلة، وبات أكثر من 21 مليون طفل عربي خارج المدرسة، ووضع 50 مليون عربي في خانة الفقراء، وعجز السكان في كثير من الدول العربية عن تلبية احتياجاتهم المعيشية الأساسية، واستمر مخطط إبقاء الدول العربية مدينة هشة لا تقوى على التقدم والرقي، تنتمي إلى دول العالم الثالث التي تصارع من أجل العيش لا من أجل الارتقاء والتطور، فالوطن العربي قدره أن يظل يعيد إعمار ما أفسدته الحروب والثورات التي دمرت البُنى التحتية والصناعية، وفككت المؤسسات الرسمية والجيوش، وقتلت وجوّعت وشرّدت الملايين.
وفي ظل المشاكل والمآسي التي يمر بها عالمنا العربي تأتي القمة العربية الثانية والثلاثين التي ستعقد في المملكة العربية السعودية في 19 مايو الحالي لتنعش الآمال في البحث عن حلول لأزمات المنطقة التي تأتي على رأسها القضية الفلسطينية، خصوصا أنها تشهد هذه الأيام تصعيدًا خطيراً من قوات الاحتلال التي اغتالت عدداً من قيادات المقاومة، وأشعلت فتيل التصعيد من جديد، وكذلك البحث عن إيجاد حل سلمي للحرب التي تدور رحاها في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، وحل سياسي للأزمة السورية الممتدة منذ أكثر من عقد من الزمان، خصوصا بعد قرار عودة سورية إلى حضن الجامعة العربية، كما ينتظر الشعب اليمني تسوية سياسية لأزمته التي طال أمدها وينتظر اللبنانيون مد يد العون لهم لإنهاء الفراغ الرئاسي وتجاوز الأزمة الاقتصادية، كما يأمل الليبيون مساعدتهم لإنهاء الانقسام والصراع الدائر في بلادهم، وكلنا أمل في قمة العرب بالرياض في تسوية هذه الأزمات ونبذ كل الصراعات وإرجاع المياه لمجاريها، وذلك في مد يد العون والتعاون والتفاهم من الجميع بأن بعض أجزاء الوطن العربي بحاجة الى أبنائها لإعمارها كما عهدناها في السابق.
نسأل الله العلي القدير أن يلم الشمل العربي، وأن يحفظ الأمة الإسلامية والعربية من كل شر.